بنفسج

الحليّ في الموروث الفلسطيني: وظائف اجتماعية وحمولات تاريخية

الأربعاء 01 مارس

الحلي الفلسطيني
الحلي الفلسطيني

تنظر إلى تلك الملكة بكل أناقتها وزينتها، من "شطوة" رأسها إلى "الأقراط "و"الكرادين" و"الغوايش" و"القرامل" و"الترابيع" و"الشناف"، فضلًا عن تلك الألوان التي تتمازج في ثوبها المطرز والحلي الفلسطيني الذي تتزين به، لتحكي قصة الشعب الذي ما زال يتعرض للاقتلاع الممنهج منذ ما يزيد عن سبعين عامًا.

فإذا كان للنساء حكاية مع الزينة وأدواتها في كل عصر ومكان، فإن قصتنا الفلسطينية فريدة، فبنا يلبس التاريخ قالب الجمال، ويُحمّل الجمال بحكايا التاريخ، ويفرض المجتمع سلطته على هذا وذاك. نحاول في هذا التقرير أن نستقرء بين جمال الحليّ الفسلطيني ما يحتفظ به من شواهد التاريخ، وما ينقله لنا من تفاصيل الحياة الاجتماعية في فلسطين التاريخية.

 الحلي الفلسطيني: حمولات تاريخية

الحلي الفلسطيني
تعتز الفلسطينيات بالتراث الفلسطيني ويطلقن بشكل دائم حملات على مواقع التواصل الاجتماعي منها "غردي بثوبك"

تمتاز الحلي الفلسطينية بالتاريخ العابق فيها، حيث ورثت الفلسطينيات تراث جداتهن الكنعانيات وارتدينه قلائد تذكرهن بتجذرهن في هذه الأرض. فقد عرف الكنعانيون الصناعات الجمالية منذ آلاف السنين، إذ كانت ضمن ما عرفوه من صناعات معدنية، فتم العثور على بعض أنواع الحلي كالأساور والخلاخل والأقراط ومشابك الثياب، المصنوعة من البرونز والذهب والفضة في العديد من المواقع الأثرية في فلسطين.

يشير المصور الصحفي والباحث في التراث أسامة السلوادي في كتابة "زينة الكنعانيات" أن درجة التشابه بين القطع الكنعانية وقطع الحلي التي استمرت الفلسطينيات في ارتدائها كبيرة جدا، خاصة قطع الرأس التي ارتدتها أوغاريت وما تزال "شطوة" إلى يومنا هذا.


اقرأ أيضًا: سرقة التراث الفلسطيني : عن احتلال الذات والأرض والتاريخ


وبعد نكبة العام 1948، وما تلاها من تعاقب الحروب، ومحاولات "أسرلة" الأرض وتهويدها وتغريب الإنسان، وطمس هويته وتهجيره، أصبحت الأثواب والحلي وسيلة أساسية لتعبير الفلسطينيات عن هويتهن، وتمسكهن بقضيتهن العادلة، إذ تحرص الفلسطينيات على ارتداء الأزياء الشعبية في كل المناسبات الخاصة والعامة، وتراهن يتناقلن فن التطريز ويصنعن منه الحلي والقلائد والحقائب والأحذية، فضلا عن بعض الحملات الإعلامية التي تقودها فلسطينيات على وسائل التواصل الاجتماعي كحملة "غردي بثوبك"، التي تهدف لتعزيز الانتماء للقضية الفلسطينية.

 الحليّ الفلسطيني: وظائف اجتماعية

الحلي الفلسطيني
كل قطعة بـ الحلي الفلسطيني لها معلومة معينة تعود بك للمنطقة التي تتبع لها السيدة وحالتها الاجتماعية

فضلًا عن الأبعاد التاريخية للحليّ الفلسطيني، والتي يرى الباحثون أنها تمتد للحقبة الكنعانية، فقد عبّرت الأزياء الشعبية وأدوات الزينة الملحقة بها عن الحالة الاجتماعية للنساء، فبداية نقرأ فيها التعبير عن تكريم النساء وقيمتهن الكبيرة في الأسرة والمجتمع، فهذه الحليّ التي عادة ما تصنع من معادن ثمينة كالذهب وترصع بالأحجار الكريمة، تقدم تكريمًا للمرأة وتقديرا لها، فكما يقول المثل " الغالي للغالي"، وعادة ما تحتفظ المرأة بهذه الحليّ، وتصونها بعناية فائقة، لتنتقل من جيل إلى جيل.

وهي أيضاً إحدى المؤشرات التي تمككننا من قراءة التركيب الاجتماعي والطبقي لفلسطين قديمًا، فبها يمكن أن نلاحظ أبعاد الغنى والفقر، الزواج والعزوبية، العمر والمكانة الدينية والاجتماعية. فتتجاوز الحلي الفلسطينية سمتها الجمالية لتوصل كل قطعة منها معانٍ خاصة، ومعلومات وبيانات، كالمنطقة التي تأتي منها السيدة أو الفتاة وحالتها الاجتماعية فيما إذا كانت متزوجة أو عزباء إضافة إلى الوضع الاقتصادي للأسرة وغيرها.

الحلي الفلسطيني
الأساور التراثية الفلسطينية

وتجدر الإشارة أن الذاكرة الشعبية التراثية ممتلئة بالحلي التي استخدمت فيها مواد غير مخصصة للزينة، فمثلا استخدمت الأنياب للحماية من الحسد وإظهار القوة، واستخدمت الحجب لتقريب الأحبة وجلب الذرية وغيرها، فاختلطت مفاهيم بعض الحلي بالمفاهيم الشعبية حول الطاقة والمعتقدات.

وكذلك استخدمت بعض الأحجار الخاصة للتأثير في حالات معينة، فتم استخدام الحجارة الزرقاء "اللازورد" لدفع الحسد وجلب الطاقة وكذلك حجر الشبة لمداواة الجراح وتعليقه في عنق الأطفال لتحسين الحظ، كل هذه المفردات والمواد اختلطت بثقافة الحلي وأصبحت جزءا منها.

الحلي الفلسطيني
البرقع التراثي الفلسطيني مزين بالقطع الفضية

كما وتأثرت نوعية الحلي وشكلها بالحالة الاقتصادية وظروف الحياة اليومية للنساء، والتي تختلف وتتباين باختلاف المنطقة بين شمال فلسطين وجنوبها، إذ يمكن القول أن الحلي كانت عبّرت الحلي عن انعكاسًا لطبيعة البيئة الخاصة بالسيدة نفسها، فمثلا عند النظر إلى حلي شمال فلسطين [الناصرة و بيسان و جنين وطولكرم وشمال نابلس وطوباس] نجدها تمتاز بالبساطة: وهذا يتناسب مع طبيعة حياة المرأة في هذه المناطق، إذ كانت السيدة تقوم بمساعدة أهلها و ثم زوجها في الحقل والأعمال الزراعية ورعاية الحيوانات الأمر الذي يجعل تركيزها على الحلي أقل من مناطق أخرى.


اقرأ أيضًا: ومضات نسائية: في الملهاة الفلسطينية


أما في وسط فلسطين، وهي المناطق التي تتمتع بمستوى اقتصادي أفضل من باقي المناطق (لواء القدس و رام الله ونابلس و شمال الخليل)، نلاحظ وجود اهتمام كبير بالحلي والتطريز. وأخيرا في الجنوب الفلسطيني (بئر السبع وجنوب الخليل ولواء غزة) تظهر سمات معينة للحلي الفلسطينية، لا توجد في مناطق أخرى، كالبرقع مثلا والذي ترتديه الفتاة بعد بلوغها وتزينه بالقطع الفضية كدلالة على ثراء زوجها.

 الحلي الفلسطيني: أنواع ونماذج متعددة

الحلي الفلسطيني
الوقاة أو الصفة التراثية الفلسطينية مزينة بالذهب أو الفضة

| الوقاة أو الصفة: أشبه بالطاقية المزينة بالذهب أو الفضة، ولها تصميمين خاصين، الوقاة: وفيها يستخدم قماش (الجنة والنار) وإطار مقوى، تشتهر في منطقة رام الله والبيرة. أما الصفة فهي ملتصقة بالرأس وذات قماش مطرز يصف عليه "ليرات" الفضة أو الذهب.

| الشطوة: طاقية مرتفعة أشبه بالطربوش الصغير، خاصة بمنطقة بيت لحم وتمتاز بها عن كل مدن فلسطين، وتتكامل مع الثوب التلحمي والتقصيرة المزينة "بالشربات" التلحمية المعروفة في فلسطين. وترتدى الشطوة مع "خرقة" بيضاء طويلة مطرزة أو سادة.

الحلي الفلسطيني
البرقع التراثي الفلسطيني هو علامة للتراث الفلسطيني البدوي في بئر السبع وأريحا

| الطفطاف أو العراقية: طاقية صغيرة -من الموروث العثماني- في فلسطين، وتمتاز بها القدس وبعض مناطق الخليل.وسميت بالعرقية أيضًا، لأنها تمتص العرق وتأتي تحت غطاء الرأس كفاصل بينها وبين الشعر، وترتديها المرأة لأول مرة فيها حياتها يوم زفافها،  بعد أن تكون جهزتها بالعملة التي حصلت عليها في المهر ونقوط العرس، وعرقية أهل الخليل كبيرة ومطرزة، وطرفها مطرز بكثافة وقد خيطت عليها الريالات الذهب أو الفضة.

| البرقع: وهو نقاب وجه المرأة، تغطي به الوجه ما عدا العينين، وهو علامة تراثنا الفلسطيني البدوي المميزة، خاصة في منطقة بئر السبع وأريحا، وهي علامة الحشمة والوقار في البداوة، وهي من القطع التي تبرز جمال العيون العربية الأصيلة.

ترتدي النساء البدويات البراقع عند الرحيل من مكان لآخر، وإذا دخل رجل غريب إلى خيمتهن، ولا يضعن براقعهن داخل المضارب، يرى البعض أن البرقع يساهم في إظهار مفاتن النساء وجمالهن، فبه تظهر العيون البدوية الواسعة التي يزينها الكحل العربي الأصيل!


اقرأ أيضًا: "فدوى طوقان" تؤرخ الحياة النسائية في رحلتيها الصعبة والأصعب


 | " الزنار" : وهو سلسلة من الفضة أو طوق فضي يحيط بخصر المرأة الفلسطينية في المدينة والقرى، وخاصة بمناسبات الأفراح، والأيام العادية كانت الفلسطينية تلبس زنار من القماش، وهو عبارة عن قطعة قماش حريرية مربعة يتم ثنيها عدة مرات وتلفها حول خصرها.

الحلي الفلسطيني
الحلي الفلسطيني لتزيين اليد كالخواتم

| قلائد الصدر: كالكرادين والرقائق والبغمة و "سبع أرواح".

الحلي الفلسطيني
الأساور التراثية الفلسطينية يمكن أن تكون من الذهب أو الفضة أو الزجاج

| الأساور:  كانت المرأة الفلسطينية تزين الأيدي بأساور من الذهب والفضة أو الزجاج، وقد كان من ضمن تقاليد العرس الفلسطيني، أن العروس تختار من ضمن مهرها زوجًا من الأساور المتشابه تلبس كل واحده في يد أو الاثنتين معًا، وعادة ما يكون عليها الحرف الأول من اسم صائغها. والأساور هي حلية لرسغ اليد، والزجاج منها يسمى غويشات، ومن أنواع الأساور: سليتات، دقة حنا، وهي نسبة إلى أشهر صائغ فضة مقدسي في أوائل العشرين. وهناك أشكال مختلفة من الأساور ما بين رفيعة وعريضة عليها نقوش مختلفة.

الحلي الفلسطيني
الأساور التراثية الفلسطينية لها أنواع منها مبرومة وأساور حيدري

| الشناف: " الشناف" قرط على شكل حلقة من الذهب أو الفضة تثبت في الأنف لدى النساء البدويات، حيث يتم ثقب أنف الفتاة البدوية وهي صغيرة، ثم تضع الشناف عندما تتزوج. شنف بدوي يوضع في الأنف مصنوع من الذهب ويوجد أيضًا من الفضة، وعادة تضعه المرأة البدوية في الجهة اليمنى للأنف.

الحلي الفلسطيني
الحلي الفلسطيني لتزيين الساق كـ "الخلخال"

 | الحلي لتزين الساق: "الخلخال" وهو عبارة عن إسواره توضع في الساق، تأخذها الفتاة من والديها عندما تكون في سن المراهقة، غالبًا ما يكون زوج من الخلاخيل، يلبس كل خلخال في ساق، وهناك أشكال متعددة منها الخفيف ومنها الثقيل والذي يصدر عنه صوت كلما دقت المرأة رجلها في الأرض.

 | حلي لتزين أطراف الشعر: " القرامل" ومفردها قرمول، وهي عبارة عن وصلة من حبل أسود توضع في نهاية الجديلة تنتهي بشراشيب ذات نهايات متعددة في آخرها كرات معدنية غالبًا من الفضة أو الذهب، والقصد من هذه القرامل هو إطالة الجديلة وكشكل من أشكال تجميل الشعر، ومن العادة يفك القرمول عند النوم.


| مصادر ومراجع 

[1] أبو عمر، عبد السميع، التراث الشعبي الفلسطيني حلي وتطريز، ط3، الاتجاهات المعاصرة في ادارة التراث الثقافي.

[2] سرحان، نمر، موسوعة الفلكلور الفلسطيني، ط.2، عمان، 1989م.

[3] علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، البيرة، جمعية إنعاش الأسرة، ط3، 1993م.

[4] عرنيطة، يسري، الفنون الشعبية في فلسطين، أبو ظبي، المجمع الثقافي، ط.3، 1997م.

[5] ميسر أبو علي، الصناعات الحرفية في فلسطين، مجلة صامد، بيروت.

[6] الدباغ، مصطفى، بلادنا فلسطين، دار الهدى، ج1.ق.1، 2003م.