سجى معدي التي أكملت ربيعها الـــــ ٢٧ بعيدة عن قلوبنا مخفية قسرًا في سجون الاحتلال البغيض، في ١٨/٤/٢٠٢٤ وبينما الصباح يشق أنفاسه الأولى اقتحمت قوات الاحتلال الصهيوني بيتنا الكائن في قرية كفر مالك لتعتقل روح الحياة وبلسم الأيام من بيننا، تم اعتقال سجى واقتيادها إلى معكسر بيت إيل المقام على أراضينا الفلسطينية، ليتم استجوابها ونقلها لاحقا إلى سجن الدامون المقام على أرضي جبال الكرمل.
أصدرت سُلطات الاحتلال حُكمًا بالسجن لمدة ٦ أشهر إداري على شقيقتي سجى، ولكل من لا يعرف معنى الإداري؛ فإنه مع كل انتهاء للمدة بإمكان المحكمة العسكرية إعادة تمديد الفترة من دون تهم ولا لائحة اتهام. قالت سجى في زيارة أحد المحاميين ممازحة ولتخفف من قلقنا عليها: " احكي لأهلي خليكم بكفر مالك أنا حاليا ببلادنا اللي كنا ممنوعين نوصلها أنا حاليا بحيفا"
سجى دائمة المزاح خفيفة الروح والظل تحاول حتى في سجنها التخفيف عن أهلها وطمأنتهم، لا تشتكي أبدا رغم أن الأسيرات المحررات أخبرننا أن وضع السجن كارثي، وأن مقومات الحياة فيه شبه معدومة؛ فالأسيرة تبقى في غرفة مساحتها لا تتجاوز بضعة أمتار مع خمسة أو ستة أسيرات غيرها لمدة ٢٣ ساعة يوميًا، وتخرج فقط لمدة ساعة من أجل الاستحمام وتنظيف الغرفة وغيرها.
كما ذكرن أن الماء ساخن ومليء بالكلور، والأكل بقوليات معظمها غير مطبوخة جيدًا، وتسبب آلام كثيرة في المعدة والأمعاء، ولا يوجد عناية طبية، ولكل أسيرة يوجد غيار واحد فقط غير الذي كانت ترتديه وقت الاعتقال - والكثير من الأسيرات اعتقلن أثناء فصل الشتاء - لك أن تتخيل رطوبة السجن والحر الشديد بأيام الصيف بينما ترتدي الأسيرة قطعة الغيار الشتوية، فهذا قهر فوق القهر.
تتميز سجى بأنها صاحبة أثر لطيف أينما حلت، فهي الآن تحاول كسر الجمود والروتين بالسجن رغم القيد والألم، فاخترعت للأسيرات ألعابًا مختلفة مثل الشطرنج والشدة ولعبة المتشابهات، تقول الأسيرات المحررات بأن سجى ستترك أثرًا جميلًا وعظيمًا في قلوب الأسيرات لإنها تحاول دائما صنع شيء من اللاشيء.
"احكي لأهلي خليكم بكفر مالك أنا حاليا ببلادنا اللي كنا ممنوعين نوصلها أنا حاليا بحيفا"
مما يُحسب لشقيقتي سجى أيضًا، أنها أحد مؤسسين مجموعة حلمك حقيقة، التي تم من خلالها تحقيق حلم أكثر من 200 طفلًا، كانت تكرس وقتها لإنجاح المجموعة بكل التفاصيل، وزيارة الأطفال لكتابة أحلامهم، ولاحقا لنحقيقها بالكثير من الضحك واللعب والمرح، كما أنها أحد الأعضاء الرئيسيين لمجموعة كأني أكلت التطوعية، والتي تهدف للتخفيف عن العائلات والأسر الأقل حظًا، فكانت بعد عملها تزور العائلات لترسل إليهم السلات الغذائية وتلاعب الأطفال وتخفف عنهم، وتسألهم عن أحوالهم وباقي احتياجاتهم.
سجى قبل الأسر كانت تهتم بالكثير من الأطفال من الأسر المستورة والأقل حظًا، حتى أن أحد الأطفال بكى عند سماع الخبر وكتب لها بخطه الخجول الطفولي "إلى صديقتنا سجى اللطيفة، نحن نفتقدك كثيرًا وحزنا جدًا عندما سمعنا أن اعتقلوكي الجيش وحزنت كثيرًا عندما رأيت الفيديو لحظة اعتقالك، ولكن شعرت بالفخر عندما شاهدت نظرة القوة بعينيك وعدم الخوف من هذا العدو، كوني قوية وإن شاء الله تكوني بيننا قريبا. صديقك مراد ".
سجى إنسانة حنونة على الصغير والكبير قلبها طيب ومليء بحب الوطن والأرض والأطفال، تحب عمل الخير كثيرًا وتسند غيرها بكل حب وعطاء، الأخت المفضلة والخالة المحبوبة والابنة المعطاء ببرها وحبها. العائلة تستفقدها كثيرًا بكل تفاصيل الحياة وتمر الأيام بدونها مرة وصعبة، العائلات المستورة تستفقد إحسانها وضحكتها وطبطبتها على الأطفال وكل من يعرفها يستفقد ضحكتها ولمعة الخير في عينيها.ولكن حسبنا أن الأمر والحكم كله لله وعليه توكلنا...
ومما يخرج لنا عن حال سجى في الدامون، على لسان الأسيرات المحررات، فقالت إحداهن: " ضحكة سجى بتعطي تفاؤل لكل الأسيرات" والثانية بمكالمة هاتفية لوالدتها " بنتك يا خالتو هاي بلسم بتحطيها على الجرح بطيب الله يباركلك فيها وبتربيتها" وقالت ثالثة: "سجى شو بدي أحكيلك عن سجى، بتجنن هاي البنت كلنا بنحبها وبنحب ضحكتها وهي دايمًا بتحاول تعمل جو يطلعنا من جو العزلة بالسجن".
سجى حرّة وما بتستاهل إلّا الحرية!
كتبت إحدى صديقاتها "سجى حبيبة الرّوح والقلب، وألطف مهرّج! سجى صديقة الأطفال والكبار ، صاحبة الروح الحرّة، وكلمة الحق الصادقة، والمبادئ التي لا تتجزأ. القوية صاحبة أطيب قلب وألطف ابتسامة، رافضة الظلم على الغير قبل نفسها ومستعدة تدفعه بأي طريقة. صاحبة العطاء اللا محدود، موجودة دايماً لتساعد كل محتاج وتطلعه من مصيبته وتجبر بخاطره كمان. مستحيل تلاقيها مهموم وما تطلعك مبسوط. دايماً بتسعى لتلاقي الأيتام والأسر الأقل حظاً قبل ما هم يلاقوها، بتساعدهم بالأكثر ليطلعوا بضحكوا مش بس راضيين.
سجى التي تحب فلسطين والوطن كثيرًا، تشارك دائمًا في المسارات الاستكشافية، لتتعرف على الأرض والقضية، سجى حرّة وما بتستاهل إلّا الحرية!