قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس...". بكاء كثير، دموع غزيرة، ارتجاف وتوتر، انقطاع في الأنفاس، آخر ما يُتلى من كلم آيات الله، حفظًا وسردًا، سجودًا وتكبيرات. فرحة وأي فرحة. لا يمكن سؤال السارد في ذاك الوقت عن إحساسه، فأي قرب؟! أي قرب للسارد من الصفوة من ربه...أي رب، أي إلهي، أنا عبدك، وضعت كلمك في صدري وقلبي وعقلي، أرددها وأستشعرها وأتمتم بها ليل نهار! أصبح الكلم في كل يومي، تسربت حروفه إلى مساماتي، فأي قرب!
هل سألتم السارد وهو يقرأ آخر الأحرف، ترتجف وأنت تسير رويدًا رويدًا في قرب وتؤده، أي حب، أي شوق. ربما تظل بعض هذه الأسئلة خلو من إجابة تامة، ولكننا نستطيع حوار من كانوا جامعة وإطارًا وتأسيسًا وحاضنة الشباب والشابات والأطفال منهم واليافعين في مشروع حفظ كتاب الله "صفوة القراء" في نابلس. في هذا الحوار التقينا بإحدى مؤسساته الفاضلات، فسألناها عن خطوة التأسيس وبدياته وتطوره.
البداية والانطلاق
في كل مرة كنت أتحدث فيها إلى شذى حجاوي وجدتها كالذي ينهض ويقوم ليل نهار في سبيل ما يسعى إليه، وهي رغم الأوضاع في الشمال، مدن نابلس وجنين وطولكرم، لا تؤول جهدًا ولا تضيع وقتًا إلا واستثمرته في مشروع صفوة القراء، تنظيمًا وترتيبًا وتواصلًا للوصول إلى يوم السرد على كل مراحله، لذلك وددنا التعرف إليها عن قرب، وهي واحدة من مؤسسات مشروع صفوة القراء في نابلس؛ اسمها ودراستها، فقالت: "اسمي شذى عصام حجاوي، حاصلة على بكالوريوس الهندسة المدنية، وأنا من مدينة نابلس.
بدأت مشواري مع القرآن بالحفظ والتجويد، فحصلت على شهادات اتقان المستوى الأول والمستوى الثاني والمستوى الثالث والرابع، مع أوقاف القدس وأوقاف الأردن، مع لجنة المحافظة على القرآن الكريم. والحمدلله رب العالمين أكرمنا بالقراءة على الدكتور منتصر الأسمر، سند غيبي، حفص عن عاصم، وأقرأ الآن مع شيخي سعيد القلقيلي قراءة عاصم حفص وشعبة".
أما عن المشروع، فقد سألنا شذى عنه ومكان تأسيسه وكيف تطور، فأجابت: "أسمينا المشروع "صفوة القراء"، وأسسناه في مدينة نابلس، بعد أن أُعلن عنه تحت رعاية وزارة الأوقاف متمثلة في مديرية أوقاف نابلس. بدأنا على أساس أن يكون القراء والساردين من نابلس وخارجها، ولكن ذلك كان صعبًا بسبب الظروف الأمنية والطرق والحواجز، ويمكن أن يخدمهم المشروع في بلدات خارج نابلس ولكن بشرط أن تكون تابعة لمحافظاتهم ومديرياتهم.
بداية المشروع كانت فكرة، ثم اجتهدنا، وأسسنا إدارة للذكور ثم إدارة للإناث وتواصلنا مع مديرية أوقاف نابلس والحمدلله تمت الموافقة على المشروع. أعلنا عن المشروع وأرفقنا رابطًا لكل مستوى، على الإنترنت، وذلك على مستوى ٣ مستويات :المستوى الأول القرآن كاملًا، المستوى الثاني ١٥ جزءًا، والمستوى الثالث ١٠ أجزاء".
الإعلان والتخطيط: مجموعات واتس آب
يجتمع المتطوعون والمتطوعات، وسرعان ما ينتشر الإعلان على كل المنصات فيعرف عنها القاصي والداني أن ثمة مشروع للحفظ والتحفيظ. وهنا سألنا شذى عن البدايات، فقالت عن مكان المشروع وبداياته والإعلان عنه قالت: "المشروع فقط مخصص لمدينة نابلس المدينة نفسها والمخيمات والقرى والبلدات. أما الإعلان فتم بواسطة نشره على صفحاتنا الشخصية وأهالي الخير وأهل القران الذين نشروا الإعلان وعمموه، وكذلك نشرت مديرية أوقاف نابلس الإعلان ذاته في 21 آذار/ مارس، وكذلك مراكز القرآن عبر روابط الواتس آب.
بدأنا بنشر الخطط؛ شهرية وأسبوعية وتذكيرات يومية، ويقسم التسميع على أيام الأسبوع ويكون اليوم الأخير تثبيت النصاب، فيُسمع جزآن، مشروع الصفوة ليس مشروع حفظ قرآن بل مشروع سرد، والسرد يعني مرحلة الحفظ المتقن. وقليل من الناس يثبتون، يحفظون ويسردون القرآن كاملًا. الحفظ هو تسميع مواقع معينة من القرآن الكريم مثل المسابقات مثلًا. ولكن السرد هي قراءة متقنة وتكون نشطة الحروف والكلمات واضحة غير متراكبة، وتقييم كل جزئية في السرد على هذا الأساس.
مستويات التحفيظ
قسمنا الخطة لكل مستوى لكل فئة، مثلاً هناك المستوى الثاني ال١٥ جزء، يمكن للسارد أن يقدم على ال١٥ جزء الأولى، ويمكن للسارد أن يقدم على ال١٥ جزء الثانية. قمنا بإعداد خطط محكمة الحمدلله، كاملة للمستويات، جميعها وبكامل فئاتها. بعد انتهاء الشهر الأول من الخطط الثلاث أعددنا امتحانًا إلكترونيًا، وطلبنا من كل سارد وساردة ومشترك ومشتركة السرد في أربعة مواضع، أو خمسة مواضع، إذ سردوا حوالي ١٢ صفحة إلى ٢٠صفحة.
سرد القران في جلسة واحدة في وقت لا يتجاوز ٧-٩ ساعات
وهذا يعطي انطباعًا أوليًا عن قراءتهم وسرعتها، ونحن نتكلم عن عامل الوقت في السرد وهو عامل مهم جدًا، إذ يسرد القرآن في جلسة واحدة في وقت لا يتجاوز ٧-٩ ساعات. بحمد الله لم يخرج أي سارد بعد هذا التقييم، ولكن التحديات الأكبر تأتي بعد ذلك وهي مرحلة المراجعة والتثبيت . بعد نهاية الشهر الثالث انتهينا من وضع الخطط لجميع المستويات بفضل الله.
كل هذا العمل كان عن طريق الواتس آب، كما نستخدم الفيسبوك للإعلانات المهمة، وما عدا ذلك فإننا نتواصل على مستوى مجتمع كامل ومجموعات واتس آب لكل مستوى. وللمشرفات أيضًا مجموعات واتس آب. بالطبع عندما انتهينا من الخطط منحنا الساردين فترة أسبوع إلى أسبوعين للمراجعة ومن ثم سرد امتحان تصفية نهائية".
وعن دور التقنية في مشروع الصفوة تقول شذى: "بات من الصعب التوجه إلى المساجد في ظل الظروف الأمنية الصعبة، وأمور أخرى، لذلك أنشأنا مجتمعات عبر تقانة التواصل الاجتماعي، هذه المجتمعات هي مجتمعات صفوة القراء جميعهم من إناث وذكور، لكل مجموعة مشرف أو مشرفة، وكل مشرفة مسؤولة عن حوالي من ١٠-١٢ طالبة. والخطط كما ذكرت سابقًا، خطط حفظ تثبيت ومراجعة؛ لأن السارد يجب أن يكون سرده متقن وسريع. وقد تأجل موعد السرد بسبب الأوضاع وصعوبة الوصول إلى المدينة حتى موعد 24 آب".
كان لدينا تقريباً ٨ مجموعات لمستوى القرآن الكريم كاملًا، وهذا يعني مع ٨ مشرفات، وكان عندنا مشرفات احتياط، إذا تغيبت مشرفة، أي لدينا ١٢ مشرفة في ال٨ مجموعات، وبالنسبة لنصف القران ال١٥ جزءًا كان لدينا حوالي ٢٠ مجموعة أيضاً تقريباً ٢٤ مشرفة، وبالنسبة لل١٠ أجزاء كانت الأعداد كبيرة جداً، عددها أكثر من ٣٠ مجموعة، في مجموعات فيها ١٢ طالبة، وهناك مجموعات يصل أعداها من ١٦-١٧ طالبة، كان معنا في الإشراف الرئيس حوالي 5، أما بالنسبة لإدارة الإناث فقط كنت أنا والإدارة عند الذكور الشيخ موسى المدفع.
مجتمع الساردين: مجتمع قرآني
وعن علاقة مجتمع الساردين والمشرفين وكل القائمين على المشروع تقول شذى: "بالنسبة إلى قسم الإناث فجميع الساردات ماشاءالله، تجمعهن علاقة جميلة وعلاقتنا بهن كذلك. كان اللقاء جميلًا جداً، كان السرد في ٢٤/٨ يوم السبت، كنا كما كأننا في الجنة ننتقل من قصر فلانة الى قصر فلانة. جميعهن كن متحمسات لرؤيتنا وجاهيا والتعرف إلينا، وكنا أيضًا في شوق للقائهن.
والشباب كلهم أهل قرآن وكلهم كانوا متعاونيين جداً حتى في يوم التنظيف ويوم السرد، زينوا المساجد وحضروا الضيافات، وحضروا كل شيء يلزمنا، كان عرسًا قرآنيًا بحق".
كما سألنا شذى عن الصعوبات التي تواجهم في أي صعيد كانت فأجابت: "أهم الصعوبات كانت تتعلق بضعف التواصل وعدم الاستجابة السريعة أحيانًا، وخصوصا عندما نطلب من المشاركات تعبئة نموذج، وكذلك عندما يتطلب الأمر الوصل إلى المدينة".