تعاني النساء في غزة من ظروف عصيبة جدًا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويتجرعن مرارة الحرب بكل قساوتها، فمن نزوح متكرر إلى خوف من الغارات الإسرائيلية، وقلق على حياتهن وحياة عوائلهن، ونوبات حزن ممتدة لا تتوقف، إلى قتل متعمد من سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يتعمد استهداف البيوت المكتظة بالنسوة والأطفال، وأيضًا اعتقال بذرائع واهية وتنكيل وتعذيب وإهانة.
ولا تقف المعاناة عند هذا الحد، بل تمتد إلى إمكانية فقدان الحياة أثناء الولادة في ظل إمكانات معدومة، فإن لم يمتن من الغارات سيمتن من قلة الموارد الطبية وعدم سعة المشافي لاستيعاب الحوامل في ظل المجازر المستمرة.
تتفاقم معاناة النسوة الغزيات القاطنات تحت سماء الحرب الملبد بالطائرات الإسرائيلية التي تستعد في أي لحظة لقتل أرواح جديدة، فأضحى لهن همومًا مؤرقة للنفس، هنا نحكي عن المعاناة التي تعيشها الغزيات منذ 11 شهرًا، فمن قتل متعمد إلى نزوح متكرر، وهموم الحمل والولادة، واعتقال وتعذيب في السجون الإسرائيلية.
القتل المتعمد
لم تنفك "إسرائيل" عن القتل المتعمد للفلسطينيين، فكثير من الفيديوهات رصدت قنص الجيش الإسرائيلي، لغزيين لا يشكلون أي خطر على الجيش، يقتلونهم لمجرد القتل والتلذذ بمعاناتهم، ومن السيدات التي قنصهن قناص إسرائيلي في الممر الذي زعم جيشه أنه آمن، السيدة هالة خريس التي كان بيديها حفيديها تيم يمسك الراية البيضاء ويتقدم القافلة رفقة جدته.
كانت العائلة قد تلقت اتصالًا من الصليب الأحمر يفيد بأنه نسق مع الجيش الإسرائيلي لنزوح السكان إلى الجنوب.وفي الواقع نزحت المجموعة المُنسق لها بالرايات البيضاء في 12 نوفمبر 2023 وفور رؤيتهم للدبابات الإسرائيلية قلقوا ولكن عندما لم تطلهم قذائفها اطمئنوا. تقول ملك ابنة أخت هالة: "سرنا بانتظام وكانت خالتي في الأمام.
سمعنا صوت الجيش ينادي أن نتوجه لليسار، على الرغم من أن التنسيق كان يُقضي بالتوجه للأمام في شارع الوحدة، غيرنا طريقنا وخالتي كانت على وشك أن تلتف معنا ولكن القناص قتلها قبل أن تكمل خطوتها، كان المنظر صعبًا للغاية لم أكن أتوقع أن أعيش مثل هذا في حياتي".
فيما عقبت ابنتها سارة: "مش قادرة انسى صوتها مش قادر يفارقني مكنتش اعرف وقتها أنه الرصاصة لإمي". لم تكن هالة خريس السيدة الوحيدة التي قنصها الجيش الإسرائيلي، يوجد الآلاف مثلها من قتلن وهن بالطرق، والنزوح، وفي بيوتهن آمنات، بحسب أرقام أممية كان قد أُعلن عنها مسبقًا إنه خلال حرب الإبادة الجماعية والتي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تُستشهد 63 امرأة يوميًا بينهن 37 أمًا.
وتُستشهد 2 من الأمهات كل ساعة تقريبًا، والعدد آخذ في ازدياد بسبب تواصل المجازر الإسرائيلية المستمرة بحق النساء والأطفال في مراكز الإيواء وخيام النزوح والبيوت. ووفقًا لاحصائية المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فإن حصيلة الشهداء من فئة النساء بلغت 11.269 شهيدة، والآلاف من المصابات، والعشرات من الأسيرات.
خلال حرب الإبادة الجماعية والتي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تُستشهد 63 امرأة يوميًا بينهن 37 أمًا. وتُستشهد 2 من الأمهات كل ساعة تقريبًا
في السياق ذاته، قالت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم في بيان سابق: "إن المرأة الفلسطينية واجهت عمليات عنف ممنهجة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداء عليهن أخذ أبعاد جديدة ومختلفة منذ السابع من أكتوبر، إذ أضحى الآلاف منهن ضحايا لجرائم الحرب والممارسات التي تمارسها "إسرائيل" ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية التي تتكشف".
النزوح المتكرر
تعاني الفلسطينيات في غزة من النزوح المتكرر والقاس، والذي ممكن أن يكون مفاجئًا إذ لا يسمح الجيش الإسرائيلي بمتسع من الوقت لنقل الخيام والأمتعة، ويهاجم الغزيين في خيامهم بشكل مباشر بطائرات الكواد كابتر والقذائف المدفعية، في أغسطس المنصرم أصدر 16 أمر إخلاء للغزيين في محافظات غزة مما فاقم معاناة الغزيين.
بالعودة لتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقتما أصدر الجيش الإسرائيلي أمر إخلاء لكل سكان شمالي غزة للنزوح جنوبًا، فبدأ الناس بالنزوح في أوضاع صعبة،ثم ازداد الوضع ضرواة حينما نصبوا حاجز نتساريم مما جعل النسوة يمشين مسافات طويلة تقدر ب 22 كيلومترًا، في ظروف قاسية ووسط إطلاق النار من الجنود المتمركزين، والتفتيش المذل، إضافة إلى أنهم اعتقلوا العديد من الغزيات أثناء مرورهن بالحاجز، أما من تجاوزنه عشن حياة صعبة بالجنوب فهن بلا مأوى بلا عمل، بدون أي شيء.
وانتهت خدعة المناطق الآمنة التي زعم الاحتلال أنها في جنوب الوادي وبدأ بإصدار أوامر نزوح للنازحين هناك، فمنهم من اضطر للنزوح أكثر من عشر مرات بغية الحصول على أمان له ولأطفاله، ولكن لا يوجد آمان في أي بقعة في غزة، إضافة لذلك يعاني النسوة النازحات من إرهاق النزوح وتعب الانتقال من مكان لمكان، ففي كل مرة يضطررن لترتيب حاجيتهن من جديد مما يأخذ وقتًا وجهدًا كبيرًا.
فيما قالت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة: "إن النساء في غزة يعشن في تنقل مستمر، وخوف متواصل، ولا يوجد أي مكان آمن لهن في غزة، وإن ما يقارب مليون فتاة وامرأة قد نزحن خمس مرات وأكثر دون مال أو مقتنيات، ودون أن يعرفن وجهتهن القادمة".
اعتقال النساء الغزيات
مارست "إسرائيل" أبشع عمليات اعتقال ضد النساء في غزة، فجردتهن من ملابسهن، وعذبتهن، وشتمتهن بأبشع الألفاظ، وبحسب شهادة الأسيرة نعمة حمودة والتي اعتقلت في 29 يناير/كانون الثاني 2024 فإن الاحتلال تعمد حرمانهم من الطعام والشراب أثناء محاصرته لمنزلهم، وبعد أيام من الرعب فجر الجنود باب للمنزل وداهموه بشكل همجي، واعتقلوها.
تقول: "فتشونا بشكل عار في أحد المعتقلات، وأجبرونا على ارتداء ملابس السجن دون أن نرتدي شيء تحتها، ثم أخذوهم نحو ساحة يمارس فيها الجنود رقصهم وغنائهم، فشتمونا وعذبونا، ثم تم نقلنا للدامون وهناك تعرضت لضرب مبرح، حتى أنني أصبت في الرأس وعانيت بعدها من آلام مبرحة في رأسي".
لم تكن تلك الشهادة الوحيدة لأسيرات غزة، فالحكايات كثيرة والوجع ممتد، فهذه الأسيرة المحررة عبير محمد تحكي عن تعذيب الجنود لهن، فقد كانوا يمسكونهم من الشعر ويشدونه بكل قوة وصفت الحدث ب "زي الكلاب"، ثم حققوا معها لمدة 8 أيام، ثم نقولها لسجن الدامون، فتعرضت للتفتيش العاري والضرب بالأحذية على الوجه.
في السياق ذاته، أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في إحصائية أجرتها مؤخرًا أنه يوجد في سجن الدامون 65 أسيرة، يعانين من ظروف سيئة للغاية، مشيرة إلى أنها أطلقت رابطًا إلكترونيًا بالتعاون مع نادي الأسير لعائلات معتقلي غزة في السجون الإسرائيلية والمفقودين منذ بدء العدوان الإسرائيلي لجمع بياناتهم للعمل على كشف مصيرهم.
في الواقع، لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المعتقلات الفلسطينيات من غزة إذ يوجد من اُعتقل منهن وأُفرج عنه لاحقًا، وتوجد نساء لا زلن في طور الاختفاء القسري.
الحمل والولادة
إن النساء الحوامل في غزة يعشن رعب الحرب، وخوف لحظة الميلاد، فمن حمل لا راحة فيه ولا تغذية سليمة، تعرضت الكثير من الغزيات الحوامل للإجهاض بسبب للخوف أو بسبب سوء التغذية، ويوجد منهن تعرضن للولادة المبكرة، فولدن في ظروف قاسية إذ لا مشافي مجهزة تستعد لاستقبالهن، فالعبء كله على جرحي الحرب، ولا أدوية مسكنة تسكن آلام ما بعد الولادة، ولا بنج في المشافي لإجراء العمليات.
"إن الأمهات التي ولدن مؤخرًا في مشفى العودة شمالي غزة، يواجهن صعوبة في توفير الطعام في ظل عدم توفر الفواكه والخضروات على الإطلاق
ولا تقف هموم الحوامل عند لحظة الولادة فقط بل تمتد لكيف سيبقين الطفل على قيد الحياة في انعدام الحليب الصناعي، والتغذية لها هي لتسطيع إرضاع طفلها بشكل طبيعي. بحسب إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصا غذائيًا حادًا.
فيما أكدت منظمة آكشن إيد، على أن النساء الحوامل في غزة يعانين الجوع في ظل المجاعة التي فتكت بغزة، ونقص المستلزمات الغذائية. وقالت في بيان لها: "إن الأمهات التي ولدن مؤخرًا في مشفى العودة شمالي غزة، يواجهن صعوبة في توفير الطعام في ظل عدم توفر الفواكه والخضروات على الإطلاق".
تقول آلاء النمر التي أنجبت طفلتها في يناير المنصرم في ليلة ماطرة، "أنجبتُ صغيرتي في مرحلة العدم، جوع يفتك بالأطفال، كان ربع رغيف صغير نصيب يومنا الطويل، ومع ذلك خبأ لي زوجي في حقيبة الميلاد "علبة حلاوة صغيرة"، رغم انعدامها من كل الأسواق وقتها، كنت أُفتش عنها كل مرة لأتأكد من وجودها حقًا، وحتى ذلك اليوم سحبت أنفاسي من عمقها وبدأت بأول ملعقة وكلي دهشة من رزقي المخبأ".
وتكمل: "أطلقت مولودتي "نِعمة" صرخة الحياة بين يدي أبيها الذي نجح في قص الحبل السُري، وإطلاق سراحها لتبدأ رحلتها مع الحياة دون غرفة مخصصة لاستقبالها، وبعد نزوح لأحد عشر مرة على الأقل، قفزت من النوافذ مرة هروبًا من طلقات "الكواد"، ومرة تسلقتُ مبنى مدمّرًا بعدما حاصرتنا دبابات العدو للهروب منها، وأخرى قطعت مسافة أربع ساعات نزوحًا من الغرب شرقًا بعدما باغتتنا آلياته اللعينة، ولكن لا بأس، في النهاية أنجبت طفلتي".
89% من النساء نزحن من منازلهن، و78% دمر الاحتلال منازلهن، و55%يعشن في الملاجئ العامة، و 25.2 يعشن في الخيام، و15.6 بضيافة أحد الجيران أو الأقارب، و1.4%يعيشن في الشوارع
أما ولاء الجعبري تعلق عبر صفحتها على "فيسبوك"، فتقول: "طفلي"مولود الحرب" أمسى اليوم عمره تسعة أشهر.. يحبو في الخيمة على الرمل،ما كنت أرى حتى في أحلامي أن يكبر صغيري على هذه الشاكلة وفي هذه الظروف، الوضع لا يطاق .. الجو حار جدا.. الصغير يعرق كثيراً.. يزحف الصغير يلتقط جسده رمال الغرفة، أغسل جسده بالماء كي لا يتلوث وهكذا على مدار اليوم دورة حياته. وهذا يا عزيزي/تي لا تخبرك به نشرات الأخبار عن مواليد الحرب في غزة".
وبحسب المؤسسة الفلسطينية للتمكين والتنمية المحلية فإن 89% من النساء نزحن من منازلهن، و78% دمر الاحتلال منازلهن، و55%يعشن في الملاجئ العامة، و 25.2 يعشن في الخيام، و15.6 بضيافة أحد الجيران أو الأقارب، و1.4%يعيشن في الشوارع.