الإثنين 22 يوليو
أؤمن أن الحياة ما هي إلا دار فناء، وأعمل بجد واجتهاد لدار البقاء الآخرة. فأخذت على عاتقي أن أكون في مقدمة ممن يقدمون يد العون للنازحين في مخيمات اللجوء لأنال الأجر والثواب من الله.افتتحت خيمة طبية لاستقبل فيها المرضى أعالجهم بشكل تطوعي، سعدت وأنا أساعد الغير كعادتي، واجهت خلال رحلتي في معالجة المرضى قصص عديدة لمرضاي كل له حكاية كل له أمنية.
أنا طبيبة الأطفال لبنى العزايزة، أم لثلاثة أطفال، كنت أعمل في مشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، وأقطن في دير البلح، نزحت لمرة واحدة من بيتي ثم عدت له وهو مقصوف، تضرر كثيرًا لكني أحمد الله أنه ما زالت هناك أعمدة.
رفضتُ أن أجلس مكتوفة اليدين وأنا أستطيع أنا أمارس مهنتي، فقررت أن أفتتح خيمة طبية وما شجعني وجود ثلاث مخيمات مقابل بيتي، ثم أردتُ أن أوسع دائرة المستفدين فأصبحتُ أجوب مخيمات النازحين في دير البلح، أقدم لهم الدعم النفسي أولًا ثم أرى إن كان لديهم شكاوي مرضية معينة من الأطفال والكبار، وعقدت جلسات تثقيفية للأمهات الحوامل والمرضعات.
ولأن الطريق لا يحلو إلا برفاق يساعدونك على المسير كانت معي ممرضتان وممرض، يتابعون الحالات رفقتي ويوجهون الناس لأماكن صرف العلاج.ومن خلال عملي رأيتُ أن غالبية الأمراض التي أواجهها هي التهاب الكبد الوبائي والنزلات المعوية عند الأطفال، ومؤخرًا بدأت حالات الأمراض الجلدية تتكاثر بشكل ملحوظ.
حقيقة أواجه صعوبة في عدم قدرتي على توفير الأدوية للنازحين فأنا لا أتبع لأحد، فأكتب لهم العلاج على "الروشتة" الخاصة بي وأوجههم لصرفها من الأماكن التي تصرفها لهم بالمجان ولكن في غالب الأحيان لا يتوفر الدواء المطلوب.لم أكن أمارس دور الطبيبة فحسب بل كنت مستمعة جيدة للهموم، بكيتُ كثيرًا وأنا أسمع حكايات المرضى، لم تكن جروحهم جسدية فحسب بل كانت حالتهم النفسية سيئة، أذكر أنني رأيت فتاة في العشرينيات من العمر كانت تبكي بعنف وتخبرني "احنا ولاد عز عمرها ما كانت عيشتنا هيك".. آلمت قلبي وهي تروي مشاعرها البائسة.
لقد غيرتنا الحرب جميعًا، وعلى صعيدي الشخصي فقد قوتني الحرب أكثر، وزادت الرضا بداخلي، وآمنت أنه لا شيء يستحق في هذه الحياة أن يبكي المرء من أجله، وأن الدنيا عابرة وما العيش إلا عيش الآخرة.سأظل أمارس مهنتي التي أحب وأكون بين الناس، أقدم ما أستطيع لهم حتى يأذن الله أن يعودوا إلى أماكنهم التي تحولت لخراب، وعلى الرغم من كل الدمار الذي جرى في المدينة إلا أنني أؤمن أن ظاهر الحرب شر لكن باطنها خير، والحكمة يعلمها الله وحده، وربما نعلمها بعد حين.