بنفسج

هل تتحقق نصرة الأقصى "بالحب" فقط؟

الخميس 22 سبتمبر

لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، و"سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"، هذا الحديث وهذه الآية تختزلان معرفتنا عن المسجد الأقصى، أو هما ما يربطاننا في المسجد المبارك. الأقصى لنا والقدس لنا أيضًا شعارات اعتدنا ترديدها أو كتابتها على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، كلما جد جديد في ساحات المسجد وحارات البلدة القديمة.

تهفو نفوسنا لزيارة المسجد، وعند زيارته لا نعرف من ملامحه سوى قبة الصخرة والمسجد القبلي، وبعد هذه الزيارة التي استمرت لسويعات قليلة وبعد سماعنا درسًا عن واجب نصرة الأقصى، يأخذنا الحماس قليلًا فنتوجه مثلًا لاقتناء كتب عن القدس والأقصى، أو نقرر سماع درس عنهما، ثم ما يلبث هذا الحماس يخفت قليلًا حتى يتلاشى وكأنه لم يكن موجودًا قط.

 | معرفة مقدسية

إن فكرة أننا نضحي بجزء من وقتنا وجهدنا في المعرفة المقدسية، لا يقل أهمية عن فكرة البذل والتضحية بالدم والروح في سبيل المسجد الأقصى. فالأخير كان نتاجًا لمعرفتنا بالمسجد الأقصى.
 
وزيادة المعرفة بالمسجد يبدأ أولًا بتأهيل الأهالي وربطهم بقضية المسجد الأقصى، وبعد ذلك، يخصص الأهالي جزء من يوم أطفالهم للحديث عن المسجد الأقصى وممارسة نشاطات مرتبطة بالمسجد المبارك.

هل فكرنا يومًا بسبب هذا الحال؟ لماذا لا نعرف عن المسجد الأقصى سوى بضع آيات حفظناها في كتاب التربية الإسلامية في المدرسة، ومعلومات تاريخية تبرمنا منها لصعوبة حفظها في كتاب التاريخ، فمثلًا في عام 1187م حدثت معركة حطين؟ أم عام 1188م؟ وعلى هذا المنوال، لا أقلل من قيمة المعلومات التاريخية، بل هي أساس صراعنا مع العدو، لكن الحفظ والتلقين دون أن نفهم حقًا ماذا يعني الكلام الذي تردده شفاهنا، هو سبب أساسي في قلة الوعي والمعرفة حول المسجد المبارك.

وقد لا يكون اللوم على المنهاج هنا كثيرًا بقدر ما يكون اللوم على الأستاذ، فالمعلم هو من يستطيع التأثير على طلبته بحرصه على إدراكهم المعاني التي تحملها الآيات والمعلومات التاريخية. إلقاء اللوم على المدرسة ليس بحل، ولكن السؤال، هل كان على الأهالي أن ينتظروا دخولنا المدارس حتى نعرف عن المسجد الأقصى؟! ثم بعد مرحلة المدرسة وانتقالنا إلى الجامعة أو العمل، لماذا لم نسع نحن بأنفسنا لمعرفة المسجد حق المعرفة؟ وما أهمية معرفة المسجد بارتباطنا فيه؟

مع مساء كل يوم، يُجهز الوالدان أجواء المنزل، لبدء فترة الدراسة وحل الفروض المنزلية، هدوء وصرير أقلام وشفاه تتمتم تكرارًا بكلمات وجمل، فالتكرار "بيعلم أشطر الشطار"، ثم ما تلبث الأم صباحًا وقبل دقائق من بدء الدوام المدرسي، تعاود تذكير ابنها في أهم ما احتوت دروسه المدرسية، هذه الفترة الروتينية من كل يوم، لا يعني أن يمل الآباء أو الأولاد في طلب العلم، وإن كان كل يوم يتضمن فقرات مشابهة لما سبقه، إلا أن النشاط والتركيز لا يتأثر بهذا الروتين! 

لو كان الأهالي يحرصون على تنشئة أبنائهم على حب الأقصى ومعرفته، مع إيمانهم بأهمية العلوم المقدسية في خلق جيل واعٍ بقضيته، كما يحرصون على تفوق تحصيل أبنائهم الدراسي، لما كان حالنا أن ننتظر قليلًا ونتردد إذا ما سُئِلنا عن مساحة المسجد الأقصى!

هذه الأجواء الدراسية تصنع أفرادًا ناجحين في دراستهم، فتجعلهم ينتقلون من مرحلة دراسية لأخرى، ليتوجوا في النهاية بتخرجهم. لو كان الأهالي يحرصون على تنشئة أبنائهم على حب الأقصى ومعرفته، مع إيمانهم بأهمية العلوم المقدسية في خلق جيل واعٍ بقضيته، كما يحرصون على تفوق تحصيل أبنائهم الدراسي، لما كان حالنا أن ننتظر قليلًا ونتردد إذا ما سُئِلنا عن مساحة المسجد الأقصى!

تخرجنا من المدرسة وبدأت مرحلة جديدة من حياتنا، خلال هذه الفترة يسعى كل منا لتعريف ذاته من جديد، وقد تمر سنينها الأربع أو الخمس، ولم يشارك أحدنا بندوة قصيرة عن المسجد الأقصى! بل لم يزره زيارة واحدة على الأقل. غياب التربية عن معرفة المسجد الأقصى، وتقصير المناهج الدراسية، إضافة إلى ضعف الكوادر التعليمية المؤهلة بالعلوم المقدسية، وقلة الأنشطة الجامعية المقدسية، نتاجه عدم الاكتراث واللامبالاة، فخبر اقتحام المسجد الأقصى مثلًا لم يعد خبرًا يستحق الاهتمام أو حتى التأثر اللحظي بقيمة الحدث! فيكون ردنا على خبر اقتحام المسجد "هو في فترة الأعياد بتزيد الاقتحامات"، هذا إن علمنا أصلًا أن هناك اقتحام للمسجد.

فعندما يصبح الطفل ويمسي وهو يرى المسجد الأقصى ويسمع عنه أينما ولى قبلته، حينها فقط سيصبح هَمُّ المسجد الأقصى همّه وإن لم يتسن له أن يدخله سوى مرات معدودة.

إن فكرة أننا نضحي بجزء من وقتنا وجهدنا في المعرفة المقدسية، لا يقل أهمية عن فكرة البذل والتضحية بالدم والروح في سبيل المسجد الأقصى. فالأخير كان نتاجًا لمعرفتنا بالمسجد الأقصى. وزيادة المعرفة بالمسجد يبدأ أولًا بتأهيل الأهالي وربطهم بقضية المسجد الأقصى، وبعد ذلك، يخصص الأهالي جزء من يوم أطفالهم للحديث عن المسجد الأقصى وممارسة نشاطات مرتبطة بالمسجد المبارك.

إضافة إلى تأهيل المعلمين باعتبار المدارس الجزء الآخر الذي يُكمّل شخصية الطفل، فبدلًا من أن يُعاقب المعلم تلميذه لأنه لم يحفظ تاريخ فتح بيت المقدس، أن يحرص على جعل طلبته مدركين للمعاني الروحية في المسجد الأقصى. إحدى أبسط الخطوات العملية، هي أن تكون إحدى الحصص الأسبوعية لمادتي التربية الإسلامية والتاريخ مخصصة للحديث عن شخصيات وقدوات عملت لنصرة الأقصى، وأن يُكمل على هذه الجهود بتقديم إذاعة من إعداد الطلبة أنفسهم تتحدث عن المسجد الأقصى، أو مسابقة رسم وكتابة وغيرها من الأنشطة. فعندما يصبح الطفل ويمسي وهو يرى المسجد الأقصى ويسمع عنه أينما ولى قبلته، حينها فقط سيصبح هَمُّ المسجد الأقصى همّه وإن لم يتسن له أن يدخله سوى مرات معدودة.