بنفسج

قراءة سيكولوجية لخافضة العينين- الأسيرة إسراء جعابيص

الثلاثاء 07 يوليو

الأسيرة إسراء الجعابيص
الأسيرة إسراء الجعابيص

هنا في هذا النص لـ الأسيرة إسراء الجعابيص، والأسيرات الفلسطينيات، وعنهن نكتب! تمر النفس البشرية بمنغصات ذات منحى سلبي من شأنها أن ترافق الإنسان وتلقي بظلالها وعبئها عليه؛ خاصة إذا كانت بصورة ألم نفسي عميق يعيق مجرى الحياة اليومية للإنسان. إن الألم النفسي يزداد أثرًا وعمقًا في التكوين النفسي فيؤثر فيه ويتأثر به –تحديدًا- إذا كان هذا الألم النفسي انعكاس للألم الجسدي (العضوي) مما يجعله ينظر إلى نفسه نظرة المحتقِر لذاته. كيف سأبدو لطفلي؟ وهل سيعرف أمه بعد ذلك؟ رح يشوفني غوريلا؟!. اسراء، معتصم ابنك، لو ما عرفك من شكلك، رح يعرفك بقلبه.. فطرته رح تقوده إلك، ومستحيل يشوفك غوريلا، أنتِ بالنسبة إله أحلى حد وأدفى حد... صدقيني معتصم بقلبه رح يعرفك ويضل يشوفك دايمًا. عني رح يحبني وأنا هيك؟. بحبك ورح يضل يحبك اسراء؛ لأن الله خلق الابن بحب أمه، فطرة معتصم نقية... ولا شيء يلوثها".

بهذه الكلمات، دار الحوار بين الأسيرة المحررة سلام أبو شرار والأسيرة إسراء الجعابيص، الذي يوضح حجم الألم النفسي الذي يكتوي به قلب إسراء؛ مشيرين بذلك إلى توّلد مشاعر النقص لذاتها وجسدها (شكلها) وتحوّلها إلى عقدة في تكوينها النفسي، فهي تخشى نفسها من صورتها، وتخشى صورتها بعين طفلها الذي لم يحظَ بلقائها حتى الآن؛ ليطمئن بالها، وتسرُّ سريرتها؛ -على الأقل-؛ لتخفف من مجلودية النفس لذاتها.

خطَّت الأسيرة إسراء الجعابيص نصًا لأهلها ولعموم المجتمع الفلسطيني بألمها وشكواها، ومم تعاني؟ وكيف تدير أمرها في الأسر في ظل وضع صحي أليم لا يمكن التغاضي عنه؛ فاستوقفتني عبارات تفصح عن شعورها بالخجل والقلق والإهانة، وتحولها إلى إنسان يعتمد على الآخرين في قضاء حاجاته، ولكن لا مفرَّ من ذلك؛ فهي بحاجة إلى مساعدة وإن عزّ عليها ذلك.

"هذا الأمر يؤلمني، ويجعلني أشعر بالإهانة والخجل، وتعزُّ عليَّ نفسي لأنني بحاجة للآخرين... أنا كل يوم أنظر إلى المرآة وأتألم بصمت ونفسيتي تتحطم في كل يوم... أنا بحاجة للعلاج النفسي أتمكن به من مواجهة واقعي المؤلم وأنا أشعر بالخوف من وجهي عندما أنظر لنفسي بالمرآة؟ فكيف بالآخرين؟ وماذا يقول ابني عندما يراني؟... مرات بيجي عبالي أعيّط وأصيح حاسة حالي بركان كبير جواتي... لو مرضي كان قاتلًا لكنت استسلمت لقضاء الله والموت ولكن ما أعاني منه يمكنني التعايش معه إذا تم علاجي بشكل إنساني".

 نظرة أولية في الحالة النفسية لــ للأسيرة إسراء الجعابيص

الأسيرة إسراء الجعابيص
إن تملّك اضطرابات القلق بإسراء وسيطرتها عليها لم تأتِ من فراغ، إنما هي نتيجة تراكمية لمشاعر النقص والدونية في تكوينها النفسي بسبب صورة جسدها(شكلها) مما استدعى تحوّلها إلى عقدة نفسية والذي لا عتب على إسراء في ذلك.
 
 فما أشارت إليه في رسالتها يدلل على أنها أضحت تعاني من القلق، والخوف من مواجهة الواقع، والتوجه نحو الانطوائية عدا عن شعورها بالمهانة؛ فإسراء تنظر إلى كل هذه المساعدة بعين الحرج والعجز.

إن تملّك اضطرابات القلق بإسراء وسيطرتها عليها لم تأتِ من فراغ، إنما هي نتيجة تراكمية لمشاعر النقص والدونية في تكوينها النفسي بسبب صورة جسدها (شكلها) مما استدعى تحوّلها إلى عقدة نفسية– والذي لا عتب على إسراء في ذلك-؛ فما أشارت إليه في رسالتها يدلل على أنها أضحت تعاني من القلق، والخوف من مواجهة الواقع، والتوجه نحو الانطوائية عدا عن شعورها بالمهانة؛ فإسراء تنظر إلى كل هذه المساعدة بعين الحرج والعجز.

وقد حاولتُ البحث فيما ورد في نصوص سلام أبو شرار ومكتوب إسراء لعائلتها عن وسيلة قد تعوّض أو تستبدل بها تلك المشاعر، فوجدتُ بأنها "تحاول مساعدة نفسها ولكن دون جدوى"؛ وذلك لعدمية الإمكانيات والموارد العلاجية المقدَّمة لها، واضطرارها للاعتماد على رفيقاتها بالأسر لمساعدتها في أمورها الحياتية.


اقرأ أيضًا: إسراء الجعابيص: يوميات في زنزانة


وفي المجمل، فإني أرى بعضًا من الوسائل التي تلجأ إليها الأسيرة إسراء الجعابيص للتخفيف من حدة ألمها النفسيّ، كانخراطها في الجلسات التفاعلية الاجتماعية بين الأسيرات الفلسطينيات (الجمعات واللمات)، ومشاركتها إياهن الكلام والمزاح، وقيامها بدور المهرّج الذي كانت تتقنه كهواية قبيل تعرّضها لذلك الحادث المؤلم، والذي شكَل نقطة انعطاف فاصلة في حياة اسراء وأسرتها. ويمكننا اعتبار ذلك أن إسراء تحاول تفعيل حيل دفاعية لاشعورية تحمي نفسها من ألم انغراس عقدة النقص بداخلها، كالتسامي مثلًا، وذلك بتحويل مشاعر النقص الموجودة عندها إلى دور فاعل مقبول اجتماعيًا ومجتمعيًا. إضافةً إلى قيامها بفن التطريز والسماع للموسيقى، وفي هذا تخفيف وتسرية للنفس الجالدة التي تؤلمها وتعاني منها.

 الأسيرة إسراء الجعابيص تكافح لأجل البقاء

الأسيرة إسراء الجعابيص
إني أرى بعضًا من الوسائل التي تلجأ إليها إسراء للتخفيف من حدة ألمها النفسيّ، كانخراطها في الجلسات التفاعلية الاجتماعية بين الأسيرات، وقيامها بدور المهرّج الذي كانت تتقنه كهواية قبيل تعرّضها لذلك الحادث المؤلم.
 
إنّ توجه إسراء للمشاركة في التفاعلات الاجتماعية مع باقي الأسيرات الفلسطينيات في السجن؛ لهو محاولة لتخليص ذاتها من جلد النفس بسبب شعورها بالنقص، بمعنى آخر هي تكافح لتشعر بالتحرر عبر تكيفها مع الوسط والسياق الذي تعيش فيه.

إنّ توجه إسراء للمشاركة في التفاعلات الاجتماعية مع باقي الأسيرات في السجن؛ لهو محاولة لتخليص ذاتها من جلد النفس بسبب شعورها بالنقص، بمعنى آخر هي تكافح لتشعر بالتحرر عبر تكيفها مع الوسط والسياق الذي تعيش فيه، لتخفف من سيطرة مشاعر النقص عليها، والتي تسبب لها شعورًا بالمهانة والضعف، فمحاولتها لتخليص الألم والتغلب على مشاعر العجز بمشاركتها للأسيرات هي لضمان شعورها بالأمان وأنها بخير. وإنسانة كإسراء بعزيمة قوية لا تلين تسعى وتبحث عن حلول لما هي فيه، ولكن فقدان ثقتها بنفسها- أو لنقل تذبذب الثقة بذاتها ما بين حين وآخر- قد يعيق من عملية كفاحها؛ للوصول إلى الهدف الذي تتأمل له، وهو معالجتها بطريقة إنسانية وتقديم كل ما يلزم لها.

وهذا ما أشار إليه العالِم والباحث في علم النفس الفردي ألفرد أدلر في مفهومه للكفاح والنقص والتعويض في كتابه "معنى الحياة"*بقوله: "فالميول الاجتماعية عبارة عن تعويض حقيقي يقوم به الفرد تجاه الآخرين بسبب ما يعانيه أفراد الجنس البشري من ضعف طبيعي، لذا ما يقوم به الفرد من كفاح من أجل التفوق يأخذ طابعًا اجتماعيًا وليس فرديًا، ويحل المثل العليا والقيم لمجتمع كامل محل الطموح الشخصي، والمنفعة محل الأنانية، فبالعمل من أجل الصالح العام يعوض الإنسان ضعفه".


اقرأ أيضًا: عن الألم الذي لا آخر له ولا قاع


والكفاح هنا علاقة خطية تصاعدية تتجه من أسفل إلى أعلى، أو من الأضعف إلى الأقوى، أو من السلب إلى الإيجاب بالتوازي/ بالتزامن مع محاولة الإنسان التخلص من مشاعر النقص، وهذا يتطلب جهد الفرد والمجتمع معًا؛ لخلق منظومة بناء كاملة لأجل الكل، وهذا واضح في تضافر جهود الأسيرات في مساعدة اسراء، ومساعدة اسراء لنفسها، وشبه واضح، أو لنقل مبهم في سعي المجتمع الفلسطيني بقياداته الرسمية والمجتمع الدولي إلى المساهمة في التوصل لحل من شأنه أن يساعد اسراء بصورة عاجلة وفورية.

إذ تم إثارة قضية الإسراء اسراء الجعابيص في الإعلام الفلسطيني والعربي والدولي، وأظهر الكُل المجتمعي والدولي تعاطفه، وتم توجيه خطابات سياسية فصائلية وفلسطينية وحقوقية بضرورة تلبية استغاثة اسراء وتقديم العلاج لها وفك أسرها، ولكن بالمطلق لم يتجاوب الكيان الصهيوني وضربها بعرض الحائط. خفت الحراك المجتمعي والدولي المناصر لقضية اسراء، وبقيت اسراء وحيدة لها عائلتها وطفلها يبكون وضعها، طالبين النجاة ويد العون لها.

الثالوث السيكولوجي في السياق الاستعماري

الأسيرة إسراء الجعابيص

هناك ثالوث يترّبص بنا بما يرتبط بممارسات الاستعمار، وهو: الجسد- الاستعمار- القمع/القهر. فالارتباط هنا وثيق ومتعمّد؛ لإبراز مدى تغلغل الاستعمار في حياة الشعب الفلسطيني وصولًا إلى الجسد الفلسطيني وممارسة القمع والقهر بحقه. فالجسد دائمًا ما يتخذ صورته كمفعول به إلا في فلسطين، فالجسد فاعل مواجه لكافة أشكال الاستعمار، فالجسد الفلسطيني قائم وفاعل في دوره "يتم النحت عليه كافة الرموز الاجتماعية والوطنية".

وفي الاستعمار، من الصعب جدًا الإيمان بأن هناك ممارسات إنسانية أو أخلاقية يقدِّمها لنا كشعب مستعمَر؛ لأن المستعمِر فاقد انتماؤه للإنسانية واحترام الكرامة البشرية.

إن الإشكالية الرئيسة التي تضع الأسيرة إسراء الجعابيص في قلب المواجهة مع ماحدث معها، هي أنها بريئة حد النقاء مما افتُرِيَ عليها من تهم باطلة، فشعورها بالظلم سواء في اتهامها "بعملية فدائية" أو بعدم تقديم العلاج الكامل لجسدها المحروق، هو ما زاد من العبء النفسي الذي يثقلها، هذا أولًا. وأما ثانيًا، فهي تتمحور حول الصورة التمثّلية لجسدها، وكيف تنظر إليه، وتوقعاتها بتصور الآخرين عنها.

ونحن إذ نتحدث عن وضع استعماري بحت، فهناك ثالوث يترّبص بنا بما يرتبط بممارسات الاستعمار، وهو: الجسد- الاستعمار- القمع/القهر. فالارتباط هنا وثيق ومتعمّد؛ لإبراز مدى تغلغل الاستعمار في حياة الشعب الفلسطيني وصولًا إلى الجسد الفلسطيني وممارسة القمع والقهر بحقه. فالجسد دائمًا ما يتخذ صورته كمفعول به إلا في فلسطين، فالجسد فاعل مواجه لكافة أشكال الاستعمار، فالجسد الفلسطيني قائم وفاعل في دوره "يتم النحت عليه كافة الرموز الاجتماعية والوطنية".

وفي الاستعمار، من الصعب جدًا الإيمان بأن هناك ممارسات إنسانية أو أخلاقية يقدِّمها لنا كشعب مستعمَر؛ لأن المستعمِر فاقد انتماؤه للإنسانية واحترام الكرامة البشرية، وهذا واضح في إخضاعه لشعب كامل تحت سلطته، واستخدامه كوسيلة لقمعه وقهره. وهذا ما ينعكس على حالة اسراء، فهو يتجاهل الحالة الصحية والنفسية لإسراء، وأهمية تقديم كل ما يلزم لها؛ ليتحسن وضعها الصحي مبررًا بذلك أن اسراء قاصدة في تنفيذ مهمتها الفدائية، وبالتالي يجب أن تنال عقابها، وعدم اخضاعها للعلاج.

أي هو يبرر ممارساته اللاإنسانية واللاأخلاقية بهذه الحجة، وللأسف، القضاء الإسرائيلي بقراراته الرافضة لاستئناف العلاج لإسراء يضفي بها شرعية قانونية داعمة لحجتهم. والطرف الأضعف نفسيًا في هذه الحلقة هي إسراء ومن ثم عائلتها، فقمع إسراء بعدم تقديم العلاج وإجراء العمليات الكاملة التي تحتاجها ترك في ذاتها جرحًا غائرًا وألمًا نفسيًا ولّد عندها شعورًا بالقهر والعجز، وهذا ما يسعى إليه الاستعمار الصهيوني، أن ترضى اسراء بما كُتِب لها؛ فترضخ، وتفقد كل أملٍ سواء في تقديم العلاج لها أو في نيل حريتها في أقصر فترة زمنية ممكنة.


اقرأ أيضًا: من يُهدي إسراء جعابيص مرآةً سحرية؟


إنّ الاعتداء الاستعماري على إسراء، وانفجار السيارة بها وجسدها، ومحاكمتها بهتانًا وزورًا، وقمعها بعدم معالجتها وتقديم أبسط الحقوق الإنسانية لها بحقها في استخدام الأدوية وإجراء العمليات عمّق لديها من شعورها بالقهر النفسي، والذي يرافقه كل ما ذكرناه سابقًا وما لم نذكره. فالصورة التخييلية للألم النفسي الذي تمر به إسراء، لا يمكن تخيّله وتصوّره كما تشعر به إسراء وحدها.

نعم، قد ننساق عاطفيًا لحالة إسراء ونشعر بها، وقد نحاول استدخال وضع اسراء في ذواتنا، ولكن هو قليل جدًا بما واجهته حين كانت في سيارتها، لحظة إطلاق الرصاص على سيارتها وانفجارها بها، ومرورها بغرف التحقيق ومهاجع الأسر، حتى أني حاولت استشفاف العاطفة عند سلام أبو شرار "رفيقتها المحررة التي لازمتها في الأسر"، بما كتبته عن إسراء، كونها عاصرت الوضع الصحي والنفسي لإسراء بمشاعرها وما مرت به، إلا أنه لا أحد قادر على تخييل التكوين النفسي لإسراء في ذهننا وامتثاله حاضرًا وواقعًا، فقط إسراء.

الأسيرة إسراء الجعابيص في فلسفة شوبنهاور التشاؤمية

الأسيرة إسراء الجعابيص
فتشبث إسراء بسعيها للعلاج؛ لتبدو بصورة أفضل هو سر جٌل آلامها الإنسانية استنادًا إلى فلسفة شوبنهاور التشاؤمية، فتشبثنا بالرغبات المادية والجسدية، وخوفنا من الألم هو سبب المعاناة في حياتنا، وهذه أكاد أجزم أنها حقيقة.
 
 فلو أننا (بشكل عام) نهتم بارتقاء الذات وسمو النفس، وتحررنا من المادة، لما عانينا وتألمنا، ولكن صورة الجسد هي جزء من الذات الإنسانية ومن الهوية الشخصية، ومن البديهي أن نهتم به فهو الصورة والمرآة لذواتنا وللآخرين وللمجتمع.

إن خوفي على إسراء بمركّب النقص (عقدة النقص) الذي يتملكها ليس كخوفي الأكبر في حال تجاوزت عقدة النقص إلى عقدة العار؛ فتشعر أنها بلا وجود، صحيح أن ملامح عقدة العار لدى اسراء ظاهرة، أبرزها: الاضطراب النفسي والفكري. وصحيح أنه في كلتا المرحلتين (العقدتين)، في النهاية، هي ستصل إلى حالة من حالات التمرد مهما كان شكله (الإضراب عن الطعام، مناصرة دولية فاعلة للضغط على الكيان الصهيوني، .. الخ)، وتنال حقها وتحفظ بها كرامتها، ولكن وضع اسراء لا يحتمل أكثر مما هي فيه لتخوض نضالات أكثر عقمًا مع مستعمِر يتعمّد كل أشكال السلطوية والإذلال بحقها.

فتشبث الأسيرة إسراء الجعابيص بسعيها للعلاج؛ لتبدو بصورة أفضل هو سر جٌل آلامها الإنسانية استنادًا إلى فلسفة شوبنهاور التشاؤمية، فتشبثنا بالرغبات المادية والجسدية، وخوفنا من الألم هو سبب المعاناة في حياتنا، وهذه أكاد أجزم أنها حقيقة، فلو أننا (بشكل عام) نهتم بارتقاء الذات وسمو النفس، وتحررنا من المادة، لما عانينا وتألمنا، ولكن صورة الجسد هي جزء من الذات الإنسانية ومن الهوية الشخصية، ومن البديهي أن نهتم به فهو الصورة والمرآة لذواتنا وللآخرين وللمجتمع.

وما زلت إلى يومي هذا، حين أستحضر ذكراها، لا أتصورها إلا وحيدة دائمًا، في غرفة صغيرة بائسة، مطرقة تفكر، مهجورة، منتظرة، مكتوفة اليدين، خافضة العينين، ذاهبة آيبة بلا هدف.

وبرأيي فإنني أقول، لا يمكن تشبيه/ مقارنة وضع إسراء ذات الجسد المحروق بوضع أي إنسان عادي غير راض عن صورته لجسده، فالمسببات والنتائج تختلف من شخص لآخر إلا أنه من الجميل القول بأن إسراء تتمسك بإيمانها بالله وبث حزنها إليه، ومعاونة نفسها على الصبر كي لا تصل لمرحلة الشقاء الكامل، والتي بها تفقد إيمانها بنفسها وذاتها، بعطايا الإله ورحمته، والتي لا يمكننا إخراجها منها، ونكون قد فات علينا الأوان وعلى إسراء بتقديم يد العون والدعم لها.

الأسيرة إسراء الجعابيص حالة من حالات كثيرة قد نسمع عنها أو لا ندري بها من الأسرى والأسيرات الفلسطينيات، ممن شُوِّهت أجسادهم أو أصيبوا بآلام جسدية (عضوية) خطيرة جدًّا، معرِّضة حياتَهم للخطورة، وتم إهمالهم طبيًا وإنسانيًا، ولا ندري عن ألمهم النفسي، ولكن بالتأكيد هم يعانون، فعلًا "وجعكم مرئي ومبيّن بس نحنا مش قادرين لا نشوفه ولا نحس فيه متلكم." إن أبلغ الوصف، وأوجز القول لإسراء، ما قاله أديبنا في الإنسانية، دوستويفسكي في روايته "مذلون مهانون": "وما زلت إلى يومي هذا، حين أستحضر ذكراها، لا أتصورها إلا وحيدة دائمًا، في غرفة صغيرة بائسة، مطرقة تفكر، مهجورة، منتظرة، مكتوفة اليدين، خافضة العينين، ذاهبة آيبة بلا هدف".


المراجع:

[1] * أدلر، ألفرد. (2005). "معنى الحياة"، ترجمة عادل نجيب بشرى، المجلس الأعلى للثقافة: القاهرة، مصر.