بنفسج

مجزرة الفجر: أشــــــــلاء جباه ساجدة

الإثنين 12 اغسطس

"من أصعب المشاهد الدامية والمروعة التي مرت علينا اليوم في مستشفى المعمداني بغزة بعد المجزرة الإسرائيلية على مدرسة التابعين كانت لشاب صغير يبلغ من العمر 16 عاماً، وصل إلينا وجزؤه السفلي مفتت ومهشم، يده اليسرى مبتورة، وجروح غائرة وحروق في أنحاء جسده. وأثناء إجراء الجراحة الطارئة، صدمت عندما وجدت رأس شخص آخر محطم بين عظام ساقيه المفتت، لم أتمكن من التعرف عليه إلا من خلال الفم والذقن.

كان مشهداً يفوق قدرة القلب والعقل على التحمل !ورغم كل جهودنا بإنقاذه لكنه فارق الحياة على سرير العمليات بعد نزف شديد لم يتوقف. للأسف، هناك العشرات من الإصابات المشابهة خطورةً ترقد الآن بين أروقة المشفى، وبكل لحظة تمر نفقد روحاً جديدة ". شهادة د. فضل نعيم، من داخل المستشفى المعمداني في غزة.

وقال الدكتور عز الدين اللولو، وهو طالب مقيم في المشفى العمداني، في منشور له بعد المجزرة، أن مئة شهيد ارتقوا في مجزرة المدرسة ولم يتعرفوا على الجثث بعد ن اختلطت بعضها ببعض.

مدرسة التابعين مأوى ومسجد للنازحين

مجزرة الفجر في مدرسة للإيواء في غزة.jpg
طفلة تبكي والدها وأقاربها الذين ارتقوا في مجزرة الفجر 

فجر يوم السبت الموافق 10 تموز/ يوليو، وقع، في مدرسة التابعين، التي تؤوي مئات النازحين النائمين والمصلين، ثلاثة صواريخ يزن الواحد منها ألفي رطل، غارت بها الأرض، وتدمرت الحيطان والأسقف، فما بال الأجساد من لحم ودم! تتكون المدرسة من طابقين استخدمها الأهالي؛ العلوي يسكن فيه الأطفال والنساء والشيوخ، والسفلي يتخذه الناس مسجدًا تؤتم به صلاتهم. بينما تقول إسرائيل أنها تستهدف مقاومين في المدرسة، عند الخامسة إلا ربع فجرًا، فارتقى مئة شهيد فيها بينهم 11 طفلًا و7 نساء، والبقية من الرجال المصلين الساجدين.

أصوات متقطعة مخنوقة لم تقو حتى على البكاء، راقبنا الكثير من التقارير الصحافية؛ هناك، وقف الصحافيون أو جلسوا على الأرض، وكلهم رددوا ذات الكلمات: لا يمكن وصف ما حدث، مجزرة لا يمكن وصفها، لا نعرف ماذا نقول، هذا فوق ما يمكن تخيله!

يقول أحدهم أن الأجساد لم تتبعثر أشلاء فحسب، بل تبخرت ولم يرُ لها أي أثر، رائحة الدماء انتشرت في كل المكان، وكل ما يحيط بالمدرسة صار أحمر اللون. هرع الأهالي للملمة اللحم المتنائر وتعبئته بأكياس، على أن كل 70 كيلو غرامًا هو جثة، دون التعرف إلى أي أحد على الإطلاق ما عدا الجرحى الذين كانوا يجهزون أنفسهم للصلاة، أما الإمام والمصلين من خلفه فقد اختلطت أجزاؤهم بعضها ببعض.

ارتكب العدو المئات من المجازر بحق المدنيين منذ بدء الحرب، في الأسواق والمساجد والكنائس والمستشفيات والأسواق، ولكن استهداف المدارس ازدادت وتيرته خلال المرحلة الثانية من الحرب؛ إذ يقول للأهالي بيوتكم غير آمنوا فارحلوا، فما إن يستجمعون أشياءهم ويحاولون إيجاد مأوى لهم، في شارع أو خيمة أو مدرسة، حتى تقصف، وهم الآن يعلمون أن كل ادعاءات الاحتلال كاذبة. فلم يحذر الأهالي في مدرسة التابعين كما لم يحذروا في مدرسة خديجة ومدرسة أبو حسين والفلاح وأكثر من 340 مدرسة غيرها قصفت منذ بدء الحرب. وتبرير الاحتلال عند قصف كل مدرسة هو حجة المجرم الذي يهدف إلى قتل الأطفال والمدنيين والقول إن مقاومًا يختبئ بينهم.

علماء وأساتذة وأكاديميون مستهدفون

من المكان الذي ارتكب فيه الاحتلال الإسرائيلي مجزرة الفجر.jpg
من المكان الذي ارتكب فيه الاحتلال الإسرائيلي مجزرة الفجر في مدرسة للإيواء في قطاع غزة 

قال العدو أنه استهدف مجموعة من المقاومين وادعت أنهم يأتوون بالمدرسة، وهي تعلم تماما أنها مدرسة إيواء لا يلجأ إليها إلا من نزح من العائلات نساء وأطفالًا، وقد اتخذ الأهالي من الطابق الأولى مسجدًا يقيمون فيه صلاتهم، والطابق الثاني ليس فيه إلا النساء والأطفال النائمون.

أما صفوف المصلين فقد ضمت إمامهم وعالمهم وأستاذهم، ومنهم الشيخ محمد أبو سعدة مدير الأوقاف، وعبدالعزيز الكفارنة نائب رئيس بلدية بيت حانون، ود. يوسف الكحلوت، أستاذ اللغات في الجامعة الأسلامية ود. أشرف رفيق الغفري المتخصص في الدراسات الإسلامية.

وقال الناطق الإعلامي في عزة بأن ٣ صواريخ يزن كل منها ألفي رطل ألقيت على مدرسة التابعين في حي الدرج في مدينة عزة."نساء مقطعات وأطفال محترقون… لم ينج أحد من المصلين… العالم كله يتفرج".

بعد سماع الانفجار فورًا ركض الأهالي إلى المكان "عند الفجر، لسا يا دوب بدنا نصلي، صوت هز الدنيا هزّ". ركضوا يجمعون الأشلاء والأجساد المفتتة، وقالوا إنهم بجمعونها في أكياس وحين يجتمع في كيس نحو ٧٠ كيلوغرامًا يعتبرونها جثة، ولكنها بالتأكيد أشلاء تجمعها أشلاء تناثرت إثر سقوط أطنان من المتفجرات على أجساد مصلين ساجدين، جباههم تلامس الأرض وبقيت كذلك! وقال الناطق الإعلامي في عزة أن جثامين الشهداء تبخرت من شدة الانفجارات القنابل المحرمة دوليا.

وقف الصحافيون مذهولون، لم يستطع أحد منهم نقل الحدث أو التعليق عليه، بينما هرع الأهالي لنقل الأجساد المبتورة إلى المشفى المعمداني الذي يخلو إلا من عدد قليل من الأطباء دون معدات أو تجهيزات. وأخذ آخرون يلملمون قطع الأجساد الطاهرة التي تناثرت أجزؤعا في كل مكان.

مجزرة الفجر: شهادات حية 

فلسطينية من غزة تبكي أقاربها الذين قضوا في مجزرة الفجر.jpg
فلسطينية من غزة تبكي أقاربها الذين قضوا في مجزرة الفجر 

"صحينا ع صوت ضرب عالفجر… ركضنا لقينا أشلاء ناس بريئة كانوا بصلوا.. هذه مدرسة التابعين مدرسة فيها نازحين لا شأن لهم، كل الشهداء مدنيين ليس هناك مقاوم واحد بل كل النائمين أطفال ونساء".

تقول امرأة تجلس على الأرض: "ناس مشردة ولا مكان آمن… صحيت أدور ولادي… لقيتهم مقطعين… فش ولا حدا.. كلهم تحت الردم اتقطعوا".ويقول آخر: "جيت ع صوت الضربة، كلهم مرميين ما عرفنا أي جثة ولا الأشلاء هاي لمين وهاي لمين، إيش ذنبهم قاعدين بمدرسة أيواء، إيش عملوا!".

ورجل يقول: "عالخمسة إلا ربع سمعنا الضربة، جينا لقينا الناس مرمية ولا في جثة كاملة، إلي في المتوضأ إصابات، أما إلي في المسجد كلهم اتقطعوا. المسجد فوقيه طابق نساء وأطفال فيه نايمين." وتقول امرأة كانت تسكن المدرسة: "أنا إلي هان ١٠ شهور، كنت أصلي، سلمت، إلا انضربنا، قمت أجري أدور لقيت أبوي عليه الردم وجوزي أشلاء ما في حدا عايش إلا ابني كان في المتوضأ… ".

"عالخمسة إلا ربع سمعنا الضربة، جينا لقينا الناس مرمية ولا في جثة كاملة، إلي في المتوضأ إصابات، أما إلي في المسجد كلهم اتقطعوا. المسجد فوقيه طابق نساء وأطفال فيه نايمين."

وطفلة تقول: "عالفجر ما قلنا الله أكبر الا الصواريخ نزلت، نزل أخوي يدور ع أخوي الثاني وأبوي، لقي أخوي أجريه مقطوعة، أبوي وعمي طلعوهم من تحت الردم، مسافة المستشفى، قطع نفسهم راحوا شهداء"!

طفلة أخرى: "أخوي مريض سكري كان نايم ع زواية الغرفة فجأة اطلعت حوالي أحمر كله، والردم فوقي صرت أنادي ع أمي وأبوي".… طفلة: "استشهد أبوي وعمي وولاد عمي وولاد خالي، كانوا سند وظهر إلنا بعد ما استشهد أخوي أول الحرب، كانوا زي إخوتنا والله انكسر ظهرنا بروحتهم"... تبكي بشدة..."كنا ندعي نموت مع بعض محدا يتحسر عالثاني أكم شهيد راحلنا من أول الحرب".

استهداف المدارس والمدنيين: هذا ما تفعله إسرائيل

رجل مسن ناجٍ من مجزرة الفجر.jpg
رجل مسن ناجٍ من مجزرة الفجر 

منذ بدء حرب طوفان الأقصى السابع من أكتوبر 2023، قصفت إسرائيل أكثر من 342 منشأة تعليمية، معظمها مأهولة بالنازحين، بما في ذلك الجامعات، في قطاع غزة كجزء من تدميرها للبنية التحتية، وخصوصًا المؤسسات التعليمية، بهدف القتل أولًا؛ إذ توقف 625 ألف طالب في غزة عن التعليم منذ ما يقارب 10 أشهر، ونزح أكثر من 700 ألف طفل إلى مدارس الإيواء.

وحتى الآن دمرت إسرائيل ما يقارب ثلثي مدارس الأنروا، ما يعادل 70% منها، منها ما دمر تدميرًا كاملًا بما يقدر ب 53 مدرسة خلال 200 هجوم عسكري إسرائيلي غاشم، وتضررت أكثر من 388 مدرسة بشكل جزئي.

"عالفجر ما قلنا الله أكبر الا الصواريخ نزلت، نزل أخوي يدور ع أخوي الثاني وأبوي، لقي أخوي أجريه مقطوعة، أبوي وعمي طلعوهم من تحت الردم، مسافة المستشفى، قطع نفسهم راحوا شهداء"!

تذرعت إسرائيل في كل هجوم بأن المقاومة في غزة تختبئ في مدارس الإيواء، وأنها قاعدة لإطلاق الصواريخ من بين المدنيين في مناطق الإيواء والنزوح، ومن ذلك أعلنت وزارة التعليم في غزة أن 5500 طالبًا و209 موظفين تعليميين قتلوا، وأصيب 7259 طالبًا و619 معلمًا، وتضررت أكثر 388 مدرسة.

وأعلنت الأمم المتحدة أن 90 بالمئة من المباني المدرسية في غزة تُستخدم للمأوى وتقدر عدها ب 320 مبنى، وأن كل المدارس تعرضت للضرر الجزئي أو الكلي. هذا ويُفاد بأن عدد الطلبة في غزة أكثر من 625 ألف طالب وطالبة و22 ألف معلم ومعلمة كانوا يرتادون 563 مبنى مدرسيًا قبل الحرب.