بنفسج

الزنانة والكواد كابتر: جاسوس إسرائيلي بصوت الموت

الأحد 01 سبتمبر

"الزنانة".. هكذا يسمي أهل غزة طائرة الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار، واقتُبس لقبها من الزن المتواصل الذي تقوم به على مدار اليوم، وعند سكون الليل يعلو صوتها أكثر، فتسبب الرعب بصوتها القريب ويتساءل الغزيون: ما الذي ستستهدفه الآن؟ أي أرواح ستقتلها وتقتل أحلامها؟.. ضغطة زر واحدة من جندي في غرفة التحكم ستودي بحياة العشرات وربما المئات.

تراقب "الزنانة" حياة الغزيين على مدار الأربع وعشرين ساعة، ولا تغادر السماء مطلقًا، ورافقتها مؤخرًا في المهمات الإجرامية "الكواد كابتر" التي تطلق الرصاص بشكل مباشر على الناس، ويصدر منها أصوات أطفال يبكون، ونساء يصرخن، ما يتسبب بحالة من الهلع في صفوف المواطنين الذين يعيشون الإبادة الجماعية من 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

الزنانة و"الكواد كابتر" : كابوس مرعب وقتل منتظر

زنن.jpeg
الزنانة طائرة الاستطلاع الإسرائيلية

يحكي لنا غزيون عن معاناتهم الدائمة مع "الزنانة" وما تخلفها لهم من آلام بالرأس، وقلق متواصل، ورعب من بزوغ أزيزها بالأجواء. تقول لينا محمود عن "الزنانة"، "الذي يرعب ليس فقط صوتها وحده، وإنما معرفتنا بأنها تبحث عن فريسة أو تخطط لقصف مكان ما، وهذا الأمر كفيل بأن يطرد النوم من أعيننا".

يُعرف الغالبية منا الزنانة ويتلوها بلفظ المزعجة، ولكن لينا تجد ذلك توصيفًا ناعمًا جدًا لما تفعله بنا هذه الطائرة، حيث تأثيرها كبير على الصحة النفسية والجسدية. تتمنى لينا أن تسترجع الأيام الصباحية التي كان يعلو فيها صوت العصافير التي تتراقص على الشجرة المقابلة لنافذة غرفتها، لكن الآن لا صوت يعلو فوق "الزنانة"، فتبين: "لكم أن تتخيلوا كيف يمكن لصوتها أن يكون في الصمت، أعتقد بأن لا أحد يمكن له احتمالها، ولكن نحن في غزة نعيش عليها منذ نحو أحد عشرة شهرًا".

"لكم أن تتخيلوا كيف يمكن لصوتها أن يكون في الصمت، أعتقد بأن لا أحد يمكن له احتمالها، ولكن نحن في غزة نعيش عليها منذ نحو أحد عشرة شهرًا".

أما عن طائرات "الكواد كابتر" التي تعرف عليها الغزيون في حرب الإبادة الجماعية، تكمل لينا: "الأبشع من الزنانة لربما يكون طائرات الكواد كابتر التي تفنن الاحتلال من خلالها بإثارة الفزع والقلق، كأن تكون نائمًا بعد يوم طويل من وجع الحرب وتستيقظ على صوت صراخ شديد أو بكاء طفل لا يتوقف وتأخذ تبحث عن مصدر الصوت، فتجده صادرًا عن طائرة الكواد التي تبث هذه الأصوات كخدعة منها كي تطلق الرصاص بشكل مباشر عمَّن يبحث عن الصوت".

هل تعرضت أو تعرض أحد المعارف لإطلاق نار مباشر من قبل "الكواد كابتر"؟ تجيب لبنفسج: "أذكر في إحدى عمليات الاحتلال في محيط المخيم، قام بنشر طائرات الكواد بشكل مكثف ومنخفض، إذ كل متحرك كان عرضة لرصاصها وعبواتها المتفجرة، ولكن المؤلم مما أذكره بأنها أطلقت الرصاص تجاه أطفال  كانوا يلعبون في فناء منزلهم، فأصابهم الرصاص ما أدى إلى وقوعهم ما بين شهيد وجريح".

قلق نفسي وصداع دائم

كواد كابترر.jpg
طائرات الاستطلاع والمسيرات الإسرائيلية التي تستخدم لقتل الفلسطينيين والتجسس عليهم 

أما ريم عامر، نازحة في مواصي خانيونس، ولديها طفلين، تقول لبنفسج عن "الزنانة"، "هي مرافق فضولي ومزعج في حياتنا حتى عندما تغيب نفتقدها ونخشى غيابها كما نخشى تمامًا اقترابها وارتفاع صوتها، وهنا في سماء المواصي صوتها عال جدًا لأنه لا يوجد بيوت ولا عمران تمتص شيء من الصوت. ومن شدة ارتفاع صوتها أتناول الأكامول بشكل يومي خاصة أوقات المساء".

يعتبر صوتها نذيرًا على شيء ما، فحتمًا تبحث عن صيد ثمين لها، وسيطلق الجندي المكلف بإطلاق الصاروخ متفجراته نحو الهدف المرجو، وحينها تشعر ريم برعب شديد، فتحتضن صغارها، وفي الواقع كلما ارتفع صوتها تحدث بعدها استهدافات قوية في المكان وهذا جربته كثيرًا، لذلك يشكل الأمر هاجسًا كبيرًا لها.

وعند سؤالها هل استهدفت "الزنانة" قريبًا لك؟ تجيب ريم: "استشهد أخ زوجي بصاروخ زنانة في شهر نوفمبر المنصرم، كنا لم نزل في غزة، نازحين في جامعة الأقصى كالآلاف غيرنا، فأصابه الصاروخ رفقة شاب آخر لا نعرفه على بوابة الجامعة، كان شابًا في بداية عمره يخطط للخطوبة لم يكن له ارتباطات معينة. 

ما زلنا أنا وزوجي، كلما تذكرنا الحادثة، يزيد رعبنا من صوت الزنانة".لم تخبر ريم صغارها كيف استشهد عمهم حتى لا يزيد هلعهم من علو صوت "الزنانة"، فأخبروهم أنه استُشهد كجدهم الذي قصفوا البيت فوق رأسه ويرافقه الآن بالجنة. فور ارتفاع صوتها بالأجواء تقول ريم لزوجها: "شفت أجت غراب البين". أما الكواد كابتر تعرفها: "الملبوسة" لكونها تصدر أصوات بشر وصراخ وبكاء أطفال.

تخبرنا عن "الكواد كابتر"،  فتحكي: "كان لي خيمة في منطقة الشاكوش بمواصي رفح، ثم نزحت منها عندما تم دخولها بشكل مفاجئ بالدبابات وحدوث المجزرة المعروفة التي أدت إلى استشهاد العشرات من النازحين أمثالنا واحتراق الخيام. قبل حدوث تلك المجزرة بدقائق عشنا مع الكواد كابتر لحظات لا تنسى من الرعب، نجونا بأرواحنا فقط والكواد تلاحقنا أنا وصغاري، هنا أشلاء وهنا دماء وهنا رائحة اللحم المشوي والبلاستيك المحترق ومن فوقها رصاص الكواد".

فتكمل بصوت منهك: "خرجنا حفاة نركض دون وجهة ورغم مرور أكثر من شهرين على الحادثة الا أنني ما زلت أراها في كوابيسي ليلًا وأصوات طلق الرصاص يلاحقنا من زاوية إلى أخرى".

روايات القتل المستمرة 

كواد.webp
الكواد كابتر مسيّرة إسرائيلية صغيرة تستخدم للرصد والتعقّب

ماذا عن القلق الذي تسببه "الزنانة"؟ تجيب لبنفسج: "أنا أعاني توترًا وقلقًا شديدين وزوجي أيضًا، تبدأ حرب أخرى عندي عندما ينام أولادي، تصحو أفكاري وهواجسي  وأعاني من آلام عضل في الرقبة والكتفين فلا أستطيع النوم وأعاني الأرق من فترة طويلة. وأقاربي يعانون جميعهم من آلام أذن شديدة بسبب الحرب والقصف والزنانة وغيرها، أيضًا حماتي تعاني من الشقيقة ويقول الأطباء لها أنه نتيجة توتر الحرب".

"والله حاسة حالي بكلم الزنانة مش بكلمك".. هذا ما قالته صديقة زينب البواب وهي تحادثها، فترد زينب: "الله يبعدها عنا بس". وعن مواقفها مع "الزنانة" تقول زينب: "في يوم من أيام الحرب، كان عليّ أن ألقي محاضرة ضمن دورة تدريبية داخل مركز لإيواء النازحين، وحضرت يومها إلى المركز وأنا في قمة الانزعاج من صوت الزنانة التي ترافقني طول الطريق، كان صوتها دقيقًا للغاية داخل المركز، فاعتذرت للطالبات بأني لا أستطيع أن أحاضرهم وأشرح لهم درس اليوم لقربها الشديد وخوفًا على سلامة الجميع".

واجهت زينب صواريخ طائرة الاستطلاع الإسرائيلية عن قرب، إذ استهدفت خيمة "نقطة إنترنت"، مقابل بيتهم وخلف ذلك استشهاد وإصابة 30 مواطنًا، كان موقفًا صعبًا للغاية أن ترى الشهداء على جانبي الطريق.


تردف لبنفسج: "أحيانًا تغيب الزنانة خلال النهار، فنقلق كثيرًا، نعم نقلق لأننا نجزم أنها قد جمعت معلومات والتقطت صورًا تمهيدًا لإرسال الطائرات الحربية لتستهدف مكانًا في المنطقة، فنقول في البيت: "راحت المغضوبة، الله يستر".
أما عن تأثيرها على صحتها الجسدية والنفسية، تقول زينب: "أنا أعاني من آلام في الجيوب الأنفية، وكثيرًا ما أحتاج لأتناول علاجًا للصداع حتى يخف الألم، ولكن مع وجود الزنانة في حياتنا لا يفارقني الصداع".