سيدركنا الله بالسلم، ونحن ندرك أن النصر لن يعزي الفاقدين، ولربما هو بعين المفارق هزيمة، إلى العالم ومن قبله أشقاء اللغة.. حين ننتصر أو ننجو.. لن نغفر!
إلى الأمتين العربية والإسلامية.. لقد كان بوسعكم الحماية والدفاع والرعاية وحفظ الروح، أو على الأقل صون الذكرى، لقد مات كل شيء ولن تعيدوا لغزة السوالف وقد مس كل أهلها الفقد، فمن لم يفقد السكن فقد السكينة، ومن لم يفقد الضلع فقد الفلذة، ومن لم يفقد الولد فقد الوالد، من لم يشرب من كأس الفقد غرق بمرارة الشتات، من لم يصبه ضرر ظلّ حبيس اللوعة، من لم يتذوق الفراق وقع في مستنقع الحسرة...
من لم ينهشه المرض لسعه الجوع، ومن لم يُعدم دخله طوقه الحصار واستنزفه الاحتكار، ومن لم ترهقه رحلات الماء خنقته نار الطبخ، ومن لم تُطال كتبه تبخر حلمه، ومن لم يقرصه البرد كوته الشمس، من لم ينزف أحناه الكسر، ومن لم يجرب البتر ألهبه الاحتراق، من سلم بيته تلوثت روحه، من لم يستنشق الكبريت اجتاحته العدوى، من لم يُصب بالأذى قتله الإرهاق، من لم يرهق جسده انهارت نفسيته..
هذه الحرب طحنتنا، أصابت حاضرنا وماضينا ومستقبلنا، تركتنا عالقين بين أكوام من المحاولات لبناء جدران من الستر، لتوفير وسيلة للراحة تضمن حرية التنقل، لقد سفك العدوان سنوات من العمل لبلوغ أحلام الأبناء، لإنجاح مشاريع الجنة، للعيش كما يجب أو بالعفة بالحد الأدنى، لقد هشم هذا العدوان كل بناء..
الروح، السكن، العائلة، الأحلام، الاستقرار، المشاريع، الدخل، المحاولات، الشهادات، الوسائل، الأفراح، الخطوات والذكريات..إليكم، ستظل دمائنا تلاحقكم، رائحتها عالقة في أنوفنا وثمنها في رقابكم، فلقد كان بإمكانكم دفع اللهب، ووقف الهرع والولع، واحتواء الجرح والمشهد، وإنعاش الحالة والروح، وإنقاذ الأحلام والأيام، وحفظ الحكاية والعمر، وشلّ حركة المعتدي...
"ربما سلموا لو كان الجميع مقاتلين"..
فأنتم المالكون لما يُحرّك آليات العالم، وتقفون على حدود البلاد من كل الجهات، كان عليكم صد الغدر، واغتيال العمالة، وإخماد الجوع، ووقف التنسيق، وكبح التطبيع، وطبطبة الجرح، وإسقاط التواطؤ، وإشعال السكون، وإسناد الحق، وإعلاء الصوت، واحتضان مدينة كاملة كتب عليها الموت وحدها، ندرك أنكم لن تردوا القدر ولن تدفعوا أجل وقع،، ولكن تذكروا قول تميم البرغوثي: "ربما سلموا لو كان الجميع مقاتلين"..
إلى كل من خذل وهان عليه الدم وبخست عنده الأخوة وافتدى الضمير بالخيانة، وباع الحرية مقابل الاستعباد، أبهذه السرعة نسيتم قول النازحة المتوشحة بسمتٍ يحفظ المساجد بالأثر والهيئة وهي تقول: "يا رسول الله لا تشفع لهم!"، ما أشده من رجاء، ما أقسى القهر على المتروك، وما أثقل هذه الأحرف على الصامدين من السامعين، فكيف للهدوء أن يرافقكم في جوف الخذلان!!
إليكم،، النصر حتمية قرآنية، ووعدٌ إلهي وقد حفظه الكون في قائمة سننه على مر العصور مهما بلغ الظلم، لا تحتفلوا معنا، لا تصافحونا، لا نريد رؤية وجهكم، انصرفوا مع سارقي الأرض وحارسين الخوف، اذهبوا معهم حيث أتوا واستمروا في الصمت أو التصفيق، أما على أرضنا فلا تعودوا، لا تزورونا، ثمّ إياكم وزيارة البلاد بعدما تتنفس الأرض الحرية دون لن تتعثر برائحة الاستيطان.
وأخيرًا،، بقدر خسارتنا كان الحزن، وبقدر الجأش نسترجع، ونحن ندرك أن الفناء حقيقة الدنا وأن الموت هي أصدق حقيقة حياتية، ومن يدرك الحقائق تهون عليه البلايا، ونحن في دار ابتلاء ولعل نوم الأمة هي رأس هرم ابتلاءات غزة في هذه المعركة ولابد من إفاقة، وإلى أن تحين.. دامت الحرية صديقة الأرض و دام السلام حليف فلسطين في عالم يتوق لرائحة الدماء.