في "بنفسج" نرصد حال الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية من خلال التقارير والحوارات والتحقيقات، أو من خلال التواصل مع المؤسسات الحقوقية التي تُعنى بشأنهن. وهذا التقرير خاص بوضع الأسيرات الحوامل، وهن الأسيرتان؛ عائشة غيظان، الحامل في الشهر السابع، وجهاد غوانمة، الحامل في الشهر الرابع. فما هي أحوالهن الصحية والنفسية، خصوصًا في الظروف التي يعاني فيها الأسرى منذ السابع من أكتوبر 2023 بشكل مضاعف، فإن كانت الأسيرات والأسرى يعيشون ظروفًا صحية صعبة من قلة المأكل والمشرب والاحتياجات الأخرى، فإن حال الأسيرات الحوامل سيكون أكثر عسرًا وصعوبة. في هذا التقرير نرصد حال عائشة وجهاد؛ المحكومية والتهمة وحالهما في الأسر أثناء حملهما.
عائشة غيظان: الحامل في شهرها الثامن
عائشة هلال محيسن غيظان، 34 عامًا، تقطن الغرفة رقم 9 في سجن الدموان، حامل في شهرها السابع. ولدت عائشة في 5 كانون الأول/ ديسمبر 1990، وهي من قرية قبيا غرب مدينة رام الله، أم لخمسة أطفال والسادس يشارف على القدوم.
اعتقلت عائشة في 4 نيسان/ أبريل 2024، بتهمة التحريض، ونقلت إلى سجن الدامون. وكعادة جيش الاحتلال في برتوكولات الاعتقال التي زادت شدتها العقوبية منذ السابع من أكتوبر، إذ اقتحم منزلها وسألوا زوجها عنها، ولم تكد ترتدي ملابسها حتى اقتادوها مقيدة أمام خمسة أطفال يصرخون، ولم يسمح لها بوداعهم.
كانت والدة عائشة خضرة غيظان قد اعتقلت قبل يومين من اعتقال عائشة، وفي الليلة ذاتها، اعتقلت شقيقتها عيناء غيظان، ونقلتا معًا إلى معسكر عوفر للتحقيق. قيدت عائشة من الأيد والأرجل منذ لحظة الاعتقال الأولى وظلت كذلك أثناء التحقيق، دون ماء أو طعام، وكانت لا تزال في شهرها الخامس من الحمل.
وبعد الانتهاء من التحقيق نقلت إلى سجن هشارون، وفور وصولها هناك أجروا لها تفتيشًا دقيقًا ومن ثم وضعوا لها قيودًا على اليدين والرجلين وأدخلوها إلى زنزانة هي وشقيقتها ووالدتهما. الغرفة كانت خالية إلا من الكاميرات وفرشة وغطاء واحد ودون فورة. نُقلت عائشة وشقيقتها إلى سجن الدامون، وفي ما بعد جرى الإفراج عن شقيقتها عيناء وولدتهما وظلت عائشة أسيرة حتى اليوم بتهمة التحريض.
التهمة: رحمة الله عليك يا أخي
اعتقلت عائشة وأختها ووالدتهما بتهمة التحريض، وهما عائلة الشهيد أحمد غيظان الذي استشهد في تاريخ 6 تموز 2023 بعد تنفيذه عملية إطلاق نار، وما يعنيه الاحتلال بالتحريض على العنف والإرهاب، هو ذاته نشر كلمات الصبر والمواساة والدعاء لأخيها الشهيد على صفحتها فيس بوك، ونشر صوره والتعبير عن الشوق والحزن الذي تركه أخاها. نشرت عائشة "الله يرحم روحك"، "رحمة الله عليك". اعتقلت عائشة وأمها خضرة وأختها عيناء وأخوتها عبدالهادي وسليمان غيظان، وهما في معتقل عتصيون على خلفية التحريض كذلك، وما هذه التهمة إلا ترحم ودعاء لأخيهم الشهيد.
وللتعريف بتهم التحريض التي يوجهها الاحتلال للفلسطينيين، خصوصا بعد أن زادة وطأة الاعتقالات منذ الحرب، وباتت تهمة التحريض ذريعة لاعتقال الفلسطينيين رجالا ونساء. وتستند النيابة العسكرية للاحتلال في قراراتها ضد الفلسطينيين بدعوى التحريض إلى المواد 251 و199 (ج) من الأمر العسكري رقم 1651 للعام 2009، و"دعاوي التحريض" كلمة فضفاضة تتيح للقضاء الإسرائيليالتأويل والتلاعب في توجيه التهم، حتى لو كانت مدحا أو تشجيعا، أو دعاء، أو مواساة، ينشرها الفلسطينيون للترحم على من فقدوا من أحبة.
الأسيرات الفلسطينيات: الأمومة المقيدة
عائشة هي أم لخمسة أطفال وحامل بشهرها السابع، أكبرهم الطفلة ملك 12 عامًا، ومن ثم عدنان 11 عامًا، وميرال 9 أعوام، عثمان 8 أعوام، وأصغرهم الطفل لقمان ابن الأربع سنوات، وأخاهم الجنين الأسير الذي لم يبصر النور بعد. وإضافة إلى ألم الغياب الذي تعانيه عائشة والقلق على أطفالها الخمسة، فهي أيضًا خائفة من أن يمتد بها الأسر إلى حين الولادة، وهي التي بلغت الشهر السابع في الحمل.
وفي سجن الدامون تعاني الأسيرات من من نقص في الغذاء والاحتياجات، والتنكيل وسوء المعاملة التضييق على الأسرى وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية. وكما تنقل المؤسسات الحقوقية؛ فإن عائشة تعيش في ظروف صعبة لا يتوفر لها أدنى رعاية طبية وفحوصات دورية لمتابعة وضعها الصحي ووضع جنينها التي لم توفر منها إدارة السجن سوى فحص سكر الدم الذي أجرته قبل زيارة المحامية لها بأيام، هذا عدا عن سوء التغذية من ناحية نوعية وكمية الطعام والذي بدوره يؤثر عليها وعلى صحة جنينها. إضافة إلى عدم تناولها أي من المدعمات والفيتامينات التي تكون ملزمة للأم الحامل طوال مدة حملها بسبب عدم توفيرها من إدارة السجن.
تقول عنها فادية البرغوثي في إحدى منشوراتها: عائشة غيظان الفلسطينية التي كبل القيد معصمها وهي حامل في شهرها الخامس آنذاك، وديعة هادئة يلف الحزن قلبها حين تتحدث عن أخيها الشهيد، أو حين تستذكر أطفالًا تركتهم خلفها. صابرة محتسبة لا يفارق الذكر لسانها.
نترقب جميعًا خروجها من غرفتها لنطمئن عليها، أذكر أنها عادت يومًا من المحكمة مرهقة وكان باب الغرفة رقم (٩) مغلقًا فنامت في غرفتنا لكن قلوب الطغاة استكثرت عليها النوم العميق فرفضوا تركها تغط في نومها وأصروا أن نوقظها لتعود لغرفتها. ستعانقين الحرية يومًا يا عائشة أنت وجنينك وستروين له أن قيدهم الذي أدمى معصم والدته لم يهزم روحها القوية وإيمانها الراسخ.
الأسيرة الحامل : جهاد غوانمة
جهاد محمود غوانمة،وهي حامل في شهرها الرابع، تقطن غرفة رقم 3 في سجن الدامون. جهاد من مخيم الجلزون قرب مدينة رام الله. اعتقلتها قوات الاحتلال في 26 نيسان/ أبريل 2024، وهي أم لأربعة أطفال، أصغرهم طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات. تعاني الأسيرة جهاد من ضعف في الدم وفقا للتقارير الطبية التي أجريت لها قبل اعتقالها، وهي بحاجة إلى تغذية خاصّة، ورعاية صحية مضاعفة.
وللأسيرة غوانمة أربعة أشقاء آخرين معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، وهم: (محمد، ومعتصم، وعمر، ومصطفى) ثلاثة منهم اُعتقلوا في شهر آب/ أغسطس 2023، بينما اعتقل شقيقهم عمر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، علمًا أن الأشقاء الأربعة تعرضوا للاعتقال مرات عديدة، واثنين منهما جريحين وهما: محمد ومصطفى، كما أنّ غالبية أفراد العائلة تعرضوا للاستدعاء والاعتقال.
تقول عنها فادية البرغوثي في إحدى منشوراتها، غرفة 3: جوجو " جهاد غوانمة" من المستحيل أن تقف معها لحظات فلا يضحك قلبك قبل شفتاك. أم داوود بشوشة خفيفة ظل مفعمة بالحيوية رغم أشهر حملها الأربعة، إيمانها القوي بالله أعانها لتحافظ على صمودها وشخصيتها المرحة وروحها الرائعة رغم خصوصية وضعها، لجوجو الغالية ولجنينها كل الأمنيات بالسلامة والحرية.
أصبح اعتقال النساء من أبرز السياسات التي يستخدمها الاحتلال، وتضاعف بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء (292)، وهذا المعطى لا يشمل حالات اعتقال النساء التي تمت من غزة، والذي يقدر عددهن بالعشرات، لا تزال منهن حوالي 80 أسيرة حتى الآن ومعظمهن في الدامون.