بنفسج

مشكلات للإنسان والحضارة: كيف نظر بن نبي لمشكلات المرأة؟

السبت 20 يونيو

مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي
مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي

شهد المفكّر الجزائري مالك بن نبي التحوّلات العميقة سواء التي مرّت بها الجزائر بعد الثورة والاستقلال أو تلك التي عصفت بالأوضاع الإقليمية والدّولية بعد الحربين العالميتين، وهناك قد كان من نخبة من وعى (الظّاهرة التّاريخية) التي تدرس أحوال الأمم في حقبة زمنية محدّدة وتشتمل على كل ما يتّصل بها من أبعاد حضارية شاملة. وتعتبر مشكلة المرأة في فكر بن مالك بن نبي مشكلة لافتة حيث ينتقد بن نبي مفهوم ( تحرير المرأة ) الذي ينُادي به. 

واستلهم بن نبي من تجربته الشّخصية القاسية المتمثّلة بحالة التّهميش التي تعرّض لها من قِبل أبناء بلده اليساريين والإسلامين على السّواء [1] سبباً للتّأمل في ما ورثه العالم العربي والإسلامي من انحطاط بسبب الاستعمار.

 واعتبر بدوره: " أنّ حركات الإصلاح لم تلتفت إلى حل المشاكل التي مهّدت للاستعمار وأسباب تغلغله فيه، ولم تفهم بالضّرورة العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها " [2]. وبالتّالي قام بتشخيص هذا العجز على أنّه (مشكلة حضارية)، كما اجتهد في بناء نظريّة عبقريّة تنظر إلى أزمة بناء الحضارة باعتبارها مشكلة فنّية-تقنية-؛ تستدعي الانتقال من الإطار النّظري إلى العملي عبر الإصلاح الذي يشمل: الإنسان بقطبيه (الرّجل والمرأة)، التّراب ويقصد به ثروات الأرض، والوقت وهو حركة التّاريخ والفترة اللّازمة للتحوّل نحو النهضة، وما نناقشه في هذا المقال حول مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي [3].

 تحقيق النّهضة بين النّظرية والتطبيق 

مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي
 
اعتبر المفكر الجزائري مالك بن نبي: أنّ حركات الإصلاح لم تلتفت إلى حل المشاكل التي مهّدت للاستعمار وأسباب تغلغله فيه، ولم تفهم بالضّرورة العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها. وتقوم نظريّة بن نبي على توجيه الوعي الإصلاحي بضرورة التّركيز على الأهداف العملية لنهضة المجتمع بشكل بنيوي.
 
ويرى بموجبه أنّ الحلّ العملي يتوجّب البدء الفوري : بتربية الإنسان الأمُيّ بشقيّه الرّجل والمرأة، وإحياء الفكرة الإسلامية عن طريق الاستثمار في التعّليم، ثمّ العناية بالتّراب البائر عبر تنمية الموارد والاقتصاد وتطويع الكفاءات، إلى جانب عدم تضيع الوقت في الانشغال أو الانحراف عن خطط البناء.

تقوم نظريّة بن نبي على توجيه الوعي الإصلاحي بضرورة التّركيز على الأهداف العملية لنهضة المجتمع بشكل بنيوي، وعدم الانحراف عنها بفعل تراكم التحدّيات خصوصاً تلك التي رافقت دعوات بعض المصلحين عام 1936 إلى السّير في قافلة السيّاسة، ونمو ظاهرة الأحزاب التي اعتبرها أول سبب لحدوث الانحراف؛ فالدّولة بنظره ليست الوسيلة المناسبة في التّغير لأنّها نشأت في ظل وسط اجتماعي وفكري قابل للاستعمار. ويرى بموجبه أنّ الحلّ العملي يتوجّب البدء الفوري : بتربية الإنسان الأمُيّ بشقيّه الرّجل والمرأة، وإحياء الفكرة الإسلامية عن طريق الاستثمار في التعّليم، ثمّ العناية بالتّراب البائر عبر تنمية الموارد والاقتصاد وتطويع الكفاءات، إلى جانب عدم تضيع الوقت في الانشغال أو الانحراف عن خطط البناء.[4] 

 البحث عن حضارة: بين الممكن والمستحيل

مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي

يرى مالك بن نبيّ أنّ فشل النّهضة في الوطن العربي بدأ حين أصبحت الحضارة الغربية تمثّل قانون تاريخي ملزم للعمل به خلال فترة التحوّل، وانحرف المسار عن تأسيس الحضارة إلى صنع " حالة حضارة " يتم فيها استيراد وتكديس منتجات المجتمعات الأجنبية.

 فأهمل المصلحون تنمية الثروات المادّية لأوطانهم، وأصبحت مناهج التّعليم تروّج لأفكار لا تناسب ثقافتهم، وتقمّص الإنسان العربي صورة الإنسان الغربي فأصبح مجهول الهويّة.في خلاف لمنهج بناء الحضارات الذي يتمثل في استغلال الوقت في استثمار خيارات البلاد وطاقات الإنسان فيه. 

يرى مالك بن نبيّ أنّ فشل النّهضة في الوطن العربي بدأ حين أصبحت الحضارة الغربية تمثّل قانون تاريخي ملزم للعمل به خلال فترة التحوّل، وانحرف المسار عن تأسيس الحضارة إلى صنع "حالة حضارة " يتم فيها استيراد وتكديس منتجات المجتمعات الأجنبية، فأهمل المصلحون تنمية الثروات المادّية لأوطانهم، وأصبحت مناهج التّعليم تروّج لأفكار لا تناسب ثقافتهم، وتقمّص الإنسان العربي صورة الإنسان الغربي فأصبح مجهول الهويّة.


اقرأ أيضًا: بين الاستبداد السياسي والاستبداد الأسري: كيف يؤثر أحدهما على الآخر؟


وعوضاً عن استثمار الوقت في صنع حضارته الخّاصة، ضاع الوقت في تجريب منتجات الحضارات الأخرى. يضرب بن نبي الأنموذج الحضاري الياباني للدّلالة على عوامل الفشل والنّجاح في تحقيق شروط النّهضة، ففي حين استغرقت اليابان 147 عاماً للخروج من العصور الوسطى، لم تتجاوز فترة عودتها للمنافسة الحضارية أكثر من عقدين بعد سقوطها في الحرب العالمية الثانية وذلك بفعل التفات جهود البناء لديهم إلى عوامل النّهضة الثّلاثة : الإنسان ، والتّراب والوقت.[5]

 دور المرأة في صناعة النّهضة: مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي

مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي
إنّ مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي لا تبتعد كثيراً عن (مشكلات الحضارة) التي التفت إليها، وهي ليست منفردة عن مشكلة الرّجل خصوصاً حين يربطهما بصفة ( الإنسان ) كعامل أساسي في تحقيق النّهضة.ويقرّ أنّ مشكلة المرأة هي جزء من مشكلة المجتمع، وليست محصورة بجنسها.
 
وينتقد بن نبي مفهوم ( تحرير المرأة )، الذي تسرب إلى مجتمعاتنا العربية في ستينات القرن الماضي، وذلك لأنه بحسب رأيه أدى إلى حرف مسار الواجب الوطني والإنساني سواء للمرأة أو الرّجل عن هدفه المرحلي تحديداً، والاشتغال بقضايا جانبية تتعلق بقيمة المرأة، في المجتمع على أساس أنّها أكبر أو أصغر من قيمة الرّجل أو مساواتها به
 

إنّ مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي لا تبتعد كثيراً عن ( مشكلات الحضارة ) التي التفت إليها، وهي ليست منفردة عن مشكلة الرّجل خصوصاً حين يربطهما بصفة ( الإنسان ) كعامل أساسي في تحقيق النّهضة. ويؤكّد في كتابه ( شروط النّهضة ) أنّ الإنسانية لها قطبين: رجل وامرأة، تماماً كما تؤكّد ( إنّما ) نفس المراد في جملة الحديث النّبوي الشّريف " إنّما النّساء شقائق الرّجال" [6] ؛ وبذلك يقرّ أنّ مشكلة المرأة هي جزء من مشكلة المجتمع، وليست محصورة بجنسها.

وبحسب الوثائق التّاريخية نجحت جهود الإصلاح إبّان ثورة 1922 في رفع شأن المرأة الجزائرية باعتبارها شريك في النّهضة : "تشير سجلات المحاربين القدامى لما بعد الحرب أن عدد النساء المشاركات في حرب التحرير الجزائرية بلغ 11 ألف امرأة محاربة، شكل منهن النساء الريفيات 80%، بينما كانت نسبة نساء الحضر 20%، أوكلت إليهن أدوار غير قتالية، وأخرى قتالية خلال الحرب" [7].

وينتقد بن نبي مفهوم ( تحرير المرأة ) [8] الذي دخل إلى قاموس المفاهيم المستوردة إلى الوطن العربي في ستّينيات القرن الماضي، باعتباره عاملاً في إجهاض شروط النّهضة، حيث يقوم المفهوم بحرف مسار الواجب الوطني والإنساني سواء للمرأة أو الرّجل عن هدفه المرحلي تحديداً حين يقارن بينها وبين الرّجل للخروج بتصوّرات تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع على أساس أنّها أكبر أو أصغر من قيمة الرّجل أو مساواتها به ؛ كما يطعن في نوايا أصحاب هذه النّزعة لأنّ هذه المقارنة جاءت في ظل ( الدّورة التّاريخية ) التي لا مجال فيها للنّظر في الحقوق الفردية على حساب المصلحة العامّة للمجتمع. [9]

 مفهوم التحرّر وعلاقته بالنّزعة الغرائزية

مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي
 
لا يريد بن نبي للمرأة المسلمة أن تكون بهذه الدّرجة من البساطة حين تلجأ إلى تقمّص النّسخة الغربية من المرأة المتحرّرة التي تستمدّ قناعاتها من ثقافة ذات سياق فكري مختلف عن ثقافتها.
 
 ويدعو إلى احترام الأنثى دون حصرها في ( النّزعة الغرائزية ) سواء في تحريضها على السّفور أو التكّلف في ستر العورة.
 

لا يريد بن نبي للمرأة المسلمة أن تكون بهذه الدّرجة من البساطة حين تلجأ إلى تقمّص النّسخة الغربية من المرأة المتحرّرة التي تستمدّ قناعاتها من ثقافة ذات سياق فكري مختلف عن ثقافتها، ويدعو إلى احترام الأنثى دون حصرها في ( النّزعة الغرائزية ) [11]، سواء في تحريضها على السّفور أو التكّلف في ستر العورة ؛ فيرى أنّ المجتمع حين يستورد السّفور لن يحلّ مشكلتها؛ بل إنّه ينقلها من حال إلى حال أكثر تعقيداً. وبالتّالي لا يمكن عزل مشكلتها أو تصنيفها فردياً لأنّها تسير منسجمة مع المشكلات الأجتماعية الأخرى.


اقرأ أيضًا: المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام: قراءة في كتاب


وهي ليست مشكلة زيّ فقط، على الرّغم من أهميّته كهويّة ذات وظيفة مجتمعية، وتتعدّاها أحياناً لتدخل في مفهوم الفاعلية الحضارية أو ركودها؛ فقد قرّر أتاتورك تحطيم الفكر العثماني بالقبّعة، لكنّه كان انتقال منقوص ومبتور عن شروط النّهضة الأخرى. يبرز بن نبي مثالاَ يحتج به على أنّ المرأة الأوروبيّة في العقود التي سبقت التحوّل إلى النّظام العالمي الجديد بمكوّناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت ترتدي زياً لطيفاً تستر به أنوثتها وتتفاخر بحيائها وتعتبره هويّة للرّقي والأدب في المجتمع، وكان احتشامها يجعلها سيّدة مبجّلة محترمة كاملة الأنوثة. وعليه فإنّ الزيّ العاري لا يكشف عن معنى الأنوثة بل عن عورة الأنثى. [10]

وجهة المرأة المسلمة اليوم، وهذا - رأيه الذي سجّله قبيل عدّة عقود - لم تتحدّد ، وتسير وفق نهج عشوائي، فيه من التطوّر الجزئي غير المدروس، وغير المستدام، وهو واقع لا يبتعد بوصفه عن حال المرأة المسلمة اليوم حيث تتواجد في كل مكان، ربّما يشير هذا إلى نموّ، لكنّه بلا تخطيط ، أو بمعنى آخر: إنّه حضور لكنّه بلا وجهة.

يعتقد بن نبي أنّ التجرّد من النّزعة الغرائزيّة سواء ممّن يطالبها بإظهار عورتها، أو من يتعلّل بالحفاظ على الأخلاق بالمطالبة بالتستّر المتكلّف أو حبسها في بيتها بمثابة أول الحلول. ثمّ النّظر في ما يمكنها فعله منسجماً مع مصلحة المجتمع والأسرة. كذلك لا يريد من المرأة أن توكّل الرّجل مهمّة إيجاد الحلول؛ بل عليها المبادرة بوضع تصوّرها الخاص لطبيعة دورها الحضاري والاستعانة بفريق من : علماء النّفس، والتّريبة، والطبّ، والاجتماع والشّريعة بحيث يخلصون جميعاً إلى منهج حياتي إنساني، ثمّ إنّ عليها أن تجتهد في رفع مستوى وعيها بحقوقها وواجباتها الشرعية والعرفية والقانونية؛ حتى تفهم ما تريده فعلاً إذا أرادت أن تكون عنصراً فاعلاً في بناء النّهضة. وفي الختام يرى بن نبي أنّ دراسة الجانب الاجتماعي لمشكلة ما يوجب دراسة ما ستؤول إليه على المستوى البعيد [11]


اقرأ أيضًا: تحرير المرأة في عصر الرّسالة: السيّاق والجدل


ويعتقد في خلاصة موضوع مشكلة المرأة في فكر مالك بن نبي، أنّ وجهة المرأة المسلمة اليوم، وهذا - رأيه الذي سجّله قبيل عدّة عقود - لم تتحدّد، وتسير وفق نهج عشوائي، فيه من التطوّر الجزئي غير المدروس، وغير المستدام، وهو واقع لا يبتعد بوصفه عن حال المرأة المسلمة اليوم حيث تتواجد في كل مكان، ربّما يشير هذا إلى نموّ، لكنّه بلا تخطيط، أو بمعنى آخر: إنّه حضور لكنّه بلا وجهة.


| مصادر ومراجع

[1] أحمد. أميمة ، الجزيرة ثقافة وفن ، " ندوة حول مالك بن نبي في المكتبة الوطنية بالجزائر : بن نبي ضحيّة الأيديولوجيا" ، 2014.

[2] بن نبي . مالك ، ( شروط النّهضة ) ، دار الفكر ، 1986 ص 19.

[3] المصدر نفسه، 1986.

[4] الهوّاري. إبراهيم، " لماذا همّش فكر مالك بن نبي في الجزائر" ، ساسة بوست، 2017.

[5] حديث نبوي شريف ، رواه أحمد وأبو دواد.

[6] بن الشّريف. خالد، " أشياء لا تعرفها عن الثّورة الجزائرية " ساسة بوست، 2016.

[7] مفهوم " تحرير المرأة " انتشر المفهوم في الوطن العربي بعد قيام نشاطات هيئة الأمم المتّحدة ومؤتمراتها ومواثيقها الخّاصة بالمرأة وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية " سيداو" المتعلقّة بإلغاء جميع أشكال التّميز ضد المرأة، بحث أصبحت ملزمة للعمل بها من قبل الدّول الأعضاء دون مراعاة خصوصية ثقافتها أو ديانتها ، وهذا شكّل أزمة في المفاهيم الخاصة بالمرأة العربية والمسلمة بعد " الاستقلال " بعد النّصف الأول من القرن الماضي. عبد الكريم . فؤاد، ( العدوان على المرأة في المؤتمرات الدّولية ). مجلّة البيان ، 2005.

[8] مصدر سابق. 1986، فصل المرأة. ص114.

[9] " النّزعة الغرائزية " يقصد بها الدّافع الجنسي المتستّر خلف نداء التحرّر والسّفور المتعلّق بالمرأة ، ونداء التستّر والتّهميش المتخفّي تحت عباءة الأخلاق ، المصدر نفسه ص 115

[10] المصدر نفسه ، فصل : الزّي ص 123 و ص124

[11] المصدر نفسه ، ص120 وص 121