بنفسج

لماذا أُمِرنا نحن " معشر النساء" بصلاة العيدين؟

الجمعة 19 يونيو

في وقت ما، كانت الأسماء تسمى بمسمياتها، كان للعيد قيمته باعتباره يوم للمسلمين، فيه تكتمل عِدة الصيام بكونها شعيرة ذات أبعاد نفسية ومجتمعية؛ تهذّب النفس وتضفي صيغة من صيغ التراحم المجتمعي. وليوم المسلمين هذا، مظاهر، أبرزها صلاة العيد التي يتخللها خطبة العيد أهم أركان هذه الصلاة، والتي كانت تسمى بمسماها أيضًا، فتعرض كل ما يهم المسليمن في أمر دينهم ودنياهم، في وقت لم يكن التعارض بين الدين والدنيا قائمًا بعد، ولم يعهده المسلمون من قبل.

في ذلك الوقت تحديدًا، أمر النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج لصلاة العيد، ففي الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أُمِرنَا - وفي رواية أمَرَنا؛ تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" رواه البخاري 1/93 ومسلم (890)، وفي رواية أخرى: (أُمرنا أن نخرج ونخرج العواتق وذوات الخدور)، وفي رواية الترمذي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب، قال: ( فلتعرها أختها من جلابيبها) متفق عليه.

ومع مرور الوقت وتبّدل الحال، كان الشرخ الذي شق حياة المسلمين وقسّم حاجاتهم بين دنيوية وآخروية، وانحرفت الأسماء عن مسمياتها وغُيّبت مظاهر وبرزت أخرى، في هذا الوقت تحديدًا حري بنا أن نتساءل: لماذا أمر النبيّ النساء بالخروج لصلاة العيدين؟ ولماذا لم ينل هذا الحديث من الشهرة والترويج وذياع الصيت كالذي يناله حديث ناقصات عقل ودين مثلًا؟ ولماذا يُسقط عند الحديث في فقه النساء، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن التشريع في الحديث واضح وصريح، على عكس غيره من الأحاديث التي قيلت في موضع محدد وتم تعميمها ونزعها من سياقها.

بل أن نظرة سريعة بالاستعانة بأنيس المتسائلين "غوغل" للبحث في هذا الموضوع، فإنك لا تخرج إلا ببعض الإشارات إليه للتدليل على الحكم الفقهي في خروج النساء لصلاة العيد، بل أن أشد الأمور عجبًا هي قلب الموضوع وعكس التساؤل ليتحول إلى: هل للمرأة أن تصلي العيد في بيتها؟ هل الأفضل أن تخرج المرأة لصلاة العيد أم أن تبقى في بيتها؟ أو كيف تصلي المرأة العيد في بيتها؟

| لتستدين جلبابا ولتحضر العيد

يظهر هذا الحديث السِعة والمساحة التي أعُطيت للمرأة في عصر النبوة، وهي التي تتقاطع ودعوات الكثيرين اليوم؛ بأن تعيش المرأة خيارها وفردانيتها ورغبتها مع وجود حد أدنى إلزامي يحفظ لها حضورها الاجتماعي القويم، ويساهم في توجيهها لمفهوم المواطنة الفاعل، لتؤدي وظيفتها التي تريدها لنفسها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع.

بالعودة إلى الحديث أعلاه وبتجاوز النقاش عن الحكم الفقهي إلى المغزى المقاصدي، فأكثر ما يلفت الانتباه هُنا هو الحرص الشديد الذي أبداه النبي الكريم لخروج عامة النساء إلى صلاة العيد، دون أن يستثني منهُنّ فئة عمرية أو مجتمعية حتى تلك التي حبسها العذر الشرعي، في إشارة واضحة إلى أبعاد أخرى لهذه المشاركة غير التي تألفها عقولنا هذه الأيام.

بل إنّ الدعوة في بعض الروايات كانت خاصة بالعواتق وذوات الخدور، كأن خروج باقي النساء هو أمر مُسلّم به. والعواتق وذوات الخدور هُن الفتيات اليافعات أو المراهقات في تعبيرنا المعاصر، ويبدو لي أنهن كن قليلات الخروج من البيوت إذ يغلب على الفتيات في هذا السن الحياء أو عدم الرغبة في الاختلاط بالناس، على عكس النساء المتزوجات اللاواتي عركن الحياة. بل إن هذا الحرص قد يكلف إحدانا أن تستدين أو تستعير ملابسها من أختها أو جارتها أو معارفها إن لم يكن لديها ما تلبسه.

لا يمكن فهم البعد المقاصدي لهذا الحرص الذي يؤول فقهيًا بالانتداب أو السُنة المؤكدة إلا بالعودة إلى الحالة الإسلامية الأولى وسياقها التاريخي والنظر إلى صلاة العيد باعتبارها الاجتماع السياسي الأوسع الذي يتم في العام مرتين في موعد لا يتخلّف ولا يمكن إلغاؤه، تعرض فيه قضايا المجتمع وتناقش أبرز الأحداث الراهنة، وتُذّكِر بسياساتها العامة، ويتعزز الانتماء للأمة.

وبالتالي، فإن حضور عامة النساء لهذا المحفل يكفل لهُنّ الحد الأدنى من الوعي السياسي والمجتمعي، ويشكل لديهن قاعدة معرفية تأسيسية تساعدهن في القيام بأدوارهن المتعددة بشكل أفضل، سواء كانت هذه الأدوار أسرية بتربية الأبناء أو مشاركة مجتمعية تساهم فيها المرأة وفقًا لرغبتها وإمكاناتها.

وفي هذا تقول الدكتورة هبه رؤوف عزت: "فعامة النساء ملزمات شرعًا بحضور صلاة العيدين، وهي الاجتماع السياسي العام الذي يتم في العام مرتين، في موعد لا يتخلف ولا يمكن إلغاؤه وتناقش فيه قضايا الأمة، وهو الحد الأدنى للوعي اللازم لكافة النساء اللاتي قد تمنعهن مسؤولية الأسرة من حضور تجمعات، كالجمعة وصلاة الجماعة، فقد سعى الرسول إلى تحقيق  أكبر استفادة للنساء في قاعدتهن العريضة، أما النساء اللاتي يتمتعن بأهلية خاصة ومستوى أعلى من الوعي وتمكنهن ظروفهن من شهود الجمع والجماعات، فقد كفل لهن التوجيه النبوي ذلك، وألزم الرجال بعدم منعهن حتى من صلاة العشاء والفجر".

https://soundcloud.com/banfsj/69epxqn8th1i

ربما يظهر هذا الحديث السِعة والمساحة التي أعُطيت للمرأة في عصر النبوة، وهي التي تتقاطع ودعوات الكثيرين اليوم؛ بأن تعيش المرأة خيارها وفردانيتها ورغبتها مع وجود حد أدنى إلزامي يحفظ لها حضورها الاجتماعي القويم، ويساهم في توجيهها لمفهوم المواطنة الفاعل، لتؤدي وظيفتها التي تريدها لنفسها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع.

إننا لا نُغالي حين نعتقد أن مثل هذا الحديث هو أهل أن يكون من أمهات النصوص التي تؤسس لفقه النساء؛ فمن المعروف أن ارتباط المساجد بالصلاة بمفهومها الشعائري هي آفة من الآفات التي استحدثها المسلمون، وأن المسجد في المرحلة الإسلامية الأولى كان مقر الدولة الأول وهو منبع الحضارة؛ ولذا، فإن ربط النساء بالمساجد أو الصلوات الجامعة، أو إلزام الرجال بعدم منعهن حتى من صلاة الفجر والعشاء لمن رغبت، لهو ربط للمرأة بمؤسسات الدولة وإقرار بمشاركتها المجتمعية دون إغفال للخيارات والقدرات المتباينة التي تحتم التفاوت الطبيعي بين البشر.

إن الإشكالية الأبرز هُنا تكمن في نمط التدين السائد في مجتمعاتنا، والذي تشابك فيه الديني بالمجتمعي، وطغت عليه الذكورية في كثير من الأحيان، ليكون الناتج قلب للمفاهيم واختلال في طرق التفكير؛ فإذا كان النص صريحًا بشهود صلاة العيدين، فلماذا التساؤل عن صلاتها لعيدها في بيتها؟ لتشير أصابع الاتهام بالتضييق على المرأة إلى الدين في النهاية.