"لم أجلس منذ بدء الحرب ولم أترك بابًا إلا وطرقته، وأخاف أنه يكون هناك طريق لم أسلكه، لذلك أدعو الله دوما أن يهديني سبيلي...". أنا ولاء من غزة، النصيرات، أود مشاركتكم أفكاري التي بدت ثقيلة مع الحرب، إذ فقدنا منذ بدء الحرب كل شي... صباحاتنا التي ألفناها ومكاننا تفاصيلنا، وها نحن نجري في البحث عن الطعام والعلاج...، سؤالي هو هل في الحرب تتوقف غاية وجودنا في السعي والإنجاز كغزيين؟ لا أريد أن أتوقف "وفي السماء رزقكم وما توعدون"، ولكن هناك حافزية تجعلني أنجز وأسعى ولا أتوقف... ".
هذا ما قالته ولاء في فيديو نشرته قبل استشهادها بوقت قصير، فماذا يعني أن يسعى شخص تحت نيران الحرب لكسب رزقه، وماذا يعني أن تثقله أسئلة وجودية حول جدوى وجوده، وسؤاله عما يستطيع فعله حتى لو كانت الحرب دائرة، وهو مهدد بالقتل في أية لحظة؟
فاشنيستا الحرب
قبل أن أدوّن كلمة واحدة عن ولاء الإفرنجي، شاهدتها وقرأتها في منصاتها، استمعت إليها في كل قصة نشرتها، وكل صورة، وكل مشوار، وكل ذكريات لها قبل الحرب وبعدها.
كانت ولاء فاشنيستا غزاوي، جميلة، محبة للحياة، روحها زاهية، بل واختياراتها في ملابسها كذلك، منسجمة غريبة زاهية جميلة مبدعة. تأخذ صورًا وتنشر قصصًا لكل تنسيقة ترتديها، مع فيديو ممنتج بموسيقى أو أغنية تنتعش فيها الحياة. وما أزكى فنجان القهوة في صباحك يا ولاء، تأخذين له صورة فوتغرافية مبدعة في زاوية تجعله أجمل فنجان في العالم... المشاوير التي تأخذينا معك فيها، البحر الذي تتنفسين فيه، الطعام اللذيذ الذي تلطقطين له صورًا تقربين فيها طعمه ورائحته.
أيتها الجميلة ولاء، العروس بثوبها الأبيض المطرز، شاهدتك وكأنك العروس الوحيدة في هذا العالم، عروس غزة المبهجة التي تتمشى بمحاذاة البحر والرياح تراقص ثوبها، وعريسها ينظر إليها بفرح، يمسك يدها ويقترب إليها ويقبل جبينها. ولاء التي تنسق التوزيعات في الأفراح والمناسبات، وتعدها وترتبها وتنظمها وتصورها وتسوق لها في غزة، فيسعد الناس بها في أعياد الميلاد والأعراس والهدايا التذكارية... هذه ولاء قبل الحرب!
استشهاد ولا وزوجها أحمد
"ثوبك ياستي قبل دولتهم"، هذا ما قالته ولاء عن هوية فلسطينية حيكت في ثوب، فكان عنوانها وهي أيقونة الجمال والأناقة في غزة، لماذا يغيظهم ثوبنا يا ستي؟ غرزة من الأرض أنا، كثوب عتيق لا يفنى يا جدتي...
"ثوبك ياستي قبل دولتهم"، هذا ما قالته ولاء عن هوية فلسطينية حيكت في ثوب، فكان عنوانها وهي أيقونة الجمال والأناقة في غزة، لماذا يغيظهم ثوبنا يا ستي؟ غرزة من الأرض أنا، كثوب عتيق لا يفنى يا جدتي...
اغتال الاحتلال الإسرائيلي الكاتبة والفنانة ولاء عماد الإفرنجي، وزوجها أحمد سلامة، في قصف استهدف منزل نزحت إليه في مخيم النصيرات، ولم يمضِ على زواجهما إلا سنة وبضعة أشهر، نثروا فيها بذور الجمال واحترفوا المحبة طريقًا للحياة...
بدأت رحلتها مع الكتابة برواية بعنوان مزاج مرسل قبل ان تنتقل من الكتابة من الورق إلى الأحجار والخشب وتحويلها إلى سلاسل وخواتم في متجر الهدايا الخاص بها، والذ عاودت العمل فيه قبل أشهر في جنوب غزة رغم الحرب والقتل والدمار. كمسكً أبيضَ غدت ولاء أثرًا طيبًا بعد عين، أثرها باقٍ في كل هدية صنعتها بحب ليتوادد الناس بينهم...
تقول ولاء: "بشتاق لبيتي يلي الحرب حرمتني منه، وما كمّلت فيه شهرين.كنت متحمسة للعزايم وقعدات الصحبات ولمات العيلة، وجوّ المباركات. صح المشوار ما انكتب اله يمشي زي أمنياتنا بس ما بنقول غير :الحمدلله ويا رب العِوض الطيب".
هاجس السعي والإنجاز عند ولاء
ولاء من الغزيين الذين تحولت حياتهم بعد الحرب فأصبح ما مضى كحلم يبطىء سريانه، فولاء صبية طموحة عازمة منجزة تحب العمل بلا توقف. وفي الحرب يتغير الروتين، وتفقد الأشياء، وتذهب التفاصيل وتتغير المشاعر، ولكن طبيعة الإنسان المجدة المنجزة العاملة المبدعة لا تتوقف!
ظلت ولاء تسعى وتسلك الطرق على صعوبتها... لم تعد فاشنيستا تنسق الملابس وتصورها، ولم تعد تذهب مشاوريها إلى الأماكن التي نُسفت في الحرب، ولكن جدها وعزمها على الحياة بقيا...ظلت تنسق الهدايا والصور وتبيعها وتسوق لها، وظلت تصور الأشياء الجميلة من حولها، كما ظلت تحتفل بأعياد ميلاد المحبين من حولها.
موت ولاء فيه إعلان عن قتامة قادمة لا محالة، كانت ولاء من أجمل الورود في حديقة غزة الكبيرة، وبفقدها هي وأترابها من آلاف الأسماء سندخل وتدخل غزة في جفاف طويل وشكوى من وجع في المبسم والابتسامة...
تقول ولاء: "بعد التفتيش الطويل عن أقلام وأوراق، وبعد التفكير المرهق في كيفية توصيل الطلبيات، أمسكت القلم بعد انقطاع طويل وكأني أتعرف على شئٍ جديد، كتبت وكتبت ولم يُخلق شعور في الحرب كالذي أحسست، وجدت نفسي من جديد وشعرت براحة غامرة فكان أول طلبٍ أصنعه بالحرب بلغة الحب كما شاء من طلب. اللهم رُدّ إلينا بركة الأيام وسعة الخيارات وكل أحبابنا الذي نشتاقهم.
لقد طورت من مؤهلاتي فـبِتُّ أعمل تحت الضغط،والصهر، والتفتيت،والتجزئة، والجوع. أعمل ومنزلي ليس فيه انترنت لكنني أدبّر أموري، أعمل من خيمة مهددة أمام قطرات المطر وغبار العواصف، قد يخرُّ السقف على أوراقي المهمة وجهاز الحاسوب إن صمد لكنني سأنقذ دائماً بياناتكم بشكل أو بآخر، إنني سأعمل تحت الضغط حتى ( الموت ) ولا أظن أن أحداً ارتقى إلى هذه الشروط. رجاءً انظر في سيرتي الذاتية لعلَّ فيها شيئاً أكثر من ذويك وصلاتك،انظر ولو من باب المرور العابر".
قتلت إسرائيل كل هذا الجمال
تزوجت ولاء قبل الحرب بشهرين، وكانت قد أعدت بيتها بنفسها ونسقته ورتبت خزانتها وملابسها الجميلة كما كانت تتمنى دومًا، وما نفع الملابس في الحرب... تقول ولاء: "تركت ملابسي الشتوية بعد زواجي عند أهلي، وأخذت الصيفية معي إلى بيتي، وعلاقتي بملابسي الآن كعلاقة الشمال بالجنوب، لذلك عزمت على بيعها. ويارب يقدرني أبيعها بما يرضي الله... "تصورها وهي معروضة في الشارع على حمالة ملابس".
"بنفسي أوسّع الموضوع وأحكيلكم يلي حابب يجيب أواعيه يلي بحالة جيدة أبيعها اله ، بس لسببين ما حقدر: الخوف من النزوح والقصف بخاف أضيّع شي أو يتلف عندي غرض وإنه الناس بتطلب أسعار غالية بقطعها يلي ناوية تبيعها وللأسف من نزلتنا عالسوق الناس عايفة حالها وبدها أي شي تستر ولادها وحالها فيه والسلام. المهم ما وسّعت الإعلان عن هالشي لأنه القطع محدودة والحمدلله تم الجبر".
كتب الكثيرون عن ولاء، عن صفاتها عن طموحها عن جمالها وسعيها، فقال محمود حمودة: "هذا ما فعلته الطائرات الاسرائيلية فجر اليوم .. قتلتنا أكثر. موت ولاء فيه إعلان عن قتامة قادمة لا محالة، كانت ولاء من أجمل الورود في حديقة غزة الكبيرة، وبفقدها هي وأترابها من آلاف الأسماء سندخل وتدخل غزة في جفاف طويل وشكوى من وجع في المبسم والابتسامة.
عرفتُ ولاء الافرنجي منذ سنوات عديدة، لغة رائعة، أدب جم، ذوق رفيع، روح لا ترتاح إلا إذا صنعت لك ما يُبهج قلبك من هدية أو تصميم أو فكرة، شاركتها هي والصديقة ندى أبو مدين فرحتهما بكتابهما مزاج مُرسل، لم تكن ولاء فتاة عادية أبدًا كانت مدفوعة بطاقة الحب والعمل، كانت تمارس الجمال كأداة تغيير وتأثير فعلي على الأرض، وليس مجرد شعارات رومانسية، لهذا نظلم ولاء حين نرثيها، فهي شريكة في تخليد ذكرياتنا الحلوة الباقية إلى الأبد، رحمها الله هي وزوجها أحمد".