بنفسج

أحلام التميمي: نزار الذي غيّر حياتي [4]

الإثنين 24 فبراير

احلام التميمي ونزار التميمي
احلام التميمي ونزار التميمي

في الجزء الرابع من سلسلة مذكرات أحلام التميمي تناول لأبرز مراحل حياتها وتأثير نزار، زوجها لاحقًا، عليها، إذ برز تأثيره منذ الطفولة، وهو على حد قولها من غيّر حياتها، وجعل أحلامها وأمنياتها تتجه إلى فلسطين منذ اعتقاله واستشهاد والدته، ومن ثم زيارته في سجون الاحتلال وعذاب مسير هذه الزيارة. كل هذه تحديات كانت المفصل الأكبر الذي غيّر طريقها ومسلكها وجعلها أحلام ابنة كتائب القسام، وزوجة نزار شحادة التميمي من داخل أسوار الاحتلال وخارجها.

اليوم، في مطلع شباط/ فبرير 2025 طالب القضاء الأميريكي تسليم أحلام عن طريق ترحيلها، ولا زالت تناضل من أجل حريتها والالتقاء مع زوجها نزار التميمي المبعد إلى الدوحة حتى يومنا هذا.

 رسائل السجن: شكرًا لأنك غيرتني

أحلام التميمي تتحدث عن زوجها نزار  التميمي.jpg

كنت أفكّر فقط برؤية الإنسان الّذي غيّرني من الدّاخل. لذلك كنت أتوق لزيارته فور وصولي إلى فلسطين، الزّيارة كانت مؤلمة بكلّ المقاييس، طبعًا، لم أكن أعتقد بأنّ نزارًا سيصير زوجي لاحقًا. لقد كانت شخصيّته المثاليّة مرسومة في رأسي، وكنت أراه أفضل الرجال الموجودين، للنّاحية الفكريّة و النّاحية الوطنيّة، ومن النّاحية السّياسيّة، لكنّي كنت أرغب أن أرى ذلك في الواقع، وكنت خائفة من أن أُصدم ما صُدمت في بير زيت. قال لي:" أنت أول واحدة تزورينني، وقد أتيت من الأردن".

لقد وجدْت أنّ التّواصل الاجتماعيّ بين الأسير وأهله خارج نطاق الدّرجة الأولى، وغير موجود، ومع حزني لعدم وجود هذا التّواصل، غير أنّي شعرت بسعادة؛ لأنّني شعرت بأنّني أنجزت شيئًا. خلال حديثي مع نزار، قلت له:"أنا ابنة بنت عمّك، وأنت تعيش في ذاكرتنا، وأنت معنا بشكل دائم، محاولة رفع معنويّاته".وهو سألني عن سبب مجيئي إلى فلسطين، فأخبرته بأنّني جئت؛ لأدرس في جامعة بير زيت. ثمّ رحت أسأله عن حياة السّجن، فقال لي:" كأنّكتعرفين بعض الأمور"، فقلت له:" منذ ثلاث سنوات وأنا أعدّ العدّة".


اقرأ أيضًا: أحلام التميمي: الطفلة التي تحلم بفلسطين [1]


انتهت العشر دقائق في لمح البصر، ونهايتها كانت بصورة وحشيّة من قبل مصلحة السّجون، فقبل أن أتركه كنت أريد أن أقول له:" شكرًا لأنّك غيرتني من حيث لا تدري، انتهت الزيارة بشكل سريع، وأنا أقول له:" شكرًا لك لأنّك غيّرتني، وجعلت لي هدفًا في الحياة، وانتهت الزّيارة، وأخرجونا طبعًا بطريقة وحشية". هذه الكلمة أثارت تساؤلات عند نزار، وأذكر أنّه في موعد الزّيارة الّتي بعدها قررت بأن أذهب لزيارته، فلم يسمحوا لي، فقط، سمحوا لي بزيارة واحدة، وكنت قد ذهبت إلى عسقلان، وعدْت من دون أن أراه.

 لكنّه هرّب لي رسالة، في كبسولة صغيرة جدًّا، وهذه الرّسالة كانت عبارة عن ترحاب من ابن العم لابنة العم، وهذا الحسّ الذّوقي يبقى ويستمرّ عند الأسير، برغم أنّه ليس مطلوبًا منه أن يرحّب بابنة عمّه، ولا بالعائلة، ومن يقوم بهذا الأمر يبحث عن الاستمرار في التّواصل، لأنّ هذا الأمر يعني البقاء، والأسير دائمًا يبحث عن البقاء، عن الدّيمومة، وهو في ذاكرة الغير حتّى لو أنّ الغير ينسى.

ما اكتشفته أنا أنّ الغير ينسى الأسير، ويبتعد عن التّواصل معه، وقد كان هذا المشهد مؤلمًا، وقد ظهر في الرّسالة الّتي أرسلها لي نزار. ملخّص نصّ الرّسالة:" أهلًا بك يا بنت العمومة، وأنا سعيد جدًّا بأنّ أوّل ما فكّرت به هو زيارتنا، وأنت الأولى من بين أقاربنا في الأردن، الّتي زارتني".

مطالبات بترحيل أحلام التميمي من الأردن .jpg

وهذا الكلام كان مهمًّا بالنّسبة لي، وكان طبعًا قد أعطاني نصائح في الحياة، ومنها:" لقد أتيت للعيش في مجتمع جديد، في قرية جديدة، ويجب عليك أن تنتبهي على مسلكيّاتك، وأن تفكري بكلامك قبل أن تقوليه، وفي رسالته قال:" وهذه نصائح من أخ لأخته، وفي نهاية رسالته، قال:" لم أفهم لماذا غيّرتك؟ وهل أنا نزار المجرّد من أي شيء، أسير محكوم بالمؤبد، محروم من الحياة أكون سببًا في تغيير تفكير إنسانة؟ كيف، ولماذا؟ فأنا لم أفهم عليك.

هذا السؤال كان بداية التواصل بيني وبين نزار، وبمجرد سؤاله واهتمامه شعرت بأنّ هذا الإنسان، وهؤلاء الأسرى الموجودين خلف قضبان السّجون هم النّخبة الّتي كنت أبحث عنها في مشروعي. هؤلاء الرّجال هم الثّابتون على الثوابت، هم الثّابتون على الفكر الوطني، هم الّين لم تغيّرهم الحياة الّتي انخرطوا بها بعد اتّفاقيّة أوسلو.

السجن جعلهم محافظين على أنفسهم. عندها قلت في نفسي:" لقد وجدت الشّخص الّذي سيدلّني على الطّريق. لقد بقينا على تواصل عبر الرّسائل (ابن عم وابنة عمّة). كنت قد عشت حياة روتينية قبل أن ألتقي بنزار، فكنت بين الجامعة والقرية، أتعرّف على المجتمع في القرية، وكان ذلك طبيعيًّا جدًّا، فنحن كلّنا أقارب، وتلك كانت طبيعة القرية، لم نكن نتخالط مع أحد خارج نطاق العائلة، فنحن نتنقل نروح ونجيء، نزور بيت عمّتي ثمّ نعود إلى البيت.

 وكانت هناك حالة ترقّب عند النّاس، فكنت دائمًا أشعر بأنّني تحت المجهر. في القرية كل تحرّكات المرء المهجر، لكنّ ذلك لم يكن يُعتبر عيبًا. لقد كان الكلام كثيرًا حول زيارتي لعمّتي. كما أنّني اشتغلت في فترة؛ نتيجة الوضع الاقتصادي للعائلة، وأنا صرفت على نفسي في الجامعة، واشتغلت عند والد زوجي نزار الّذي هو في مجلة الميلاد، فقد كنت أدرس الصّحافة والإعلام، وأشتغل في الصّحافة والإعلام في مجلّة مختصّة في التّحقيق الصّحفيّ، فقد تدرّبت في هذه المجلّة، ولاحقًا صرت أطبّق ما أدرسه في هذه المجلة.


اقرأ أيضًا: أحلام التميمي: أول امرأة في كتائب الشهيد عز الدين القسّام [2]


هذا العمل ساعدني في أن يكون لي راتب في الوقت الّذي أدرس فيه، وأصرف على نفسي، وفي الوقت نفسه لم يكن لدي وقت فراغ، لكنّ على الرّغم من ذلك ظلّ الكلام والقيل والقال عليّ، وعندها آمنت بكلام الوالدة والوالدة، وخوفهم في محله عليّ من مجتمع القرية، وضرورة المحافظة على نفسي، وكنت أعمل بتوصيات والديّ، وكنت أحافظ على نفسي؛ لأثبت للوالد أنّ ظنّه بي كان في مكانه.

أحلام ونزار التميمي.jpg

تابعت دراستي الجامعيّة، وبقيت على تواصل مع نزار عبر الرّسائل البريديّة ، وكنت كلّ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أرسل له رسالة عبر البريد؛ لأنّ الأمور بعد أوسلو حتّى في السجون كانوا يسمونها بالفترة الذّهبيّة؛ لأنّه لم يكن فيها ضغوطات كثيرة على الأسرى. ظلّ تواصلي مع نزار في إطار المشورة، فقد كنت أجد إجابات لكل أسئلتي عندي، فقد كنت على سبيل المثال عندما كانت تواجهني مشكلة في الجامعة أستشيره فيها، وكان دائمًا يجد لي الحلّ، أو عن أيّ تصرّف أتصرّفه في القرية. وبقي نزار مثلي الأعلى، وكنت ألجأ له دائمًا في كلّ أموري.|

 زواجها من نزار البرغوثي

أحلام التميمي وزوجها نزار التميمي .jpg

كان مشروع خطبتي من زوجي نزار في عام 2005، وهو في السّجن وأنا في السّجن، التّحدّي الأكبر لنا، فقد أقمنا حفلة، ووزعنا الحلوى، يومها أتى إلي رجل لمخابرلت الصهيوني قائلًا: "أنت مجنونة، كيف تتمّ الخطوبة وهو في السّجن وأنت في السّجن ومحكومة بالمؤبد وهو محكوم بالمؤبد، وأنت لن تخرجي من السّجن، فكيف ستتزوّجين؟". أجابته له:" سنخرج من السّجن ونتزوّج، وأنت ستظلّ بهذا السّجن؛ لأنّك أنت المسجون.

مشروع الخطبة داخل السّجن مشروع كان تحديًّا عظيمًا، وأذكر أنّ كلّ الإعلام تحدّث عن الخطوبة، وحتّى الصّهاينة أنفسهم ومصلحة السّجون انزعجوا من هذا الموضوع، فنحن كنّا نريد أن نوصل رسالة، مفادها أنّ حياتنا مستمرّة، وكأنّ السّجن غير موجود، فأنا يحقّ لي أن أتزوّج، ويحقّ أن أتواصل بالحياة الطّبيعيّة عبر الرّسائل، حتّى لو أنّها كانت رسائل، فمن حقّي أن أمارس حياتي، وكأنّي موجودة في الخارج.

موضوع الزّواج كان صعبًا بالنسبة لهم، فلمّا خرجنا من السّجن، أبعدوني إلى الأردن ونزار ظلّ في الضّفّة الغربيّة، وبعدر مرور ستّة أشهر تقريبًا على خروجنا من السّجن أبعدوا نزار إلى الأردن.

 التحرر المنقوص

يوم الحرية .jpg

يوم خروجي من السجن، كان هناك استقبال رائع لي، المشهد في مطار الملكة علياء بالنسبة لي أعطاني دفعًا قويًّا، وأدركت أنّني سرت في الطّريق الصّحيح، فالنّاس استقبلوني بترحاب كبير، والعائلة كلّها أتت من فلسطين، أولاد أختي الّذين هم من الدّرجة الثّانية. كانت دموع اللّقاء في عيونهم. والدي كان متقدّمًا في السّن، حضر لاستقبالي على عكّازه. اللقاء بالعائلة كان صعبًا جدًّا.

رأيت الفخر بعيون كلّ من أتى لاستقبالي والاحتفال بي، وكنت أسمع كلمات تتردّد على أذْن والدي:" تسلم يا حاج على هذه الترباية". هذه الكلمة جعلت والدي يقول لي:" رفعت رأسي يابا.

 الحرية المنقوصة ومطالبة بالترحيل

أحلام ونزار التميمي قصة حب بدأت  في سجون الاحتلال الإسرائيلي.jpg

المشروع الّذي كنت أسعى إليه بعد التّحرر هو أن أقهر العدوّ الصّهيوني، فنزار يجب أن يأتي إلى الأردن حتّى نتزوّج، وبالفعل بعد معاناة لمدّة ستّة شهور، وإرغامه على العودة إلى فلسطين على جسر الأردن لخمس مرّات مرات والجسر الإسرائيلي مرّة. تلاعبوا به بشكل كبير إلى أن انتهت القصّة بإرغامه على قرار الإبعاد لخمس سنوات حتّى يأتي إلى الأردن ونتزوّج، إلى أنّه ما زالت معاناتنا مستمرة بعد صدور مذكرة من الانتربول في أمريكا، بطلب اعتقالي من جديد، والقضيّة

ما زالت في سجون أمريكا حتّى الآن، ومن الممكن أن يكون هناك سناريو جديد في المستقبل. لا نعرف ما الّذي سيحصل بالسّجون الأمريكيّة؛ لأنّه مازالت ثلاث قضايا عليّ قضايا في محاكم واشنطن، بضرورة إعادة الاعتقال من قبل أهالي القتلى، وإعادة محاكمتي من جديد، وهذا الأمر يوتّرني ويدخلني في حالة عدم استقرار، سواء إنت كنت محرّرة أو مبعدة.

القضيّة ما زالت في سجون أمريكا حتّى الآن، ومن الممكن أن يكون هناك سناريو جديد في المستقبل. لا نعرف ما الّذي سيحصل بالسّجون الأمريكيّة؛ لأنّه مازالت ثلاث قضايا عليّ قضايا في محاكم واشنطن، بضرورة إعادة الاعتقال من قبل أهالي القتلى، وإعادة محاكمتي من جديد، وهذا الأمر يوتّرني ويدخلني في حالة عدم استقرار، سواء إنت كنت محرّرة أو مبعدة.