منذ حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح الحصول على الماء في غزة وخصوصًا في خيام النازحين مهمة شاقة وصعبة للغاية تستدعي من المواطن الغزي تجهيز "جراكل" الماء والركض منذ الصباح للاصطفاف في الطابور الطويل لساعات طوال، كما عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير البنية التحتية في غزة من شبكات الصرف الصحي وآبار مياه والكهرباء.
يواجه الغزيون مشكلة توفير المياه النظيفة المفلترة- الصالحة للشرب- بشكل يومي ؛ وفي أحيان كثيرة وبسبب منع دخول الوقود اللازم لمحطات تحلية المياه يضطر المواطنون لشرب مياه غير مفلترة، وقد تسببت المياه الملوثة في عدة أمراض طالت الكبار والصغار أبرزها الالتهابات المعوية. إضافة إلى أن المياه المالحة التي تُستخدم في الاحتياجات اليومية سببت للبعض التهابات جلدية لشدة ملوحتها.
أما عن كيف يحصل الغزي على المياه التي تستخدم في الغسيل وخلافه،فهو إما أن يشتريها من الباعة المتجولين بالبراميل الكبيرة ويسمونها "مية بير"، أو يقوم بالبحث عنها في بطن الأرض التي يقطن، وما إن يخرج الماء من باطن الأرض حتى هلل وابتهج، وبدأ رحلة مد الخراطيم ووصلها.
مياه الشرب ملوثة في غزة
تخبرنا السيدة أم البراء عن الالتهابات المعوية والمغص الشديد الذي أصابها، إذ شخصها الطبيب بأن لديها التهابات شديدة ورجح أن سببها هو شرب الماء الملوث. تقول لبنفسج: "نواجه صعوبة في الحصول على الماء ونصطف في طوابير لأجل تعبئة كمية قليلة من المياه التي من المفترض أن تكون مفلترة، ولكن طعمها يُظهر أنها ليست خاضعة للفتلر بشكل تام". تكمل: "كنت في بداية الأمر أغلي الماء قبل أن نشربها على النار، لأحصل على بعض التعقيم ولكني الآن توقفت عن ذلك بسبب صعوبة توفير حطب لإشعال النار إذ نشتريه بمبلغ ليس بقليل".
اشتكى أولاد أم البراء من طعم الماء قائلين: "يما بدنا نشرب مي حلوة زي زمان".. لكنها لم تعرف بماذا تجيب عليهم سوى أنها ردت "بس نروح غزة بنشرب المي الزاكية". تعالجت أم البراء من الالتهابات التي أصابتها، ولكنها ما زالت تشرب مياه ملوثة، وأحيانًا إن لم يلحق ابنها بطابور الماء المفلتر، تضطر لتعبئة جالون من مياه البئر التي تستخدمها للغسيل ويشربون منها.
فيما يعلق ابن أم البراء محمد الذي لم يتجاوز الاثني عشر عامًا، "أنا زهقت من الصف على طابور المي وبالآخر بتطلع مي ملوثة وطعمها مش مفلتر".
آبار مياه ملوثة تسبب أمراضًا للنازحين
يعلق رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر، أحمد الفرا على الشكاوي التي تصله من الغزيين ويقول في تصريح صحافي سابق: "ليس سرًا أن السبب الأكبر للالتهابات المعوية التي تحدث حاليًا بين الغزيين هو تلوث المياه التي يشربونها". ويكمل الفرا: " تسبب المياه الملوثة مشكلة الالتهابات المعوية مع القيء والإسهال الذي يسبب الجفاف، والمشكلة الأخرى هي التهاب الكبد الوبائي، وهما كخطورة الالتهابات المعوية التي أُصيب بها الغالبية من المواطنين".
وفق بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وسلطة المياه، فإن المواطن الغزي الواحد تصل حصته في اليوم الواحد ما بين 5_15 لترًا من المياه. وقال البيان "إن حرب الإبادة الجماعية أثرت على توفير المياه بعد تدمير المضخات والآبار، ومع عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه ومحطات الضخ، فإن الغزيين بالكاد يحصلون على مياه الشرب وبالعموم تكون غير آمنة بشكل تام".وبحسب تقارير سابقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 67% من نظام المياه في غزة كان سيئًا في السابق والآن قد تم القضاء عليه تمامًا بتدمير البنية التحتية.
تدمير البنية التحتية: شبكات المياه والصرف الصحي
وأكد مدير إدارة المياه بغزة منذر شبلاق في حوار صحافي على أن الجيش الإسرائيلي استهدف بشكل متعمد خزانات المياه ومحطات التحلية والضخ والشبكات، إذ وصله تقريرٌ من بلدية بيت لاهيا يقول: "لقد تم تدمير جميع الآبار والمحطات"، أما في الجنوب وتحديدًا خانيونس دمر الجيش مخازن مياه الآبار الجوفية ومحطات التحلية.
ودعا منذر المنظمات المختصة بإدخال الأجهزة التي تحتاجها محطات المياه المتبقية والمتضررة والتي تعمل بشكل جزئي، محذرًا من كارثة بيئة وصحية على السكان الغزيين بسبب المياه الملوثة وتفشي مياه الصرف الصحي في الشوارع.
فيما أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن أن أنظمة المياه والصرف الصحي انهارت، ولا تزال البنية التحتية في غزة تتعرض للتدمير، وهذا سبب ضررًا على صحة الغزيين.
وبحسب تقييم البرنامج فإنه بعد إغلاق محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة، أدى هذا لتلوث المياه الساحلية والمياه العذبة، بمواد كيميائية خطيرة، مما أدى لتفشي الأمراض في صفوف المواطنين.