بنفسج

كيف يعيش الآباء بعد وفاة أبنائهم؟

الثلاثاء 12 نوفمبر

استشهاد الأطفال في غزة قصص يرويها الآباء
استشهاد الأطفال في غزة قصص يرويها الآباء

يتساءل الكثيرون: كيف يعيش الآباء بعدما يموت الأبناء؟ قد يتراءى للجميع أنهم يكملون حياتهم ويتابعون أعمالهم، ويقومون بواجباتهم، ويمارسون حقوقهم. هم راضون بقضاء الله وقدره، ولكن حياتهم بدون روح، فعندما يكونون بمفردهم تتزاحم الذكريات لديهم وتتساقط الدمعات دون توقف.

فكيف إذا كان الأبناء طفلين بريئين كأحمد ورشا، عصفورين لم يرتكبا إثما بإذن الله، يملكان مرح الأطفال وقت اللعب، وصفات الجد والاجتهاد وقت الحاجة. المشاعر التي أشعر بها الآن لا توصف أبدا.

حاولت أن ألحق بهم، ضربت على زجاج سيارة الاسعاف وأنا أصرخ: أنا أمه أنا أمه، سمحوا لي بالركوب، طوال الطريق كان أحمد ممددًا على السرير، ولم يتحرك، كان ينزف من عينيه وأذنيه وأنفه، ومن جميع أنحاء جسده، رأيت رأسه مفتوحًا وجمجمته ظاهرة. 

 أحاول جاهدة كتابة بعض الأسطر  مع أنها كثيرة تلك الكلمات والجمل التي تصف أحمد ورشا، إلا أنني عاجزة عن الكتابة. أتذكر يوم المجزرة رأيت أحمد معلقًا من الطابق الثاني، لم أستوعب المشهد إلا والرجال يحملونه ويركضون به نحو سيارة الإسعاف عرفته من شعره الذي يطير من نعومته.

 حاولت أن ألحق بهم، ضربت على زجاج سيارة الاسعاف وأنا أصرخ: أنا أمه أنا أمه، سمحوا لي بالركوب، طوال الطريق كان أحمد ممددًا على السرير، ولم يتحرك، كان ينزف من عينيه وأذنيه وأنفه، ومن جميع أنحاء جسده، رأيت رأسه مفتوحًا وجمجمته ظاهرة. 

 هل تتخيلون المشهد كم هو قاس، ومع ذلك قلت في نفسي كله بيتعالج بإذن الله، وصلنا المستشفى، حملوه سريعا ودخلوا به ووضعوه على السرير، كنت أنتظر رد الدكتور بفارغ الصبر، نظر إلي وقال جملته "البقاء لله أدعوله بالرحمة". 

لم أستوعب، تراجعت خطوتين للخلف ثم توجهت نحو السرير واقتربت من رأسه وبدأت احدثه "حبيبي يما.. روحي أنت يا أحمد روح قلبي يما.. 
بدأت روحه تخرج أمامي، يا الله أوهمت نفسي أنه يتنفس ناديت الدكتور مرة أخرى، ولكن قال لي ادعيله بالرحمة.

اقتربت من خده قبلته وقبلت يده وبدأت أحدثه "أحمد حبيبي وروحي وعمري وأول فرحتي، الله يرضى عليك يما ويسهل عليك"، فخرجت روحه مرة، أخرى فاقتربت منه وحضنته، وخرجت روحه بسلام. هذا كله حدث وأنا أعتقد بأن رشا ما زالت حية، ذهبت أبحث عنها على جميع الأسرة في المشفى فلم أجدها، رأيت عمها فسألته أين رشا، أجابني ادعيلها الله يرحمها، يااا الله يا الله...

طلبت منه أن أراها فرفض وقال (خلي صورتها حلوة بعقلك)، حملوها ببطانية وحملوا أحمد وذهبوا بهم إلى مكان الشهداء، لم أدري إلى أين أذهب ففي كل اتجاه تذهب قطعة من روحي، ركضت إلى مكانهم، وضعوهم على الأرض فاقتربت منهم وطلبت رؤية رشا مرة أخرى وبعد إلحاح شديد تركوني أراها، اقتربت منها، رفعت عن رأسها فلم أجده.

 رشا كانت تحمل دماغًا ذكية جدا، كانت إذا جلست لتحفظ، تنهي الصفحة في أقل من ربع ساعة، وكنت أمازحها "والله لو إنك الشافعي"،
هذه الدماغ لم تعد موجودة، ولا يوجد أي من أعضاء الوجه سوى خدها الأيسر الذي كانت تطلب مني أن أقبله قبل ساعات من استشهادها "ماما بوسيني من هنا" وتشير إلى خدها.

ولكن مع ذلك صورتها في عقلي هي الأجمل على الإطلاق، كنت ولا زلت حلوة بعيني وبعقلي يما، وسامحيني ما قدرت إني ما أبكي متل ما طلبتي بالوصية، بس والله يما بحاول أضحك متل ما كنتي تحكيلي "محلاكي وانتي بتضحكي دايما خليكي هيك"... الله يرضى عليكم ويسهل عليكم يا روح قلبي ومهجة حياتي، والله يجمعنا فيكم قريبا قريبا.