بتهمة التحريض والإخلال بأمن الدولة، تُحاكم الصحافية رولا حسنين ومثيلاتها كثيرات، يقبعن في سجن الدامون في ظروف أقل ما يُقال عنها أنها غير إنسانية، في زنازين تسكنها البرودة شتاءً والحرارة صيفًا، في مكان قيل أنه كان اصطبلًا للخيل تارة، أو مخزنًا للتبغ تارةً أخرى. في الدامون يتفنن المُحتل في التضييق على المرأة، تُصادر الملابس والأغطية، فلكل أسيرة لباس واحد فقط، تُقلل فترة الاستحمام ومدة الخروج للفورة، لا أسرة – أبراش- كافية في غرف مكتظة، وقائمة الانتهاكات تطول.
في هذا الحوار نستضيف السيدة هديل حسنين، الأخت الكبرى للصحافية رولا حسنين، للحديث عن رولا الأم والصحافية، التي عملت في الصحافة لما يزيد عن العشر سنوات، وعن حياة قطّع الاحتلال أوصالها؛ ففصلت أسوار الدامون بين الأم وطفلتها ذات البضعة أشهر، عن تفاصيل كان حقًا علينا تدوينها، وحفظها، فهي جزء أصيل من حكاية الفلسطيني ونكبته المستمرة منذ ما يزيد عن ستة وسبعون عامًا.
رولا حسنين: الأم والصحافية
الأسيرة الصحافية رولا إبراهيم حسنين، أتمت عامها الثلاثين في سجن الدامون، من مخيم الجلزون شمال رام الله، حاصلة على بكالوريوس الصحافة والإعلام من جامعة بيرزيت، وعلى ماجستير الدراسات العربية المعاصرة من ذات الجامعة، تعمل في المجال الصحافي منذ عشر سنوات، وعضو فعّال في نقابة الصحفيين الفلسطينيين. متزوجة وأم لطفلة واحدة كانت تبلغ من العمر تسعة أشهر حين اعتقلت والدتها.
تجمعني على الصعيد الشخصي، علاقة صداقة وثيقة وزمالة عمل ودراسة بالصحافية رولا، عاشت يتيمة الأب؛ ففقدت والدها وهي صغيرة، عُرِفت في محيطها برجاحة الرأي، وصلابة المواقف، فلا مُتسع للمساحات الرمادية في حياتها، فالحق أحق أن يُتبع كما كانت تقول دائمًا، يمكن أن أصفها " بالصاحب الجدع" كما يُدرج أن يُلقب هذا النوع من الأصدقاء، فهي الحاضرة على الدوام، وفية لعهد الأصدقاء، صفية المودة، كريمة العطاء، لا تمل أحاديثها التي تتجاوز هموم الذات إلى واجب المواطنة، ومساعي الإصلاح المجتمعي، وأعباء مجتمع يسعى للانفلات من محتله، ويتوق إلى الحرية.
سعدت رولا بحملها بطفليها الأولين، يوسف وإيلياء، تحملت في سبيل لُقياهما رحلة الوهن الممتدة لتسعة أشهر، غير أنها كانت ثقيلة أكثر من المُعتاد؛ إذ تعاني رولا من أمراض مزمنة في الكلى، حذرها الأطباء من تفاقم حالتها الصحية مع الحمل والولادة، وهذا ما حدث بالفعل، حتى شكّلت خطرًا على حياتها وحياة طفليها، مما اضطر الأطباء لإخضاعها للولادة المُبكرة في شهرها الثامن الحمل للحفاظ على حياتها وحياة الأجنة.
تُوفي الطفل يوسف بعد ثلاثة ساعات من ولادته، فيما أُدخلت الطفلة إيلياء إلى حضّانات العناية بالأطفال الخُدّج، مكثت فيها لأكثر من أربعين يومًا، غادرتها بعدها وهي تعاني من بعض المشاكل الصحية التي تتطلب عناية فائقة، إذ تعاني الطفلة من مشاكل في الجهاز التنفسي بسبب ولادتها المبكرة، فيما دخلت الأم في حالة من حالات اكتئاب ما بعد الولادة حزنًا على طفلها يوسف، فضلًا عن بعض المشاكل الصحية الأخرى.
عن تفاصيل ليلة الاعتقال
قُبيل يوم الأم بيومين اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الصحافية حسنين، فحرمها من الاحتفال بعيدها الأول مع طفلتها إيلياء، تقول السيدة هديل :" في 19 مارس/ آذار عام 2024،تم تنفيذ أمر الاعتقال بوحشية، إذ تم اقتحام المنزل ليلًا، وتم تكبيلها بالكلبشات، وتغطية عينيها بقطعة من القماش، وكان الجو ليلة الاعتقال ماطرًا جدًا وشديد البرودة، مما فاقم الأوضاع سوءًا، أخبرت رولا الجنود والضباط أنها أم لطفلة رضيعة، وأنها مريضة بأمراض مزمنة وتتناول عددًا من الأدوية، ولكن الجنود أصروا على تنفيذ أمر الاعتقال، ورفضوا أن تأخذ أية من أدويتها، طلبت منهم أن تأخذ طفلتها الصغيرة معها، التي تعتمد على الرضاعة الطبيعية وترفض تناول أي حليب صناعي فرفضوا أيضًا"
تضيف السيدة هديل: "شقيقتي رولا تعاني من مرض مزمن في الكلى، تم تشخيصه بالعام 2017، وزادت حالتها صعوبة مع الحمل، ".وفي الفترة التي اُعتقلت فيها رولا كانت تعاني من مشاكل صحية عديدة، كاكتئاب ما بعد الولادة، ومضاعفات في الكلى من تجربة الحمل، وجرثومة المعدة والقولون العصبي، ونوبات الشقيقة الحادة، وألم في ساقها الأيمن، وكل ذلك لم يشفع عليها، وقاموا باعتقالها بوحشية".
تهم باطلة بالتحريض
بعد 4 أيام من الاعتقال تم عرض الصحافية حسنين على المحكمة وتم تحديد لائحة الاتهام، تضيف شقيقتها: "لقد عرفنا أن التهمة الموجهة لها هي التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، بحكم عملها الصحافي، وبالأصل قبل الاعتقال تعرضت لتهديدات أكثر من مرة، وتم نشر صورها على مجموعات التلغرام التي يديرها المستوطنون، منها مجموعة صيادو النازية، وتم التحريض ضدها بشكل شخصي، بالقول أنها مُحرضة من النوع الأول ضد دولة الاحتلال، وأنها من الصحفيين المحرضين على اليهود والصهاينة"
احتوت لائحة الاتهام على منشورات ادعى الاحتلال أن رولا نشرتها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم ترجمتها للغة العبرية، وأظهروا عدد الإعجابات على كل منشور، وعدد المتابعين الذي تجاوز 3400 متابعًا.
وعلى الرغم من صدور قرارين من المحكمة العسكرية الإسرائيلية ينصان بالإفراج عن الصحافية حسنين [ 17 أبريل/آذار 2024__ 2 يوليو/تموز 2024] ، غير أن النيابة كانت تستأنف الحكم في كل مرة، وتنجح في إبقاء التحفّظ عليها واستمرار اعتقالها، على الرغم من كونها أم لطفلة بعمر أقل من عامين، وأن القانون المعمول به في المحاكم العسكرية الإسرائيلية لا يسمح باعتقال الأم إن كان لديها أطفال أقل من عامين، وهذا ما حدث حينما حاول الاحتلال اعتقال الكاتبة لمى خاطر من مدينة الخليل، فتم تأجيل تنفيذ قرار الاعتقال بسبب وجود الطفل يحيى.
تقول هديل حسنين: "بعد صدور قرارات الإفراج عكفت النيابة على استخدام أسلوب الاستئناف، فلم يتم الإفراج عنها، لأن التهم الموجهة لها هي تحريض تمس بأمن الدولة، وبالتالي لا بد من التحفظ على الأسيرة للحفاظ على أمن دولة الاحتلال، وأن حالة الطوارئ التي أحدثها السابع من أكتوبر تحول دون تطبيق أي قرارات بشأن اعتقال الأمهات".
معاناة مركبة للأم والطفلة
تعيش الأم الأسيرة وطفلتها حالة مركبة من الفقد، وشعورًا دائمًا بالقلق، فالأم لا تعرف أي شيء عن طفلتها منذ ما يزيد عن السبعة أشهر، إلا القليل الذي يصل عن طريق المحامي، فيما تعيش أسرة الأسيرة ذات المشاعر على ابنتهم، في ظل الأوضاع الخطيرة التي يعيشها المعتقلون والمعتقلات اليوم.
الطفلة التي تكبر برعاية والدها د.شادي بريجية وجدتها لوالدها عانت كثيرًا بسبب غياب والدتها، ففي بدايات فترة الاعتقال لم تتقبّل الصغيرة أي نوع من أنواع الحليب الاصطناعي، فعانت من سوء التغذية واضطر والدها لإدخالها إلى المستشفى مرات عديدة، وتم تغذيتها عن طريق الوريد، فضلًا عن المشاكل الصحية الأخرى وأبرزها مشكلات التنفس ونقص الأوكسجين.
تضيف ضيفة الحوار: " منذ اعتقال رولا يقوم والدها شادي برعايتها مع جدتها، يحاول تعويضها عن فقدانها لأمها، ويحرص أن لا تنسى الطفلة أمها، فصور رولا تنتشر في كل مكان في البيت، حتى تعتاد الطفلة على صورة أمها وشكلها، فلا تشعر بغرابة حينما تخرج من السجن، والحقيقة أن إيلياء أنه وفي كثير من الأحيان تحمل الطفلة صورة أمها وتتجول في المنزل وهي تنادي ماما، ماما".