كثيرًا ما يوجّه إلي سؤل حول طرق الموازنة بين طلب العلم وتربية الأطفال؟ وكثيرًا ما يتم ربط تحقيق نجاح المرأة، وخصوصًا الأم بالشغف، وللأسف، هو ذاته الذي يعد سببًا للشعور بالخيبة للكثيرات اللاتي يمتلئن حماسًا وشغفًا ولكنهن لا يستطعن تحقيق النجاح.
وربما قد تم تسويق مصطلح الشغف بطريقة استهلاكية بحته وعاطفية ليكون هو كل شيء، بينما لا أنكر أن الشغف لعب دورًا في حياتي العلمية، ولكن هناك الكثير من الأمور التي ساهمت في بنائي، وأعتقد أن كل امرأة تحتاجها للوصول إلى النجاح. يقول الكاتب والباحث ويغشايدر في كتابه تعلم تحقيق التوازن في حياتك: "إن هناك سبع قوى لا بد أن تتحقق حتى تصل إلى التميز، وهي: قوة الإرادة، وقوة الإيمان بالهدف، وقوة العاطفة من خلال التحكم بالمشاعر والأحاسيس، والقوة الجسدية، والقوة العقلية، وأخيرًا القوة الاجتماعية".
فكل امرأة عازبة كانت أو أمًا ترغب بأن تكون مميزة، سواء على مستوى بيتها أو في تربية أطفالها، وربما تجمع بينهما وترغب أيضًا بإن تكون مميزة اجتماعيًا أو في مجال عملها، وتبدأ تفكر في صياغة الحلم الذي يتأجج في داخلها، ومتى ستخرجه إلى الواقع العملي، وهنا يكمن الفن في بناء الأهداف وترتيب الأولويات والنشاطات الحياتية.
| خريطة أهداف
أشير إلى أن الرغبة بالنجاح وتحقيق الذات يترافق مع تغييرات ستكسر روتين الحياة، فالمرأة بشكل خاص ستشعر بداية الأمر بالإرهاق، والخوف من البدايات وما سيليها من متاعب، وكذلك الخوف من الفشل وكلام الآخرين. لذلك، يعتبر التخلّص من الخوف هو من أهم المهارات التي تؤدي إلى النجاح، فلا بد من العمل على التخلص من هذا الخوف من خلال الإيمان بأهمية العمل الذي ستقومين به، والتفكير بالنتائج والمخرجات، وكونك أساسًا في المنظومة الاجتماعي، ومحاولة طرد الأفكار السلبية بتعلم مهارات جديدة أو ممارسة هوايات تحبينها، ومن ثم إغلاق أذنيك عن كل سلبي حولك.
ومع بداية وضع خريطة الأهداف والأولويات، لا بد من وضع الأسرة في الاعتبار، وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع ظروف الحياة الجديدة، أي رسم خريطة طريق تناسب الظرف الجديد. وكأم لثلاثة أطفال، أؤمن بشدة، أنه لا توجد وصفات جاهزة لتبادلها من أجل تحقيق الأهداف، ولكن التعلم من خبرات الأخرين وسيرة نجاحهم تفيدنا جدًا في إيجاد مفاتيح الأبواب المغلقة، ومن خلال خبرتي البسيطة أجد أن بعض النقاط قد تكون مشتركة لإفادة الكثير من الأمهات اللاتي على مقاعد الدراسة أو في مجال العمل أو يطمحن لبدايات جديدة.
الرغبة في النجاح وتحقيق الذات تترافق مع تغييرات ستكسر روتين الحياة.
عودت أطفالي الثلاثة منذ صغرهم على موعد نوم محدد، ففي حدود الساعة الثامنة مساءًا يكون كل منهم في سريره، ويسبق ذلك تنظيف الأسنان، وقراءة قصة قبل النوم، وما إلى ذلك من المهام الخاصة بكل طفل. من الثامنة حتى الثانية عشرة ليلًا يكون لدي وقتي الخاص؛ للدراسة أو قراءة كتاب أو متابعة أي نشاط آخر. لذلك، من أهم ركائز نجاحك كأم هو التحكم في الوقت لصالحك وليس العكس، والأولوية الأولى في حياتك هي الأطفال. ولعل لتنظيم وتحديد الأولويات من أهم الأمور التي تساعد أي سيدة لتكون مربية ناجحة.
هنا، لا بد من استعادة امتلاك وقتك، فهو الكنز الذي يضيع من بين أيدينا مثل تناثر الرمل من بين الأصابع، لذلك، لا بد من تنظيم وقتك، ربما من خلال تدريب أو تطبيق أو برنامج منظم. لا بد من إعادة تحديث لنظام يومك ليتناسب مع خطة طريق النجاح، ومن هنا يبدأ التخلص من كل الأمور الكمالية التي تنهب وقتك بلا معنى ولا فائدة!
ومنها، أولًا: محادثات وسائل التواصل الاجتماعي اللانهائية، حاولي أن تُخرجي نفسك من هذه الدوامة وبأقل الخسائر، تخلصي من عقدة الشعور بالذنب من ناحية عدم رضا الآخرين، وتذكري أن من يحبك فقط هو من سيتفهم غيابك أو ابتعادك. فيمكنك بدلًا من قضاء جل وقتك في التصفح، تخصيص وقت معين خلال اليوم، وللسيطرة على نفسك في البداية، امسحيها مؤقتًا عن هاتفك وتابعيها في وقتك المحدد من خلال جهاز.
كما يجب أن تتخلصي من عادة المحادثات الهاتفية الطويلة لساعات وبالتدريج، عودي نفسك على التحدث في الأمور المهمة خلال زمن قصير، بإمكانك التدرب على ذلك مع شخص مقرب وستنجحين. وفعليًا إذا سيطرتِ على كل هذه الأمور، فستكتشفين كم من الوقت الثمين الذي قد ضيعته هنا وهناك على حسابك وحساب بيتك وأطفالك وحلمك في إيجاد ذاتك، ستتخلصين بنجاح من جملة ليس لدي وقت!
| الشراكة في كل شيء
عند نجاحك في ترتيب أمور أطفالك واستعادة وقتك الضائع، مازالت هناك بعض الالتزامات البيتية التي تأخذ منك الوقت وجهدًا كبيرًا، لذلك، لا بد من إضافة عامل مساعد لتحقيق التفاعل المطلوب والوصول إلى الهدف وهي إشراك رب البيت في ذلك. ولنا في رسول الله إسوة حسنة، فكان يساعد أهل بيته، لأن مبدأ الزواج بُني على الشراكة في كل شيء.
وبالتأكيد، نجاحك عامل مهم في حياته، وسيسعده حتما حتى لو أبدى تململًا في بداية خطواتك، وكوني على ثقة أن نجاحك هو نجاحه أيضًا. ولا بد للزوجة أن تتكلم دائما عن حلمها وشغفها أمام وزجها وتبدي استعدادا لذلك، وهذا ما يجعل الشريك متحمس دائمًا، ومشجعًا على تحقيق حلم زوجته وشغفها، تمامًا مثل أي هدية يسعى لإحضارها لها كانت قد تمنتها شريكته يومًا. ومع الوقت، ستصبح عملية تحقيق أهداف مشتركة.
فإذا أرادت الزوجة أن تقرأ كتابًا، ما المانع أن يأخذ الزوج دورها في رعاية الأطفال لوقت معين مثلًا، كأن يلعب مع أطفاله يأخذهم في نزهة، فالأطفال يحتاجون إلى الأب مثل احتياجهم للأم كل حالات الرعاية وليس فقط كونه مصدر للمال. الشراكة في تحقيق الأحلام والأهداف من أجل مصلحة العائلة من أهم أسس النجاح والراحة للزوجة.
| صبر وتصميم
لذلك، سيدتي الطموحة لا تعودي الزوج على إنك (المرأة الخارقة Superwoman) وتحددين أنت وظيفته في العمل خارج البيت والراحة داخله، فلن تستوي الحياة على ذلك، وستبقين في دوامة لا خروج منها، ولن يكون راضيًا على أي تغيير نوعي سيجرده من راحته الملوكية التي عودته عليها.
وأذكر من هذا تعايشي مع عائلات ألمانية، والتي يعمل فيها الأب والأم ويتقاسمان سوية أعمال البيت ومواعيد الأطفال ونشاطات المدارس والروضات وغيرها، وهذه من الأخلاق العالية في التعاون واحترام الغير من تحقيق حياة كريمة للعائلة، وهي ليست بأخلاق غريبة عنا بل موجودة في ديننا وثقافتنا. وإذا كانت ظروف العمل الطويل للزوج لا تساعد على حمل بعض أعباء المنزل، حاولي تحديد المهام الرئيسية اليومية والأسبوعية.
النجاح يعني الالتزام بالأهداف وتنظيم الأولويات والتصميم على تحقيقها بالترتيب، وليس مجرد الالتزام بفكرة "النجاح" أو "الحلم بالنجاح"، ومن هنا، تولد الإرادة القوية في التحدي ويشحن كل هذا الصبر. فبدون الصبر والتصميم والالتزام والإرادة يعتبر الشغف مجرد كلمة تُقال. ومن خلال صبرك وعزمك والتزامك بطريق النجاح يأتي القبول بالنتائج، والتي ستقرر فيها أنتِ مصيرك من خلال الوصول إلى نقطة تؤدي إلى طريقين: الاستمرار أو التوقف، ويعتبر وصولك إلى هذه النقطة بكل ما تحملينه من خبرات ومعلومات المحرك القوي للاختيار والرضا.
وتذكري إن توقفتِ في مرحلة ما، فهذا لا يعني إنك فشلتِ، بل أنت ناجحة لإنك حاولتِ، وباستطاعتك الاستفادة من مخزون الخبرات وإعادة توجيه بوصلة نفسك إلى طريق آخر أفضل، تبنينه بأساسات متقدمة أكثر قوة وعزمًا وبوجود عامل الشغف الذي سيدفعك على تحقيق النجاح عاجلًا أم أجلًا.