من الأسيرات القليلات اللاتي بقين حبيسات الدامون، الأسيرة ربى فراس، ولعل في ذلك حكمة عرفناها عندما حاورنا شقيقتها، فهي من أهل القرآن وحفظته، مطمئنة ساكنة هادئة صبورة، ملتزمة في قراءتها وتعبدها وصلاتها ودعائها، ولهل صفاتها المميزة هي التي أعانتها على السجن وعذاباته، بل أن طمأنينتها أسكنت السجن باقسامه في الدامون وأصبرت من بقين في الأسر حتى الآن. وهنا حوار مع أختها أسماء تخبرنا عن أختها وعن ظروف اعتقالها وتهمتها والحكم عليها.
يوم الاعتقال: ربى تردد آيات الذكر
الأسيرة ربى فراس أسيرة من قرية دير قديس، تقع غرب رام الله، تبلغ من العمر 21 سنة ، وهي في السنة الرابعة، تخصص الفيزياء في جامعة بيرزيت.
وعن ظروف الاعتقال ووقته، فإنها تتشابه في حالات اعتقال الأسرى والأسيرات، بل إن الاحتلال يمعن بالتنكيل والضرب والقمع أثناءه، ولا يطال ذلك الأسير/ ة المعتقل/ة، بل أهلهم وذويهم أيضًا، تقول أسماء فراس عن وقت وظروف اعتقال شقيقتها ربى: "اعتقلت ربى يوم الثلاثاء 7 كانون الثاني/ يناير 2025 الماضي، الساعة 12:30 في منتصف الليل، كان معظمنا لا زال متيقظًا في البيت، نبهت الجميع عندما رأيت الجبات العسكرية التي أحاطت بنواحي البيت وخلفه، والحمدلله استطعنا ارتداء ملابسنا، عندئذ بدأوا بضرب الباب بشدة.
اقرأ أيضًا: آية الخطيب: عميدة الأسرى وأم المساكين
فتح أخي الكبير الباب ودخلوا بأعداد كبيرة، كانوا بحدود اثنا عشر جنديًا من بينهم ثلاث مجندات وجندي ملثم يحكي/ يتكلم العربية، دخلت إلى غرفتي مجندتين وأخذوا هاتفي وهاتف ربى، وطلبوا من ربى أن تفتح هاتفها ولما رفضت صرخ في وجهها الجندي وهددها بإطلاق النار على أمي وأبي، فتحوا هاتفها وصادروه، وأخبرونا وقتها بأمر اعتقال ربى، دخلت أنا وربى إلى الغرفة لارتداء ملابسنا، ولحقت بنا مجندتين ورفضن الخروج. كانت ربى تردد آيات من القرآن، أعطيتها جلبابًا شتويًا وشالًأ ولبستها، وقبل أن تخرج أوصتني بالتخفيف عن أمي وأبوي.
معاذ صديق ربى

عندما خرجت من الغرفة سحبوها فورًا دون أن نتمكن من توديعها، وأخرجوها إلى خارج المنزل، حاولنا اللحاق بها ولكنهم منعونا، وحشرونا جميعًا في الصالون وتركوا معنا ثلاثة جنود، منعونا من الكلام أو حتى الوقوف، كانت مشاعرنا متضاربة ولكن سبحان الله كان هناك صبر عجيب وسكينة، "كنا مش مستوعبين بس بنفس الوقت ما أظهرنا أي ضعف قدام الجنود اللي كانوا بحاولوا يستفزونا بكلامهم وأفعالهم، وكنا نثبت حالنا ب "لا حول ولا قوة إلا بالله".
تأخر الجنود على هذا الحال، وربى في الجيب العسكري خارج المنزل ونحن داخله دون أن يسمحوا لنا بالحركة، وبعد فترة أعادوا هاتف ربى، ونزل الجنود من عندنا. وعن أخي الصغير معاذ، كان طوال هذا الوقت نائمًا، واستغربنا من بقاءه نائمًا رغم الضرب على الأبواب والإزعاج.
ولكنها كانت رحمة الله، فـ معاذ أصغرنا وعمره ٨ سنوات، صديق ربى - وهي أكبرنا، يحبها وهي المفضلة لديه منذ صغره، كانت تدلل معاذ وتحفظه قرآن وتخرجه في مشاويرها، وعندما استيقظ في الصباح وعرف الخبر لم يصدق وصار يبكي.. والآن دائما يدعو لها ويستذكرها. –
رائحة البشكير طمأنينة
لاحظنا أن مجندة أخذت "بشكيرًا/ منشفة" كان على الكرسي وكنا نجهل السبب، في ما بعد علمنا من فيديو صوره أحد الجيران لحظة إخراجهم لربى من البيت أنهم ربطوه على عينيها، في ما بعد أخبرتنا أسيرة خرجت من عندها أن "قد ما كان المشي مغمضة في الليل مخيف لربى إلا أنه ريحة الدار في هذا البشكير طمئنتها". بعدئذ اقتادوها إلى جيب العسكري وغادرت باقي الجيبات.. وقتها مع مشهد مغادرة الجبات استوعبنا ما الذي حصل وغلبت علينا مشاعرنا وبكينا!
ومنذ اعتقال ربى تواصلنا مع المحامي، أن لا تهمة محددة على ربى وليس بحقها أي ادعاء، ومن الواضح أن الأمور تتجه للإداري، عرفنا بعد يومين أنها وصلت هشارون ليلة وتم نقلها بعدها عالدامون، ثم انقطعت عنها الأخبار لمدة، ثم توالت الأخبار عنها من زياراتها - بعد حكمها- ومن الأسيرات اللواتي خرجن من السجن، وقلن "ربى منيحة ومعنوياتها عالية جداً، قوية كثير وقوتها عجيبة، ولا كأنها بالسجن!"
"ربى صاحبت القرآن منذ نعومة أظفارها، أتمت حفظ كتاب الله وهي في الصف الثاني عشر، وتعاهدت القرآن في كل حياتها حفظاً ومراجعة وتثبيتاً، وهي الطالبة المتفوقة في مدرستها وجامعتها وفي طلبها للعلم الشرعي منذ صغرها.
بعد أسبوع من اعتقالها، صدر بحقها حكم بالسجن الإداري لأربعة أشهر.. كنا ننتظر خبرا بالإفراج، ولكن سلّمنا واحتسبنا فربّ الخير لا يأتي إلا بالخير..
تقول أسماء عن شقيقتها وعن علاقتها بالقرآن الكريم: "ربى صاحبت القرآن منذ نعومة أظفارها، أتمت حفظ كتاب الله وهي في الصف الثاني عشر، وتعاهدت القرآن في كل حياتها حفظاً ومراجعة وتثبيتاً، وهي الطالبة المتفوقة في مدرستها وجامعتها وفي طلبها للعلم الشرعي منذ صغرها، كانت قد أنهت ختمة التثبيت الأولى قبل أشهر، وأخذت إجازة في متن منظومة الجزرية، وكانت قد همّت قبل اعتقالها في البدء بختمة التثبيت الثانية.
وهي تحفظ الأسيرات قرآن وجزرية، وتثبت حفظها وتحضر نفسها لسرده، وهي من تبثبت الأسيرات وتصبرهن وتشجعهن على الدوام. لم يكن غريبًا عليها هذا الثبات وهذه المعنوية وهي صاحبة القرآن، وعندها من العلوم الشرعية والمعرفة الإيمانية ما عندها، وأنها تعرف جيداً -وهذه عبارة تكتبها عندها وعلى صفحاتها-: أن "للباطل جولة، وللحق جولات" ..
بقاؤها ثبات الأسيرات
تقول شذى الأسيرة المحررة وصديقة ربى في جامعة بيرزيت ورفيقة الأسر: "ربى صديقتنا ورفيقتنا البيرزيتية، على باب غرفة 11 كنت شذى وأمل شجاعية داخل الغرفة ووفاء نمر خارجها، كان وقت فورة غرفة وفاء، فجأة نادوا إنه في أسيرة جديدة دخلت.. بالهيئة الأولى ما عرفنا مين هي! ربى المميزة بجلبابها ولباسها الشرعي، دخلت على القسم ببلوزة وبنطلون سكنيات من الشاباص!
لكن أمل ووفاء عرفن أنها ربى وركضت وفاء سريعًا وحضنتها، وبعدها وفاء وربى ذهبن على باب غرفة ١١. كان اللقاء مليئًا بالبكاء تبعه اطمئنان وثبات. دخلت ربى بكل ثبات وهدوء وصبر، حتى أن البعض استغرب منها وقال "ربى شكلها مش زي الأسيرات"، وكانت بركة القرآن وتثبيته، ومن أول يوم دخلت فيه السجن التزمت قرآنها والدعاء..
كان صعبًا وقاسيًا أن نخرج من السجن وخلفنا أحبة وأخوات، لكننا متأكدين أن وجود ربى سيساعد الأسيرات في تثبيتهم ورفع معنوياتهم وتصبيرهم..".