ننشر هذه السلسة، المكونة من أربعة أجزاء، في بنفسج، مذكرات من حياة أحلام التميمي مما ورد على لسانها من أحداث وتفاصيل، أول جندية في كتائب القسام، ومنفذة عدد من العمليات الاستشهادية، وقد حكمت في إثر ذلك 16 مؤبدًا أمضت منها 10 سنوات في الأسر، وخرجت في صفقة وفاء الأحرار في عام 2011، ولكن بمحمولات قضائية ثقيلة، إذ ظلت مطلوبة للقضاء الأمريكي حتى يومنا هذا.
وقبل أسبوعين، أي في بداية شهر شباط الحالي من عام 2025 صدر قرار الإبعاد بحقها من الأردن، علمًا بأنها تحمل الرقم الوطني الأردني، وهي تواجه تبعات هذا القرار حتى الوقت الحالي، ونزيد على ذلك سنوات البعد والإبعاد عن زوجها نزار البرغوثي المبعد إلى قطر، وهو الأسير المحرر في الصفقة ذاتها بعد إمضائه سنوات عديدة في سجون الاحتلال.
ولدت أحلام التميمي في مدينة الزرقاء في الأردن عام 1980، وهي تالي العنقود، الصغرى بين أخوتها وأخواتها والمدللة بينهم، لعائلة فلسطينية نزحت من فلسطين في عام 1967. تلقت تعليمها الابتدائيّ والثّانوي في مدرسة الأميرة رحمة في الزرقاء، وتخرجت من جامعة بيرزيت في فلسطين من قسم الصحافة والإعلام، ومن ثم أكملت درساتها العليا في الإعلام في الأردن بعد أن أبعدت إليها بعد صفقة وفاء الأحرار.
وهذه مذكرات، أو شذرات من حياة أحلام، نشأتها وحياتها وطفولتها وتكوين وعيها الذاتي تجاه فلسطين والمقاومة، وحلم العودة إلى فلسطين والعوامل والمؤثرات التي شكلت هذا الوعي بلسانها هي بما شعرت وقالت بضمير المخاطبة.
أحلام التميمي: مذكرات الطفولة والنشأة

كنت حتّى الرّابعة عشرة من عمري أعيش حياتي كأيّة فتاة تعيش حياتها بشكل طبيعيّ. أذهب إلى المدرسة وأعود منها، أدرس، أمارس حياتي بشكل طبيعيّ، وقد كنت المدلّلة في البيت، كوني البنت الصّغرى. والداي كانا يمعنان في تدليلي، ولم أكن أفكّر بفلسطين أو بأهمية الجهاد في فلسطين، لكنّ العائلة كان حديثها الأساسيّ هو عن فلسطين، وكان والدي على الدّوام يحرص على زيارة أقاربنا الّذين يأتون من فلسطين، فأخوالي كانوا يأتون من قرية كفر عين، وأعمامي وعماتي وأولاد أعمامي كانوا يزوروننا من قرية النبي صالح.
وكان استقرارهم دائمًا في بيتنا، في بيت الوالد، في شارع محمد الخامس، وكان موضوع الزّيارات الاجتماعيّة بين العائلة الموجودة في فلسطين والموجودة في الأردن يوفّر مادّة حديث جميل عن فلسطين، فكنّا عندما نجتمع سويًّا، كان خالي أو عمّتي يفتتحان الحديث، وكانا يحدثاننا عن الطّابون، وعن الزّيتون، ويخبروننا أخبار أهل البلد، ومن منهم تمّ أسره، ومن استشهد، وما الّذي حصل بالبلد".
نزار الذي غير حياتها
لماذا أنا لست مثل نزار؟ وليس عندي هدفٌ في الحياة؟ أنا أريد أن أعيش في فلسطين، وإن قدّر لي المشاركة بالمقاومة، سأشارك. هذه الفترة كانت فترة بناء شخصيّة أحلام الوطنيّة، فكنت أجمع الأخبار وأقرأ الكتب، وكنت أجلس مع المصدر الأساسي للمعلومة ممّن كانوا يزوروننا من فلسطين.
في عام 1993، بات اهتمامي بتقصّي المعلومات يزداد، وكان مصدر المعلومات عن فلسطيني بالنّسبة لي أقاربنا الّذين يأتون لزيارتنا منها، عمّتي، خالي، وغيرهما ممّن يأتي لزيارتنا. لقد كانوا يحدثونني عن نزار. لم أكن أعرفه، لكنّي كنت أسألهم عن إمكانيّة خروجه من السّجن، فيخبرونني بأنّه لا أمل بذلك، وعمّا فعل حينما علم باستشهاد أمّه، وما وضع العائلة، وماذا يفعلون في فلسطين؟ كنت دائمًا تلك الفتاة اللّحوحة في طرح الأسئلة، وبدأت أجمع المعلومات في لحظتها. بعد تلك المسألة قرّرت الذّهاب إلى فلسطين بأيّ شكلٍ من الأشكال؛ لأشارك بأيّ عمل حتّى لو كانت مشاركتي في الانتفاضة...
نزار حُكِم عليه بالسّجن مدى الحياة، واستشهدت والدتُه إثر ضربة تلقّتها من مجنّدة بعقب السّلاح الّذي كان معها على رأسها، ما أدّى إلى نزيف بفي رأسها، بعد يومين من تلقّيها الضّربة. أقيم عرس شهادتها في بيتنا في الزرقاء.
اقرأ أيضًا: أحلام التميمي: نوار الذي غيّر حياتي [4]
لماذا أنا لست مثل نزار؟ وليس عندي هدفٌ في الحياة؟ أنا أريد أن أعيش في فلسطين، وإن قدّر لي المشاركة بالمقاومة، سأشارك. هذه الفترة كانت فترة بناء شخصيّة أحلام الوطنيّة، فكنت أجمع الأخبار وأقرأ الكتب، وكنت أجلس مع المصدر الأساسي للمعلومة ممّن كانوا يزوروننا من فلسطين. خلال هذه الفترة، بدأت أروّج لمشروعي، وهو العودة إلى فلسطين، قد اِستشهدت اِبنة أخته وابن بنت أخته، كما أنّ هناك من حُكم عليه بالمؤبّد في العائلة.
العودة إلى فلسطين والنبي صالح

ذهبنا إلى فلسطين أنا والوالدة، وكان ذلك في شهر في عام 1998، وكانت المرّة الأولى الّتي أسافر فيها إلى فلسطين، وما يعني أنّ كلّ الّذي كنت أسمع عنه في فلسطين، أريد أن أراه. كانت لحظة رائعة؛ لأنّني ومنذ أن كنت في الرّابعة عشرة من عمري، وأنا أنتظر هذه اللّحظة وأنا أفكّر بفلسطين إلى أن حقّقت حلمي، ففلسطين صارت جزء من تركيبتي بكلّ شيء. أفكر كيف سأستقبل الصّباح فيها، وكأنّي أعدّ العدّة لذلك. للحظة، لقاء فلسطين أخذ معي أربع سنوات، إلى أن تحقّق حلمي. لم يكن أمامي إلّا أن أسجد على الأرض؛ لأشمّ رائحة التّراب؛ لأشعر باللّحظة الحميميّة الجميلة الّتي تجمعني بفلسطين، وكانت هناك محاكاة صامتة بيني وبين تراب الوطن، شعرت كأنّه حضن أمّي أو حضن أبي.
اقرأ أيضًا: أحلام التميمي: أول امرأة في كتائب الشهيد عز الدين القسّام [2]
كنت محجّبة منذ بلوغي حتّى التّوجيهي، وعندما رحت للعيش في قرية النّبي صالح تأثّرت بالمحيط الّذي كان حولي، فخلعت الحجاب بناء على رغبة أو طلب بنات عمّي بنات عمّاتي، لأنّ الجميع غير متحجّبات، لكنّ اللّباس لم يكن متحرّرًا. لم تكن ثقافة الحجاب موجودة، بعد أن بدأت بالذّهاب إلى بير زيت، صرت أقيم مقارنة بين مجتمع القرية بمجتمع بير زيت، وقد صدمتني بعض الأمور للنّاحية الوطنيّة الّتي لم أجدها عند مجتمع بير زيت، وكلّ ما كانوا يتكلّمون عليه هو ذكريات في الوطنيّة وفي النضال، وكنت أسمع على الدّوام كلمة"لقد تعبنا، ولا نريد أن ندفن أناسًا بعد"، حتّى قابلت في بير زيت مجموعة من الشّباب الّذين تمّ أسرهم في الاِنتفاضة الأولى، والّذين سقط لهم شهداء، وطبعًا ما بعد أوسلو كانوا قد أتوا ليتابعوا دراستهم بشكل طبيعيّ.
أول زيارة إلى السجن

قبل سفر والدتي إلى الأردن، وفي شهر كانون الأوّل بالتّحديد، وكان أوّل ما قمت به هو أنّني زرت نزارًا؛ وكنت أوّل مرّة أدخل فيها سجنًا، وكان اِسمه سجن عسقلان، وقد دخلناه في حافلات للصّليب الأحمر، ولم أفكّر يومًا أنّني سأكون خلف قضبان هذا السّجن. زرتهم ودخلت سجن عسقلان، تعرّضت للتّفتيش العاري لأوّل مرّة، المفتّشة صارت تصرخ عليّ، لم يكن يعنيني كلّ ما حصل؛ لأنّني كنت أفكّر فقط برؤية هذا الإنسان الّذي غيّرني من الدّاخل. لم أكن أعتقد بأنّ نزارًا سيصير زوجي لاحقًا. لقد كانت شخصيّته المثاليّة مرسومة في رأسي، وكنت أراه أفضل الرجال الموجودين، للنّاحية الفكريّة و النّاحية الوطنيّة، ومن النّاحية السّياسيّة، لكنّي كنت أرغب أن أرى ذلك في الواقع، وكنت خائفة من أن أُصدم ما صُدمت في بير زيت.
اقرأ أيضًا: الأسيرة المحررة زينة بربر: ابنة القدس المهددة بالإبعاد
صرفت على نفسي في الجامعة، واِشتغلت عند والد زوجي نزار الّذي هو في مجلة الميلاد، فقد كنت أدرس الصّحافة والإعلام، وأشتغل في الصّحافة والإعلام في مجلّة مختصّة في التّحقيق الصّحفيّ، فقد تدرّبت في هذه المجلّة، ولاحقًا صرت أطبّق ما أدرسه في هذه المجلة. هذا العمل ساعدني في أن يكون لي راتب في الوقت الّذي أدرس فيه، وأصرف على نفسي، وفي الوقت نفسه لم يكن لدي وقت فراغ، لكنّ على الرّغم من ذلك ظلّ الكلام والقيل والقال عليّ، وعندها تابعت دراستي الجامعيّة، وبقيت على تواصل مع نزار عبر الرّسائل البريديّة ، وكنت كلّ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أرسل له رسالة عبر البريد؛ لأنّ الأمور بعد أوسلو حتّى في السجون كانوا يسمونها بالفترة الذّهبيّة؛ لأنّه لم يكن فيها ضغوطات كثيرة على الأسرى.