تتجاوز آلة الاحتلال الإسرائيلية كونها عسكرية حربية لها أهداف إحلالية، وهذا الإحلال يهدف إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية وتهجير السكان من أرضهم، وهذه أهداف لا تحققها الآلة العسكرية فحسب، وإنما، كما حدث في حرب الإبادة على غزة، استهداف للرحم والخصوبة والتكاثر البيولوجي، لذلك قُتلت النساء الفلسطينيات، فضلًا عن الحوامل والأجنةـ.
و"إسرائيل" أيضًا، منذ عام 1948، أي منذ عهد الاحتلال، اعتقلت ما يقارب مليون فلسطيني وفلسطينية معظمهم في عمر الإنجاب، وحكمت عليهم أحكامًا عالية، تضمن من خلال انتهاء أعمارهم وأنسالهم كذلك، بانقضاء عمر الإنجاب في الأسر، وهذا استهداف مباشر يمنعهم من التزاوج والتوالد، لذلك برزت فكرة تهريب النطف وإنجاب الأطفال دون حاجة للاتصال الجسدي بين الأزواج، وهو الأمر الذي يمنعه الاحتلال كليًا.
برزت هذه فكرة أطفال النطف المهربة مع التقدم التقاني في التلقيح الصناعي رغم التعقيدات الاجتماعية والدينية والطبية المحيطة. ولكن فكرة إمكانية تطويعها لإيجاد حلول وبدائل تقف في وجه المحتل وأهدافه، بدأ منذ رغب الأسير عباس مصطفى السيد، من طولكرم، المحكوم 35 مؤبد و100 سنة، عندما خاض وزوجته فكرة الإنجاب أثناء فترة في عام 2003 عن طريق نطفة مخزنة، وضعت عام 1997 بغرض العلاج ولم يكتب لها النجاح. ومع ذلك كانت البادئة الي اجتازت المعوقات الاجتماعية واجتهادات المفتين وموافقة الأطباء والجهات القانونية والحقوقية.
ثم فعلها عمار الزبن لتكون له محاولة ناجحة في طريق النطف المهربة، بعد عدة محاولات تكللت بالنجاح في 2012 فرزقا بولد اسمه مهند، وهو الطفل الأول من النطف المهربة من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. وهذا إيذان باستمرار حياة الأسير المؤجلة التي تتخطى أسوار السجن وقوة تحوز عليها زوجته أمام المجتمع والعمر البيولوجي الذي يمكن أن يجتاز فترة الإخصاب لديها وزوجها معتقل.
فهمي مشاهرة: صورة النصر مع أطفال النطف المهربة
كتبت على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": الحمدلله الذي جمعني بزوجتي وأولادي بعد طول انتظار، يارب لك الحمد كمان ينبغي لجلال وجهك، دعواتكم التقي قريبًا بابني الغالي عبيدة وتتم فرحتي إن شاء الله".
في عام 2013 هرب مشاهرة نطفة وأنجب عزيزة لتكون أول طفلة مقدسية تنجب عن طريق النطف المهربة، ثم كرر الإنجاب عن طريق تهريب النطف وأنجب طفله عيد في 2018، وفي 2023 التوأم أحمد ومريم، ليصبحوا 4 أطفال من النطف المهربة، إضافة إلى زينة الذي تركها بعمر العامين، وعبيدة الذي كانت أمه حاملًا فيه.
اعتقل مشاهرة في عام 2002، وحكم بالسجن المؤبد عشرين مرة، وقضي 23 عامًا في السجن، وألّف كتابه بعنوان "الحياة الثالثة ما بين الدنيا والآخرة". أبعد مشاهرة إلى تركيا والتقى بزوجته وأطفاله الذين تحدى بهم العالم لرؤيتهم.
ناهض حميد: توأمي أغلى من روحي
قرر ناهض، وهو أسير من غزة، أن يخوض تجربة النطف المهربة، وقد أصبحت مسألة قرار وجودي للأسير الفلسطيني الذي حكمت عليه إسرائيل بقضاء عمره وانقاضء شبابه خلف القضبان، وقد رزق وزوجته في عام 2021، بتوأمهما همام وهاني اللذان يبلغا من العمر 3 سنوات.
تحرر ناهض في صفقة الأسرى مؤخرًا، والتقى بطفليه ويحتضنهما لأول مرة، قال: "هاني وهمام، هذا له عين، والثاني العين الأخرى، إنهما أغلى عليَّ من روحي، تحديت السجان وفزت بهم".
اعتقل ناهض في عام 2007، وحكم عليه بالسجن 20 عامًا، أنهى منها 18 عامًا في الأسر، ليفرج عنه ضمن صفقة الأسرى الحالية بعيد حرب الطوفان، في عام 2025، وقال: "بنعمرها بهمة شبابها".
بكر خريوش: لما وصلني خبر التوأم كأنه يوم الحرية
اعتقل بكر خريوش، من طولكرم، في عام 2018 بتهمة مساعدة الشهيد أشرف نعالوة، وحكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات، قضى منها 6 أعوام داخل السجون الإسرائيلية.
ترك بكر وراءه طفلته جنان التي كان عمرها أشهرًا معدودة فقط، والآن تحرر في صفقة الأسرى الأخيرة ليحتضن طفليه التوأم عن طريق النطف المهربة، محمد وشام، وقد بلغا من العمر 4 أشهر، وها هما الآن بين أحضانه، يقول: "لما أجاني خبر ولادة زوجتي في السجن للتوأم، وكأنه يوم الحرية، كل الأسرى شاركوني الفرحة، كنا بدنا بس أي خبر نفرح فيه".
عطا عبد الغني: النطف سفيرات الحرية
اعتقل ابن طولكرم، عطا عبد الغني عام 2002، بتهمة تنفيذ عمليات عسكرية تسببت في قتل إسرائيليين، وحكم عليه بثلاث مؤبدات، قضى منهم 23 عامًا في السجون. كان لديه طفلتان أيلانا وسميرة، وفي عام 2014 هرب نطفة من داخل السجون لتصل لزوجته، لتتمكن من إنجاب توأم أسموهم زين وزيد.
تحرر عطا من السجون الإسرائيلية ليلتقي مع طفليه التوأم دون أسوار، وقال: "إن نطفنا المهربة هن سفراء الحرية، أطفالي هم الحلم القادم". وأضاف: "مع كل إشراقة شمس كان يتجدد لدي الأمل بالحرية، الحمدلله جاء هذا اليوم الذي يصعب علي التعبير عنه، أملنا فقط أن نعيش بحرية".
علي نزال: ابني شريف نطفة
اعتُقل الأسير المحرر علي نزال في عام 2007، وحكم بتهمة الانتماء لكتائب عز الدين القسام، وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا، قضى منهم 18 عامًا، تحرر علي في صفقة الأسرى الأخيرة ليلتقي بطفله الذي جاء عن طريق النطف المهربة، ليقول: "ابني شريف نطفة وهي أول مرة بشوفه".
علي من مدينة قلقيلة، تزوج ورزقه الله بثلاث بنات جنان ودانية ونور، لكنه اعتقل قبل أن يكبرن في عينه، بعد سنوات طويلة من الأسر وتحديدًا عام 2013، رزق بشريف من النطف المهربة، فمنع الاحتلال زوجته من زيارته مدة 10 سنوات، وبذلك يكون لدينا قائمة مليئة بـ أطفال النطف المهربة.