لا تتوقف عجلة التنكيل في الضفة مصاحبة لها إبادة جماعية وتطهير عرقي في قطاع غزة، تتعدد أوجه عنفها إلى اعتقال النساء الحوامل والأمهات، فيقاسين ظرف الاعتقال وطريقته الاستعمارية المعتادة، وكذلك الحالة الصحية التي يصبحن عليها في الزنازين، دون رعاية طبية ودون غذاء صحي، وفي ظل انعدام البيئة الملائمة، هنا نسلط الضوء على الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال.
تقابل مراسلة بنفسج والدة الأسيرة كرمل الخواجا التي اعتُقلت في 2 آذار/ مارس 2024، وأخت الأسيرة رماء بلوى لتخبرنا عن يوم اعتقالها وظروفها داخل السجون منذ يوم اعتقالها في 25 شباط/ فبراير 2025، وهي التي تمضي شهور حملها دون معلومات تطمئن عن أحوالها بعد أن أصبحت الآن في الشهر الخامس من الحمل، إذ اعتقلت وهي أوائل شهور حملها ما يزيد من مخاطر صحية عليها.
كرمل الخواجا: خبر على "تلغرام"
كانت ليلة باردة جدًا، وبينما كانت تستعد لأداء طقوسها الدينية بعد الإنتهاء من إفطار اليوم الأول برمضان، سمعت صوت فوضى بالقرب من المنزل، وإذ بقوات من جيش الاحتلال تحاصر المنزل ليستمر حصاره ساعة ونصف، خُربت خلالها كل ممتلكاته، وبُث الرعب في قلوب ساكنيه، لتعتقل دون أم يسمح له بارتداء ملابس شتوية.
تقول والدة كرمل لبنفسج: "اعتُقلت ابنتي من داخل منزل جدتها في دير قديس، وعلمت خبر اعتقالها من التلغرام أثناء تصفحي للأخبار، فصدمت جدًا، وحاولت فورًا التواصل مع مؤسسات تُعنى بالأسرى، لكن لم يكن هناك خبر أكيد، إلا بعد 24 ساعة من الاعتقال عندما أخبرتني هيئة الأسرى خضوعها للتحقيق وطمأنوني على حالتها النفسية".
تبلغ كرمل من العمر 21 عامًا، تدرس في كلية الحقوق في جامعة بيرزيت قسم العلوم السياسية، تضيف والدتها: "ابنتي مجتهدة جدًا كل ما يهمها دراستها، اختارت الحقوق عن رغبة، ومن المفترض أن تكون الآن على مقاعد الدراسة وليس في السجون دون تهمة واضحة".
اقرأ أيضًا: الأسيرة إباء الأغبر: قوات عسكرية حاشدة لاعتقال فتاة جامعية
حولت كرمل إلى سجن الدموان، وبعد أسبوعين عقدت جلسة محكمة لها، لتؤجل لأسبوعين آخرين، وأُجلت بعدها المحكمة أيضًا لمدة شهرين حتى 15 أيار/ مايو 2024، وعند سؤال محاميها إياد مسك عن التهمة كانت جاهزة "التحريض". تقول والدتها: "حضرت جلسة المحاكمة لكن لم يُسمح لي بمشاهدتها إلا 3 دقائق عبر الشاشة، وحاول المحامي إياد مسك التواصل معها عبر الهاتف أثناء جلسة المحاكمة لتقدم كرمل شكوى له باعتداء مجندة داخل السجن عليها".
تكمل والدتها: "كرمل شخصية قيادية ولا تقبل بالظلم أبدًا، إذ اعتُدي على زميلاتها الأسيرات، فلم تتحمل فقامت بالوقوف في وجه المجندة الإسرائيلية، لتحدث مشادة كلامية بينهما انتهت بضرب كرمل على قدمها ويدها، ووضعها بالعزل الانفرادي لمدة يومين". ما زالت كرمل تقبع خلف أسوار السجن، وكل ما ترجوه والدتها أمل شيخة أن يسمح لابنتها لقاء محامي خاص لتطمئن على أحوالها.
رماء بلوى: اعتقال حامل في شهرها الثاني
لم يشفع حمل رماء بلوى لها بأن تبقى حرة، فقد اعتقلها الاحتلال الإسرائيلي من منزلها ببلدة كفر اللبد قضاء طولكرم، في شباط/ فبراير المنصرم، ليخطفها من أطفالها وطلابها إذ تعمل معلمة لغة إنجليزية.
كانت الشمس لم تشرق بعد، وإذ بقوات الاحتلال تقتحم المنزل، ليرتعب أطفال رماء وزوجها، تقول شقيقتها: "تلقّينا خبر اعتقالها كأنما سقطت السماء على رؤوسنا. لم نصدق ما سمعناه، كانت صدمة لا يمكن وصفها. رماء! من بعيدة كل البعد عن السياسة أو المواجهة، تُعتقل بهذه الطريقة؟ كانت والدتي تبكي بحرقة، ووالدي لا يكاد يصدق".
في البداية، كانت العائلة تجهل أي تفاصيل عن مكان وجودها أو حالها، يلتقطون الأخبار من هنا وهناك، لكن لا معلومة واضحة لكن لاحقًا عرفت العائلة أن ابنتهم تعرضت لتحقيق قاس جدًا، ولم يراعوا وضعها الصحي وهي حامل في شهرها الثاني.
"بناتك ينظرن إلى الباب كل مساء علّك تعودين. ندعو أن تمضي هذه الغمّة سريعًا. كوني قوية من أجلنا ومن أجل جنينك، فكلنا بانتظارك، وستعودين إلينا، كما كنتِ دائمًا: شامخة، صابرة".
تضيف شقيقتها: "التهمة الموجهة إليها هي التحريض، تهمة فضفاضة تُلصق بكل فلسطيني يقول كلمة حق أو يعبّر عن رأي، رماء كان آخر محكمة لها بتاريخ 22 نيسان/ أبريل 2025، والقادمة ستكون في 15 حزيران/ يونيو 2025، ونحن نعيش على أمل أن تكون الأخيرة، وأن تعود إلينا حرّة".
وتكمل: "لقد زارها المحامي وأخبرنا أنها كانت تبكي بحرقة في كل مرة تُعرض فيها على المحكمة. تنهار حين تذكر صغيرتيها، وحين تشعر بحركة جنينها خلف القضبان، وتعاني من سوء التغذية في ظل الطعام الرديء الذي يقدم لهم بالسجون".
عندما اعتقلت رماء كانت في الشهر الثاني من الحمل، والآن هي في شهرها الخامس. تقضي شهور حملها في زنازين باردة، وفي جوّ من القلق والخوف،عملت العائلة أنها نقلت إلى العيادة السجن بعد وعكة صحية لتطمئن على جنينيها، لكن المعلومات التي تصل شحيحة.
تختم شقيقتها حديثها عن أسيرة من الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال: "بناتك ينظرن إلى الباب كل مساء علّك تعودين. ندعو أن تمضي هذه الغمّة سريعًا. كوني قوية من أجلنا ومن أجل جنينك، فكلنا بانتظارك، وستعودين إلينا، كما كنتِ دائمًا: شامخة، صابرة".