بنفسج

براءة فقهاء وأمل شجاعية: معية الله رافقتنا في الأسر

الأحد 09 مارس

الأسيرات المحررات أمل شجاعية وبراءة فقهاء
الأسيرات المحررات أمل شجاعية وبراءة فقهاء

نسمع روايات الأسيرات المحررات وسردياتهن عن الاعتقال والمرحلة التي تلتها، عن يوم تبادل الأسرى التي تحررن فيها، ونفرد حوارات خاصة مع كل أسيرة حين تسنح لنا فرصة لقائهن. وهنا في هذا الحوار جزء من رواية الأسيرتين براءة فقهاء وأمل شجاعية اللتان تحررتا في صفقة تبادل الأسرى خلال كانون الثاني / يناير 2025 المنصرم.

في هذا الحوار سألنا كلًا من الأسيرتين عنهما وعن حياتهما ودراستهما، للتعرف عليهما، ومن ثم عن ظروف اعتقالهما وما تلاه من تحقيق واتهام وترحيل إلى الدامون. وهي المراحل الأصعب في تاريخ الحركة الأسيرة منذ بدء حرب السابع من أكتوبر، إذ مورست السياسات الفاشية الصهيونية بوجهها القبيح المعلن، فتعرض الأسرى والأسيرات إلى التعذيب وسوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية ما أدى إلى استشهاد العشرات منهم تحت التعذيب.

براءة فقهاء: فرحة التحرر منقوصة

الأسيرة المحررة براءة فقهاء1.jpg

اعتُقلت براءة فقها بتاريخ 14 أغسطس/آب 2024 على حاجز طيار أثناء عودتها إلى بلدتها طولكرم من رام الله. لم تكن براءة تتوقع الاعتقال، إذ كانت عائدة من دوامها بشكل طبيعي في جامعتها أبو ديس، وهي تدرس الطب البشري، تقول لبنفسج: "اصطحبني جنود الاحتلال إلى معسكر للتحقيق معي، وفي اليوم التالي نقلت إلى سجن الدامون، عانيت خلال فترة وجودي هناك من معاملة سيئة وتعذيب ومحاولة إذلال لي ولكل الأسيرات، وظروفنا كانت قاسية جدًا في الزنازنة التي لا تتسع إلا لستة أشخاص لكن يوجد بها ضعف العدد. وكانت فترة وجودي في سجن الدامون مدة خمسة أشهر وعشرة أيام، عانيت خلالها من كل النواحي فلا أدوية والطعام سيء، كما أن سياسة تجويع كانت ممنهجة تتبعها إدارة السجون".

لا تختلف تفاصيل اعتقال أمل شجاعية عن براءة كثيرًا، فقد تعرضت للتنكيل ذاته، أو كما سمعنا من باقي الأسيرات المحررات اللاتي قابلناهن في بنفسج في حوارات سابقة، تقول أمل لبنفسج، وهي الطالبة في تخصص الإعلام في جامعة بيرزيت: "في 6 تموز/ يونيو 2024، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال المنزل بعد منتصف الليل، وحاصره ما يقارب 10 جيبات عسكرية، دخل الجنود إلى المنزل وطلبوا الهواتف المحمولة والهويات ثم سأل الجندي عن اسمي وقال بأني سأذهب معهم".


اقرأ أيضًا: خالدة جرار: أيقونة النضال الفلسطيني المعاصر


كانت أمل نائمة أثناء مداهمة الجنود للمنزل، شعرت بمعية الله ولطفه وهم يقتادونها إلى مرمز التحقيق، تضيف لبنفسج: "أول يوم من اعتقالي مكثت في غرفة صغيرة قذرة مدة من الزمن، وقد سمعت أثناء وجودي في هذه الغرفة صوت آذان الفجر، وكانت المرة الأخيرة التي أسمعه، ثم نقلت إلى مركز تحقيق عتصيون في الخليل وقد كانت ظروف التحقيق مروعة، ثم نقلت إلى معتقل الشارون ومكثت فيه ثلاثة أيام، وكان وضع الزنزانة سيئًا جدًا، إذ كانت صغيرة جدًا مليئة بالحشرات وغير نظيفة، وكانوا ينغصون علينا بمصادرة الفراش كل صباح ويعيدونه في المساء، لا نعرف الوقت ولا مواعيد الصلاة".

مواقف من حياة الأسر

الأسيرة المحررة أمل شجاعية1.jpg

نسأل في الحوارات عن المواقف التي تقف عندها الأسيرات، وربما تغير حياتهن ونظرتهن إلى الأشياء والأحداث والأشخاص، والسبب في سؤالهن هو محاولة مشاركتهن المنعطفات التي سنستذكرها دومًا في كل محطات حياتنا باعتبارنا شعبًا مستعمرًا نحوّل الصعاب إلى تحديات تكون سببًا في صبرنا وثباتنا ونصرنا. ومن المواقف التي أثرت في براءة فقها على سبيل المثال، أيام التنكيل المتعمد بالأسيرات وخصوصًا الكبيرات بالسن والأمهات، قولها: "من القصص التي عايشتها في السجن وتأثرت بها قصة الأسيرة الغزية سوزان أبو سالم التي تركت صغارها الأطفال في غزة وغياب أخبارهم منذ عام، وأيضًا الموقف الثاني يوم تحرري عز علي فراق الأسيرتين آية الخطيب وشاتيلا أبو عيادة".

أما أمل شجاعية فقد قضت في سجون الاحتلال 7 أشهر ونصف، وتحدثت فيها عن سياسة الإذلال في السجون مجحفة، إذ يفتشن بشكل عار عند دخول أي معتقل، إضافة إلى التنغصيات المستمرة باقتحام الغرف في ساعات الليل ومصادرة ممتلكات الأسيرات. تقول: "في 25 أيلول/ سبتمبر 2024 سحب الاحتلال كل ممتلكات الأسيرات من ملابس وعلب الطعام وكتب وروايات، كما صادروا النوافذ في فترة كان الجو فيها شديد البرودة".


اقرأ أيضًا: مناضلات ضد المحتل: فلسطينيات حملن السلاح


"أذكر في موقف لا يُنسى، جرّ إحدى الأسيرات إلى العزل، وقد نزع حجابها منها وقد كان صراخها يملئ القسم، وهذه من أصعب المواقف ولم يكن بيدنا حيلة إلا الدعاء. أما الموقف الثاني لحظة تحررنا من الأسر بدأ السجانون يخرجون الأسيرات وكنت في الغرفة أعيش مع أقدم الأسيرات في المعتقل والتي تعد أحكامهم من أعلى الأحكام وهن الأسيرة آية الخطيب وشاتيلا أبو عيادة، كان التوتر يعترينا في اللحظات الأخيرة، وقفت بجانبي آية واحتضنتني محاولة التخفيف عليّ لم أكن أعلم بأنها تودعنا وأنها لن تخرج معنا، كانت من أصعب اللحظات أن تركنا بعض الأسيرات".

تروي كل من أمل وبراءة عن السياسات القمعية في الأسر التي يتعمد جنود الاحتلال إذلالهن، يقلن: "كانوا يقيدون أيدينا، ويعصبون أعيينا ويجروننا بطريقة مهينة أثناء الذهاب للالتقاء بالمحامي أو للمحكمة".

حرية رغمًا عن أنف السجان

براءة فقهاء.jpg

كانت أمل وبراءة، ككل الأسيرات، بترقبن يوم الحرية، على الرغم من انقطاعهن عن الأخبار، وغيابهن التام عن العالم الخارجي إلا أنهن كن يعرفن بعض الأخبار من الأسيرات الجدد أو المحامي.

تقول براءة فقها لبنفسج: "تعمد الاحتلال عدم إخبارنا أي شيء عن الصفقة المرتقبة، وعند الإفراج عنا أخبرونا بشكل سريع وبدأوا بإخراجنا واحدة تلو الأخرى ،ونحن لا نعلم من سيخرج ومن لا، تألمنا حين تركنا وراءنا أسيرات غزة والداخل. أخذوني إلى التحقيق يوم الإفراج، فابتسمت وأنا أجيب المحقق، فقال لي: "ابتسامتك ما بدي أشوفها". وهددوا الأهل بعدم إظهار مظاهر الفرح".


اقرأ أيضًا: الأسيرة المحررة زينة بربر: ابنة القدس المهددة بالإبعاد


أما أمل فتقول عن تلقيها خبر الصفقة: "كنا نعيش داخل الأسر في مقابر للأحياء، لا نعلم ما يحدث في الخارج، علمنا عن خبر تحررنا بالصدفة عندما خرجت إحدى الأسيرات إلى المحكمة وقد أخبرها المحامي بأننا سنخرج يوم الأحد، تفاجئنا يوم الأحد بأن القسم قد فُتح بشكلٍ طبيعي وقدم الاحتلال لنا وجبات الطعام وخرجنا إلى الفورة، وعند سؤالنا أحد السجانين أخبرنا بأنكم قد تخرجون بعد شهرين أو أسبوعين، وقد تخرجون بعد نصف ساعة. حاول السجانون اللعب بأعصابنا، ثم أخبرونا ما يقارب الساعة الثانية عشر ظهرًا بأن نجهز أنفسنا للخروج".