بنفسج

كي لا ننسى الإبادة: إذ يخلد الفن المجزرة

الأربعاء 26 فبراير

قصص من حرب الإبادة الجماعية
قصص من حرب الإبادة الجماعية

لطالما توقفت أمام صورة بعينيها وسألت نفسي: هل يمكن للصورة حقًا وصف حجم الموت الذي رآه الغزي؟ هل يمكن ابتكار آلة سحرية نضغط على زر فيها فيعود الزمن إلى الوراء؟ وماذا عن من شهد سقوط البناية كلها فوقه، ليجد نفسه معلقًا بين السماء والأرض، لا يريد شيئًا سوى الراحة الأبدية... يخاف أن ينظر إلى جسده فلا يجد أجزاءً منه، يثيره الغثيان من رائحة الدماء الممزوجة برماد الصواريخ، إذ لهما رائحة غريبة لا تُنسى أبدًا.

روح الروح

روح الروح.jpg

لم تكن روائح الحرب المستحدثة بفعلها، فقط من تعلق بالذاكرة الفلسطينية الحية بل توجد مشاهد بثت على الشاشات، وصور التقطها المصورون الذين كان لهم دور كبير في بث أبشع إبادة جماعية عبر الصور، والفيديو، فهذا "روح الروح" يتصدر الإعلام من خلال فيديو في وداع حفيدته، أفلا يقولون ما أعز من الولد إلا ولد الولد... جسدها الجد خالد نبهان وهو يحتضن حفيدته ويمسح وجهها الذي كان على الدوام مصدرًا للأمان والسكينة، ولكن العناق لم يكن متبادلًا لأول مرة، فقد حلقت روح الصغيرة إلى البارئ، وجدها الآن يتلمس وجهها، لأنه سيضعها في التراب بيديه بعد قليل، ورحل وهو يردد: "روح الروح هادي روح الروح".

بعد أشهر قلال من حزنه على حفيدته ريم التي لم تتجاوز الخمس سنوات، قتل الاحتلال الإسرائيلي الجد كما فعل مع الطفلة، ليلتقيا من جديد في السماء.

ذكرى تأبى النسيان

شاب.jpg

لم تقف الحرب عند حد استشهاد الأحبة، فقد سرقت كل شيء، البيت والمال والولد، فهذا غزي يجلس على ركام البيت، مشعثًا مغبرًا، والعتمة تشق السماء، يبكي البيت والعائلة، فيضع رأسه على ذراعه لعله يرتاح، لكن نار قلبه تشتعل بضرواة، فماذا يعني أن يرحل الأحبة دفعة واحدة، وماذا أن يضيع شقى العمر بضغطة زر؟ مصيبتان في آن واحد، تفوق قدرة الإنسان على التحمل، وعلى الرغم من مرور أشهر على الحدث الصادم إلا أن كثيرين ما زالوا عالقين هناك، يتمعنون كل يوم في المنزل الذي أضحى بضع من حجارة، ويشعرون أنهم على حافة الجنون، لكن لطف الله يدب في قلوبهم فتغمره سكينته.

أمهات غزة "جبل المحامل"

أم فلسطينية.jpg

ويظهر لطف الله جليًا على قلوب الأمهات، فهذه أم غزية ومرت علينا آلاف المشاهد لوداع شق الروح، وكل مرة يتغلل الألم فينا أكثر، وهن يرينا صور أبنائهن وضحكاتهم، ويذكرن لحظة الوادع التي قصمت ظهورهن، ومحظوظة هي الأم من وجدت شهيدها قطعة واحدة، تحتضنه وتقبله القبلة الأخيرة، جسدًا كاملًا يمكن تحسسه وتقبيل أجزائه ومعانقتها في الوقت الذي تتبخر فيه الأجساد خلال حرب الإبادة.

أطفال بعمر الورد قتلتهم "إسرائيل"

أم.jpg

وفي الحرب أيضًا، ودّع الأطفال إخوتهم، فهذه طفلة تحتضن شقيقها الذي قُتل، وثانية تبكي بجانب أمها وتسأل أين أختي! ضحى واحدة ممن تعرضوا لهذا الأمر، فقدت ابنتها الكبرى، لتبقى شقيقاتها الاثنتين في حالة تساؤل متواصلة، فأين ذهبت! آلاف الإخوة الصغار، جربوا في غزة شعور فقدان الظهر برحيل الأخ أو الأخت، فتكون مشاعر الحزن مضاعفة كونهم أطفال.

أما الآباء فقد نالوا نصيبهم أيضّا من الحزن، فذاك يدفن ابنه الوحيد الذى أتى بعد شوق وسنين عجاف، وآخر يدفن مدللته الوحيدة التي كان يحلم أن يراها في أعلى المراتب، يخطط للمستقبل لأجلها، وذاك فقد كل أبنائه مرة واحدة، فيحتضنهم لحظة الوادع ولا يود مفارقتهم، المشاهد كثيرة في غزة للآباء الفاقدين، ولا تُنسى أبدًا، سيظل الجرح ينزف للأبد.

أسرى غزة: بدر دحلان نموذجًا

بدر دحلان.jpg

لم يكتفي الاحتلال بعمليات القتل الممنهجة، بل كان يتفنن في كيفية تعذيب الفلسطيني الغزي بالأسر، كثيرون من تحرروا من السجون الإسرائيلية مؤخرًا تحدثوا عن التنكيل والتعذيب الجنوني الذي تعرضوا له، كثيرون أخبروهم بأن عائلاتهم قد ماتوا، وغزة لم يتبق بها أحد، فتعرضوا إلى صدمة حين تحررهم بأن كل ذلك كان كذبًا، ولا ننسى منظر الأسير الذي كانت عيناه شاخصتان، بدر دحلان، الذي ظهر بعد الإفراج عنه بحالة مأساوية يرتعش ويحكي عن شهر من التعذيب، فقد تعرض إلى صدمة نفسية قاسية مما عاناه داخل السجون، فكانت عينيه شاهد على الإجرام، وليس هو وحده بل مثله الآلاف.