كيف للمرء أن يعتاد الموت وقد وُهب استحقاقه في الحياة، كيف له أن يستبدل شذا الياسمين برائحة الهيموغلوبين، كيف له أن يأكل وأشقاء اللغةجياع، كيف له أن يتفسّح وسط نزيف ذوي القربى، وأن يهمل أحلامًا فاقت التقدم التكنولوجي واغتالها تطبيق ينتظر ألوان الأوامر.
ومعربدًا لا يتجاوز الـ 20 خريفًا، كيف له أن يلتفت لزيف العالم ويكذّب حقائقنا، كيف له أن يتجاوز أسرة خطفتها طائرة الاحتلال بغتة في السوق وتركت طفلًا في العاشرة يتسول الإيواء، كيف له أن يتعدّى طفلة ركضت دون الالتفات تحت تهديد القناص تنزلق بدم ذويها، تتجاوز صورهم وتدوس على قلبها لتخرج وحيدة إلى اللاوجهة.
كيف يبكي المرء أمام مشهد تمثيلي يدرك حقيقته الكاذبة لعاشقٍ يمسك يد حبيبته على فراش الموت، يمنحها الإنعاش باللمس ابتغاء البقاء، ولا ينهز لقلب غزي يتوشح طرحة محبوبته التي فارقها بلا وداع ثم قتلها مختل ليذبح كل أمنيات اللقاء
كيف له أن يتغافل عجوزًا استدل على أخته بيدٍ تقبض على وعاء العجين المغمس بالموت بينما يبحث عن مفقودي عائلته، كيف له أن يتخطى طالب طب قصد غزة بعد 5 سنوات دراسية؛ ليتزوج بمخطوبته وظلّ يتقاسم المشقة والتعب مع أخيها الوحيد بعدما رحلت وعائلتها وأسرته، كيف له أن ينسى قدمًا دامية بلا هوية في ساحة مجمع الشفاء الطبي، وجراحًا متعفنة بلا دواء، ومغتربًا جاء للقاء الأهل فدفنهم.
عن 100 شهيد رحلوا مع تكبيرة إحرام الفجر أمام أمة لم تُقدم سوى شجب لا يُسمن من مواساة ولا يُغني من عقوبة، عن محاولة حجب آخر حبة علاج وإسقاط المنظومة الصحية، عن قطع أوصال السلك التعليمي، عن إلقاء قنبلة البتر على أطراف الإعاقة، عن إعلاء ضجيج الآليات في أذن الأصم، عن اعتقال الطبيب واغتيال المسعف، وإشعال سيارة الإطفاء، عن طعن مراكز الإيواء، عن مدينة بنت الحضارة بعز الدماء وهُدمت الحياة فيها بذل العالم.
ثم كيف له أن يمرر اختراق الفذيفة لظهر مؤنسة قررت علاج ابنها المريض، كيف يشتهي الطعام وقد نهم الصاروخ طفلًا قبل أن يبتلع لقمته، كيف يتهاون في طلقات النارية بين أقدام ملائكة الرحمة، ويغض الطرف عن طبيبٍ عالج ابنته بلا تخدير وما أن تماثلت للشفاء قتل الاحتلال كل أهله وأبقاه للحسرة.
كيف يبكي المرء أمام مشهد تمثيلي يدرك حقيقته الكاذبة لعاشقٍ يمسك يد حبيبته على فراش الموت، يمنحها الإنعاش باللمس ابتغاء البقاء، ولا ينهز لقلب غزي يتوشح طرحة محبوبته التي فارقها بلا وداع ثم قتلها مختل ليذبح كل أمنيات اللقاء، كيف يهتز العالم لتوقف فنان عن العمل لمرض أصابه، ولا يهتز لرجل يحمل نصف جسد أخيه في لحظة ظنه العالم يحمل طفله.
لطبيب حاول أن يسعف رضيعًا فاكتشف أنه جثة بعدما أمسك أطرافه فإذا بها تنفصل عن الجسد وسرعان ما سقط الرأس تباعًا، كيف لا يتأثر بحصار الفتيات مع المرضى بلا طعام ولا شراب، وطفلٍ جابت دموعه أزقة مخيم شهد على اغتيال أبيه وهولا يعرف فيه إلا هو، ثم كيف يشط عن ابنة الثانوية العامة التي وجدت رأس عمها المشوه بينما كانت تبحث عن كتبها بين الركام، كيف يتعامى عن ثلاثينيةٍ تجاوزت وحدها فكي الموت ثم طمأنت زوجها بخيرية الحال وما أن لبثت رحلت.