يعود الربيع وتعود معه الحياة، فمع بدء تسلل شمسه يغمرنا سحر الطبيعة بالسعادة والسكينة، فتدفعنا الطبيعة للهرب من كل الصخب حولنا والخروج إليها فتكون لنا ولأطفالنا خير ملجأ حيث بإمكانهم هناك أن يستعيدوا سحرهم الطبيعي، ويمارسون فرحة الاستكشاف ليكتسبوا القدرة على التعلم والنمو الى ابعد الحدود.
| أهمية الطبيعة
نعم صديقتي، لا تقللي من أهمية الطبيعة وتأثر الطفل بها، فتعريض الطفل للطبيعة ينعكس بالعديد من الفوائد على النمو النفسي والفكري والعاطفي والجسدي له، عبر اللعب واكتشاف العالم الطبيعي. الانطلاق في الهواء الطلق صحة نفسية رائعة، فالهواء النقي يعزز من مناعة الطفل وتقل كذلك العدوانية بين الأطفال بسبب التأثير المهدئ للخضرة فيهم.
تنمو مهارات الطفل الحركية بشكل ملحوظ، وتنمو كذلك وترهف حواسه كلها، فيسمع ويرى ما لا يراه غيره ممن لا يختلطون بالطبيعة. هل للطبيعة إيقاع؟ أين تختبئ الحيوانات؟ هل للبحر صوت؟ هل للغابات والحدائق رائحة؟ هل للهبوب الرياح نغمات مميزة… فعندما يصمت صوت الحداثة يحتد السمع.
ومن خلال تأمل الطفل للزهور والاشجار والوانها يتعلم الالوان وتنسيقها وينطبع في ذهنه ألوان السماء والخضرة والبحر وتدرج ألوانه وينمي ذلك عند طفلك الذوق والتنسيق ويبعث الهدوء الى نفسه. وسيتعلم الطفل أيضا الصبر والتأني ، مثلًا هذا الحلزون الموجود بكثرة وسط الطبيعة، هدوؤه أثناء السير، متابعة الطفل له في صبر وهدوء. اختفاء الحلزون المباغت حينما يلمسه ذلك الإصبع المستكشف، أي الأشياء يمكنها أن تُعلم هذا الملول الفضولي الصبر وعدم الاندفاع مثل هذا الحلزون؟
تحفز الطبيعة التفاعل الاجتماعي مع الأطفال، وتعلم المشاركة وتعليمه الآداب الاجتماعية ومراعاة شعور من حوله. وقد أكدت الأبحاث العلمية أن الخروج في الطبيعة بشكل منتظم يحسن قدرات الطفل الذهنية ويزيد قدرته على التركيز والتفكير والابداع وحل المشكلات والتالي تحسين تحصيله الدراسي وقدرته على أداء المهام المطلوبة منه بشكل ملحوظ. وتعزز كذلك الانتماء لوطنه فينمو عاشقا لترابه وأرضه ونسمة هواه ويظل مرتبطا به لأخر العمر، وليس هناك أجمل من التواجد في الطبيعة والتغني بحب الوطن، وإن كان الخروج للطبيعة مهم في كل البلدان فهو في فلسطين أهم .
| عوائق
للأسف تراجع كثيراُ تواصل الأطفال مع الطبيعة في عصرنا الحالي واستبدل بنشاطات آلية وألعاب بلاستيكية الكترونية لا تنمي روح الطفل وابداعه، بل تؤذي صحته وتخرب فطرته وتحد من نموه وسموه. والأسوأ أيضا أننا نجد بعض الآباء بكل أسف يتجنبون تعريض أطفالهم للطبيعة، فهم يعتبرونها مليئة بالخطر والقذارة، وينتقل هذا الميول تلقائيا للأطفال، ولكن النظريات الجديدة تخبرنا عكس ذلك وأن الجراثيم التي يحتويها التراب قد تكون مفيدة للأطفال.
تضيف أخصائية أعصاب الأطفال الدكتورة شتريت كلين: الوقت الذي يمضيه الطفل يلعب في الطبيعة، يعمل على تحسين صحة الطفل بشكل قد يعجز عنه أي دواء"، وتضيف قائلة " في حفنة صغيرة من التراب، توجد ميكروبات بعدد سكان الأرض، وهذه تجربة رائعة لدماغنا وجهازنا المناعي ليتعامل معها ويتطور تبعاً لذلك! بل وتنصح الدكتورة الاباء بمشاركة أبنائهم في اللعب بالتراب وعمل أكوام طينية صغيرة والتمرغ في التراب مع الأطفال إذا أخذتهم الحماسة دون الخوف من أي ضرر! فقط التأكد من عدم تعرض الطفل للأذى دون مبالغة.
إن ما ستعطيه البيئة للطفل اللعب والاحتكاك والسقوط والنهوض والتفكير واكتساب الخبرات والتعلم وإطلاق عنان الخيال واقتراب الطفل من فطرة الطبيعة وبالتالي فطرته هو نفسه. لذا ادعموا روح المخاطرة الملائمة والاستكشاف لدى الأطفال بل واستمتعوا معهم بتجارب حياتية في الطبيعة
ففي الطبيعة سيجد طفلك إجابات لمعظم الأسئلة التي قد تطرأ على ذهنه، بل إن الطبيعة نفسها هي التي ستثير فكره ليتساءل من الأساس. وقضاء وقت طويل بصحبة الطبيعة بعناصرها المختلفة تأثيره أفضل كثيرا من قضائه في تعلم العلوم الأكاديمية وحتى قراءة الكتب في السن الصغيرة
لكننا سنحتاج أحيانا لإقناع أطفالنا بالذهاب خارجا وندفعهم دفعا لتجربة الطبيعة، خاصة إذا كانو ممن يقضون ساعات طويلة على الالكترونيات، بل ويصحبونها معهم لكل مكان، مساكين أطفالنا يتعرفون إلى الطبيعة في التلفاز والكتب ولا يلمسونها أو يشعرون بها!، لذا من المهم أن لا تدع الملل يتسلل لقلوب أطفالك عندما تأخذهم في جولات في الطبيعة ..
| أفكار وأنشطة
| ممارسة بعض الرياضات: اللعب بالكرة ومضارب الريشة، ركوب الدراجة والسكوتر، السباحة، الجري والسباقات وغيرها، حتى القفز والدوران والتدحرج سيكون ممتعا بلا شك.
| تشكيل ولعب: اللعب في الرمل أو الطين، نعم الطين المادة الخام الأولى للخيال والفن يستطيع بها الطفل تجسيد خيالاته وأحلامه في صورة ملموسة بين يديه.
| ألعاب خفيفة: اللعب مع الظلال، مطاردة فراشة، نفخ الفقاعات ومحاولة الامساك بها.
| تسلق: تسلق الأشجار أو بعض الصخور والجبال ولكن كن برفقته وكن حذرا.
| تفريغ في الهواء: القيام ببعض الهوايات في الهواء الطلق، كالرسم والقراءة والتلوين.
| تكوين لوحات: جمع أشياء من الطبيعة أوراق أشجار، عيدان خشبية، اكواز صنوبر، وغيرها ودع طفلك يبدع في تكوين لوحاته الخاصة.
| زيارة المزارع وتأمل الحيوانات: زراعة بعض الشجيرات أو البذور ورعايتها، الذهاب لمزارع وتأمل النباتات، قطف الثمر، وشم الورود، والذهاب لمزارع حيوانات، وتأمل الحيوانات والتعرف عليها وجها لوجه، مراقبتها وإطعامها.
| تأمل الغيوم والسماء: مراقبة شروق الشمس أو غروبها، ومن الممكن أيضا ربط ذلك مع الله الخالق المدبر الجميل، وغرس حب الله في نفسه فهو في الخارج سيكون منشرح النفس ومهيئأ أكثر لتقبل دروسك الإيمانية.
| التخييم: إشعال النار واعداد بعض الأطعمة، او التحلق للسمر والتدفئة حولها، حتى لو كان لبضع ساعات وفي النهار، فإن لذلك سحرا لا ينسى
| مراقبة واكتشاف: أعط طفلك عدسة مكبرة واتركه يراقب ويكتشف كما يشاء، وهناك بعض الألعاب الممتعة في الطبيعة والتي تنمي حب الاستكشاف لديه، كإعطائه قائمة بأشياء في الطبيعة لإيجادها أو يحضر لك اشياء مختلفة حسب اللون المطلوب.
ماذا لو كان الوصول للطبيعة صعبا في بعض الأحيان؟ فلنحاول على الأقل أن نحضر بعضًا منها إلينا! تربية حيوانات أليفة وزراعة بعض النباتات، مراقبة الطقس من الشرفة بصورة يومية، جمع الصخور وعينات طبيعية من نزهات دورية واستكشافها على مهل في المنزل. مثل الطفل والبيئة كمثل الشجرة التي لاتنمو خارج تربتها إلا بتوفير بيئة صناعية لها، هكذا نفعل نبعد الطفل عن المعلم الأول ونغرقه في بيئة صناعية مزيفة من البلاستيكات والالكترونيات لتعويض حرمانه، فنستبدل بحياتهم (الطبيعية) أخرى (صناعية ومزيفة) رغم أن كل ما يحتاجه الطفل موجود في البيئة الطبيعية من حوله، هناك يمكنه أن يمتص رحيق نموه كاملا جسدا وعقلا وروحاَ، فقط ضع طفلك في مساحة خضراء مفتوحة بلا قيد للعب، فكأنك وضعت (الفيشة) في مكانها الصحيح.
| مصادر إضافية
الطفل والطبيعة: ماذا يفعل اللعب البيئي في طفلك؟