بنفسج

البقاء ... خيارنا الذي لا لبس فيه

الثلاثاء 17 سبتمبر

البقاء خيار الفلسطيني الوحيد
البقاء خيار الفلسطيني الوحيد

لم أختر المرور في كل الشوارع، كغيري في هذه الحرب، لكني أنصاع لإصرار طفلتاي على الخروج في كلّ مرة، فأفعل لأجلهما! منذ أشهر ، أصابتني اللارغبة في كل شيء، تساوت كلُ الأمور في نظري، عفتُ الخروج، ولمَ الخروج، ورائحة الموت تنتشر في كل مكان. هنا، يبيع الناس على بسطاتهم أي شيء! حتى أرواحهم التي هي كل شيء.

ألم يُقتَلُ أكثرُ الساعين لأرزاقهم، هل يشفع لأحدهم جلوسه الآمن أمام من يُستهدف فجأةً. في الخارج، لا شيء يشبه نفسه، البيوت تساقطت تلو الأخرى، أرواح الناس شاخت في أشهر قليلة، واختلطت الأدوار والأحوال. لا زالت صدمة الذهول تصيبني وكأنها أول مرة، أدقق النظر لأعرف ما الذي كان هنا فسُوي، أفتش عن بيتٍ فيه شبه حياة، أو بيتٍ كتب له النجاة من يدِ الطغاة فقلما أجد!

الخوف موتٌ آخر لا يشبه ثباتهم، فضلّوا العيش تحت سقفٍ متهالك على أن ينزحوا، وآثروا الموت جملة واحدة بلا تقسيط، وقد لا يشفع لهم اختيار ذلك، فيموتون خنقاً بانهيار مأواهم بدلاً من صاروخٍ مباشر

هنا الصورة مشوّهة، ناقصة، شاحبة، لكن صوت العناد عالٍ، ووأد الخوف في عُرفهم واجب، فالخوف موتٌ آخر لا يشبه ثباتهم، فضلّوا العيش تحت سقفٍ متهالك على أن ينزحوا، وآثروا الموت جملة واحدة بلا تقسيط، وقد لا يشفع لهم اختيار ذلك، فيموتون خنقاً بانهيار مأواهم بدلاً من صاروخٍ مباشر.

على وجنتي الطريق، تشهد حزن الأشجار، فلقد واجهت كل الظروف كي تبقى متجذرة، لكنها لم تستطع أن تواجه حقد جندي لعين عاقبها على وقوفها شامخةً أمامه، فاجتثها. يلفتك سدّ الطرقات بسياراتٍ متفحمة، لكن من يسدّ ثقوب قلوب أصحابها التي نزفت مع احتراق ذكرياتهم فيها، فقد كانت شاهدة على سيرهم وسعيهم وحبهم للحياة يوماً ما. 

هنا، انتصفت أعمارنا، وعلقنا جميعاً في لحظة تغير كل شيء بعدها، فأصبحنا أُسارى لـ "كان"، الفاعلة الوحيدة فينا بلا أخواتها ! ورغم كل ذلك كله، لا زلنا نحاول في سبيل النجاة، ونحفر في وجه الغُزاة وصمةً من ندم، نعاود الخروج من عنق الحياة.

 نواجه القلة وكما نقتسم الألم نقتسم اللقمة، نغرس أرجلنا في حقول الموت كي نختلق الاختياراتِ من عدم، خيارنا الوحيد أن نبقى هنا، البقاء حتى الرمق الأخير خيارُنا الذي لا لبس فيه!