بنفسج

رمضان الزمن الجميل: من ذاكرة العادات الفلسطينية

الإثنين 03 مارس

رمضان فلسطين قديما
رمضان فلسطين قديما

على الرغم من اختلاف رمضان الآن عن الأيام القديمة، إلا أن له قدسية خاصة، ومهما تغيرت العادات تظل بضع التفاصيل باقية معنا حتى يومنا هذا، يشتاق أجدادنا إلى رمضان القديم بكل ما فيه، إذ يقرون أن حتى صوت المسحراتي اختلف ما بين الماضي والحاضر، ولكن يبقى كل قديم يسحرهم، الليلة الأولى، والسحور الأول، والاجتماع العائلي حول طاولة الطعام.

هنا نحكي عن رمضان فلسطين في قديم الزمان، عادات الفلسطينيين قديمًا، كيف كانوا يستقبلون الشهر الفضيل، عن السفرة العامرة بالأحبة، عن الطعام الذي كان يعد من أساسيات اليوم الرمضاني.

رمضان "أيام زمان"

رمضان أيام زمان.jpg
 

لم يكن قديمًا أي وسيلة تعرف الفلسطينيون على حلول شهر رمضان، سوى الصعود إلى مكان عال لمراقبة بزوغ الهلال، فكان من يراه يذيع بين بيوت الحارة أن رمضان قد هل هلاله، أما الآذان لم يكن هناك أي حضور له بالقرب من بيوت الأهالي، فمن يصلي في الجامع فقط هو من يعرف أن الآذان قد حضر، وفي رمضان كانت الأمهات ترسل أطفالها إلى مكان قريب من مسجد البلدة، ليسمعوا الآذان، ثم يذهبوا لتبليغ عوائلهم بمجىء لحظة الإفطار، وبهذا يتوارد الخبر لكل بيوت البلدة.

وفي أحيان كثيرة كان خبر بدء شهر رمضان يأتي متأخرًا، في منتصف اليوم مثلًا، فيبدأ الناس صيامهم على الفور، وحصلت مع الأجداد أن يكون هل هلال العيد وهم لا يعلمون، فكان خبر العيد مفاجئًا لكثيرون آنذاك.

ثم تطورت الحياة بالتدريج ليتم بث الآذان بواسطة مكبرات الصوت، حتى منتصف الأربعينيات عندما صار لدى الفلسطينيين مدفع الإفطار، وهذا له قصة خاصة إذ تقول الروايات التاريخية إن البريطانيين آنذاك، كانوا يحاولون تحسين علاقاتهم مع الفلسطينيين، فعقدوا حفلة برئاسة قائد الجيش البريطاني لمنح مسلمي القدس "مدفع رمضان"، لتتوالى عملية تسليم المدافع في مختلف المدن الفلسطينية ك "عكا، غزة، يافا، نابلس، حيفا، جنين"، ويظل يُستخدم مدفع رمضان حتى قدوم الاحتلال الإسرائيلي الذي منع استخدام المدفع الرمضاني في غالبية المدن.


اقرأ أيضًا: الابتهاج برمضان... عبادة وقرب


ولا ننسى أن نذكر أهمية الخرطوش أو الجفت الذي كانت مهمته توازي مهمة المدفع، فكان يبلغ الأهالي ببلوغ وقت الإفطار، وكان يستخدم في البلدات الفلسطينية الصغيرة ك "بيسان، الناصرة، وصفد".

أما عن السحور، فكان لا شيء يدلل على بلوغ ساعة السحور، سوى المسحراتي الذي يجوب البلدة وهو يحمل تنكة وعصا ويبدأ بالطبل وهو يردد بصوته الجهور: "قوم يا نايم وحد الدايم، قوم تسحر يا صايم"، ويبقى يمارس مهمته طوال الشهر ولم يكن يطلب أجرًا، كان أهالي البلدة يرسلون الطعام لعائلته دائمًا وعلى وجه العيد يكرمونه بشلن أو ربع ليرة.

لمة رمضان بالبلاد

رمضان فلسطين.jpg
 

قديمًا، كانت العائلة تتجمع لتناول الإفطار في بيت والدهم، وكان الأبناء يأخذون طعامهم ليجتمعوا في بيت العائلة الممتد، كما يدعو الأهل بعضهم البعض لتناول الطعام سويًا، إذ أطلق على التجمع العائلي الرمضاني عادة "الشعبونيّة"، وبحسب الأقاويل التاريخية فإن اللفظ انبثق من شهر شعبان، وهذه عادة من الإرث الفلسطيني تستمر لثلاثة أيام تقريبًا، إذ تتجمع العائلة وتعقد السهرات التي تمتد إلى الفجر.

إذ يقول أجدادنا في شهاداتهم التاريخية أن غالبية العائلات كانوا يسكنون معًا، معتادين على اللمة، يقتاتون من شغل الفلاحة، وفي رمضان يطبخون الطعام ويرسلو صحن الطبيخ للجيران والأقارب، فكان الصحن ذاته يجوب البلدة ليعود محملًا بطبخة ثانية، فكن العائلة الواحدة تأكل من 4 و5 بيوت. أما كبار العائلة من الرجال، كانوا ينتظرون أن ينتهي طهو الطبخة، ليأخذون الصحن متجهين للديوان ليتناولوا الطعام مع رجال المدينة، فتكون المائدة عامرة بأطباق متعددة.

وكانت النسوة يستيقظن من الفجر ليبدأن العجن ويشعلن النيران، لخبز العجين، ويتجمعن للصلاة سويًا، ثم يجلسن يتبادلن الأحاديث، وبحسب شهادة جد ممن عاصروا رمضان زمان: "كنا نأكل من صحن واحد، لم نكن أغنياء ولكن بالنا مرتاح، أما الآن الكل يفتقر لراحة البال".

أكلاتنا الرمضانية

أكلات فلسطينية.jpg
 

ومن الطبخات الشهيرة التي كن يتنقلن النسوة بها بين بيوت البلدة، طبخة المقلى التي يخصص يوم الجمعة لاستقبالها، وهي لمن لا يعرفها عجينة بداخلها قرنبيط يتم تكوريها بالحجم المرغوب وقليها في الزيت المغلي.

وبعد يوم طويل ما بين التعبد وطهو الطعام، تجتمع النسوة بعد الإفطار في حوش الدار، لساعات، ثم ينتقلن لبيوتهن لانتظار ساعة السحور، الذي كان عادة عبارة عن هريس قمر الدين أو التمر معجونُا بالزيت الآت من أرض البلاد.

وكان طعام الإفطار مشكلًا، مرات يكون دجاجًا من دجاجات مزرعة البيت، وكثيرًا يكون شوربات ومعجنات، ولا تخلو مائدة رمضانية من الرشتة "عجين يقطع بشكل طولي ورفيع يطبخ مع العدس" إضافة إلى الجريشة "شوربة القمح"، إلى جانب المخللات الأصيلة كالزيتون. وللمقلوبة والمسخن والمنسف والمجدرة حضور على الموائد الرمضانية القديمة.


اقرأ أيضًا: حلويات رمضان.. إرث قديم للعالم العربي


أما في ما يتعلق بمشروبات رمضان في فلسطين، كان العرقسوس الذي يتم يُحضر في البيت طعم خاص، إذ يُصفى العرقسوس في شاش ثم يخمر بإضافة مادة بيكربونات الصوديوم في مكان مشمس، ثم يضاف له الماء، ليصبح جاهزًا للشرب، إضافة لمشروب قمر الدين، والتمر هندي، والخروب.

وإلى جانب المشروبات كانت نسوة البلدة يبدعن في تحضير الحلويات وأبرزها الهريسة، ولم تختلف حلوى رمضان اليوم عن السابق، سوى أنه أُضيف قائمة حلويات مستحدثة، لقوائم الحلوى الرمضانية كالقطايف المحشوة بالقشطة أو الجبنة واللوز، والكنافة بأنواعها، والعوامة، واستحدثت في السنوات الأخيرة حشوات كل من القطايف والكنافة لا تروق للجيل القديم كالشوكولاته واللبن، وغيرها.