مذكرات سجينة تدوّن هنا، وهي أشبه بالتوثيق للتعذيب والتنكيل الذي يحدث ويستمر حتى الآن في سجون الاحتلال بحق الأسرى والأسيرات كل يوم، فما يخرج أسير إلا ويقول: "ضربونا...كسرونا... جوعونا"، ويرتقي المزيد من الشهداء الأسرى ضربًا وتعذيبًا وتنكيلًا.
وفي المقابلات التي أجرتها وتجريها منصة بنفسج مع الأسيرات، عامة، والأسيرات اللاتي تحررن في صفقات التبادل الأخيرة ما هو إلا إثبات على العدوان الإسرائيلي وسقوط أقنعته حتى بات يمعن يومًا بعد يوم في التنكيل بحق الأسر ابتداءً من لحظة اقتحام البيت وصولًا إلى مركز التحقيق والمعتقل.
وبالنسبة للأسيرات بحسب المقابلات التي أجريناها مع الأسيرات فإن معظم التهم التي وجهها الاحتلال بحقهن هي التحريض، إما بنشاطهن الاجتماعي أو الدعوي أو الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي. وسماء مسالمة التي قابلناها إحداهن، وسماء اعتقلت لمجرد أنها نشرت صورة خالها فرحة بتحرره في الصفقة التي أجريت.
فرحت بتحرر خالي فاعتقلت وابنة عمي
في بداية كل مقابلة نود أن نتعرف على اسم الأسيرة المحررة وبلدتها ودراستها ومكان سكناها حتى يتعرف إليهن القراء وتبقى مادة للحفظ والتوثيق مدى الحياة. والمحاورة هنا مع سماء مسالمة، من بلدة بيت عوا قضاء الخليل، تبلغ من العمر ٢٠ سنة، وهي طالبة في كلية التمريض في جامعة الخليل سنة ثالثة. اعتقلت سماء مسالمة في شهر يناير وخرجت بكفالة قدرها 7500 شيكلًا بعد إمضائها شهرًا في المعتقل.
سألنا عن اعتقالها وتعريضها لهذا الكم من التعذيب والتعنيف، فأجابت: "سبب اعتقالي هو فرحتي بتحرر خالي إياد ياسر مسالمة من الأسر ضمن الصفقة بعد ٢٤ سنة من الاعتقال والمحكوم ب ٤ مؤبدات، وقد أفرج عنه وأبعد إلى مصر، فعلقت صورته وابنة عمي ميادة مسالمة، فاعتقلنا الاحتلال".
ونذكر أن الاحتلال يجري العديد من الإجراءات قبيل خروج الأسرى في كل صفقة تبادل وبعدها أيضًا، فيمنع على الأهالي الاحتفال أو التعبير عن أي مظهر احتفالي مهما كان، صورة على السوشال ميديا، أو منشور هنا وهناك، أو تعليق صورة أو زينة، أو الخروج في مسرات احتفالية، بل سجلت اعتداءات في أماكن استقبال الأسرى في المدن والقرىة الفلسطينية، إذ اعتدى جنود الاحتلال على المكان بالضرب والتكسير والصراخ وتوجيه الشتائم، والحد يصل إلى اعتقال ذويهم.
اقرأ أيضًا: نائل البرغوثي: محطات في حياة أقدم أسير في العالم
عن ليلة الاعتقال وظروفها طلبنا من سماء أن تقص علينا بالتفصيل مجرياتها وماذا حدث، تقول سماء: "اعتُقلت من المنزل بتاريخ 27 كانون الثاني/ يناير 2025 الساعة الثالثة فجرًا. لم أكن أتوقع الاعتقال أبدًا وتفاجأت بكمية أعداد الجنود الذين اقتحموا المنزل.
كان اقتحامًا وحشيًا وقد هددوني بقتل عائلتي وتكسير المنزل على رؤوسهم إذا لم أسلمهم جوالي. وعند اقتيادي لم يسمحوا لي بتوديع أهلي وضربت أمام أعين أمي وإخوتي. ومن بعدها نقلت من جيب إلى آخر، وبقيت مدة ٨ ساعات مكلبشة إلى الوراء، يداي وقدماي. ثم نقلت إلى التحقيق، وكانت أصعب الأوقات التي مرت في فترة اعتقالي، إذ تعرضت للضرب والصراخ والتهديد باعتقال الأهل والإجبار على الاعتراف والتوقيع، ومن ثم نقلت إلى سجن الهاشارون الذي ينعدم من كافة مقومات الحياة".
نمت في ليل قارس وحدي باكية
وعن مرحلة السجن سألنا سماء عن وضع السجينات في الأسر، ونحن نحرص على طرح هذا السؤال وكل أسيرة تخبرنا بمزيد من القصص والتفاصيل القاسية التي تعانيها الأسيرات في الهاشارون والدامون. تقول سماء: "الوضع سيء جدًا والنظافة معدومة وهو مكان لا يصلح للعيش الآدمي بأي حال. لم يقدموا لي الماء والطعام، وعندما طلبت ماءً، قالوا لي: الإدارة منعت نعطيكِ أي إشي. نمت وأنا أبكي، لم أتوقف عن البكاء ليلتها، الليل طويل، وبرد قارس، ولا يوجد غطاء، ولا مخدة على الأرض، وبدون ماء، بدون طعام، بدون حمام، كنت لوحدي، نمت بعد تعب الاعتقال والتحقيق والتنقل من مكان إلى مكان خلال يوم واحد.
في يوم 29 كانون الثاني/ يناير 2025 نُقلت إلى سجن الدامون، وهناك تم تفتيشي بشكل عارٍ، ونزعوا ملابس وألقوا بها. وألزموني بارتداء بجامة. كانت ابنة عمي معتقلة على نفس الخلفية، ولم يسمحوا لنا بالالتقاء بل أبعدونا عن بعضنا، كل واحدة في غرفة منفصلة. وكنت أراها في وقت الفورة لمدة ١٠ دقائق فقط.
"الوضع سيء جدًا والنظافة معدومة وهو مكان لا يصلح للعيش الآدمي بأي حال. لم يقدموا لي الماء والطعام، وعندما طلبت ماءً، قالوا لي: الإدارة منعت نعطيكِ أي إشي. نمت وأنا أبكي، لم أتوقف عن البكاء ليلتها".
كانت مدة اعتقال ٣٢ يومًا، اليوم الواحد في السجن يعتبر شهرًا، الوقت كان بطيئًا وثقيلًا وصعبًا، نعد الساعة والدقيقة. ظروف الأسر كانت صعبة جدًا من ناحية الأكل وجودته السيئة وكميته القليلة ومن ناحية اللبس ومن ناحية البرد القارس. وفي هذا البرد كنا نغسل على أيدينا ويذهب وقت الفورة بين استحمام والغسيل.
ظروف التنكيل صعبة وهو عزل لمدة ساعات مع الكلبشة للوراء وتغميض الأعين، تعرضت للعزل خلال فترة اعتقالي ثلاث مرات، ثلاث مرات، والتفتيش كان يتم في أوقات متأخرة من الليل، دخول وحدة اليماز بدون استئذان وضرب الأسيرات ورمي قنابل الغاز في الغرفة والتهديدات. ورفض توفير احتياجاتنا الشخصية والصعوبة في الخروج إلى لعيادة والعلاج.
أم وابنتها تلتقيان في القسم ذاته
طلبت من سماء أن تذكر لنا وتقص علينا مواقف من الأسر عنها وعن الأسيرات فقالت: "أكثر موقف هزني في الأسر لأم معتقلة، وهي دلال حلبي، فبعد فترة من اعتقالها أحضروا ابنتها إسلام شولة، فكانت صدمة للجميع، لم تبكي الام فقط بل بكى كل من في القسم. قصص الأسيرات لا تنسى، كل أسيرة لها قصة مختلفة، ولكن لا أنسى قصة تنسيم عودة التي كانت تبوح لنا عن معاناتها بعد فقد والدها شهيدًا.
والوضع كذلك بالنسبة لأسيرات غزة، كنا نخرج فورة مع بعضنا، الأسيرة سهام أبو سالم أم خليل امرأة لا تنسى، فهي من الأسيرات التي آلمني قلبي عليها عندما خرجت ابنتها سوزان أمام أعينها دون وداع.
اقرأ أيضًا: شاتيلا أبو عيادة: الأسيرة الأقدم والأعلى حُكمًا تنتظر الحرية
كنت أشتاق كثيرًا لأمي وإخوتي وجامعتي ودراستي، لم يكن هناك زيارت للأهل، إذ منعت منذ بداية الحرب على غزة. زارتني محامية بعد ٣٠ يومًا من الاعتقال بعد رفض كبير وكثير من إدارة السجن من السماح للمحامية بزيارتي.
رسالتي الأخيرة التي أود توجيهها ان وضع السجون صعب للغاية وخصوصًا على النساء، كانت أكبر أمنية عند الأسيرة تكون في رمضان في منزلها وبين أهلها، فلا تنسوا الأسرى والأسيرات، اذكروهم دائمًا عسى أن يكون موعدهم مع الحرية قريبًا".