بنفسج

الزواج المبكر: حين يبتلع عالم الكبار طفولتنا

الثلاثاء 22 سبتمبر

مشاكل الزواج المبكر للمرأة
مشاكل الزواج المبكر للمرأة

نكبُر.. ماذا يعني أنْ نكبُر! أنْ ننتزِع ثَوبَ طُفولتنا ونرتدي عَباءة الكِبار، أنْ تضيق الثّغرة التي نعبُر مِن خلالها إلى عالمنا الخيالي شيئّا فشيئًا، بعيدًا عن أحداث هذه الحياة المُزرية. أنْ نبدأ بمعرفة ماذا تعني مشاكل الزواج المبكر للمرأة مع أنه ما زال مبكرًا جدًا الدخول لهذا العالم.

أن تَحمل قلوبنا الصّغيرة بشاعة العالم مِن حولنا في صمتٍ تامٍ، أنْ نخشى البَوح ويَهزمُنا البُكاء. أنْ نُحرم مِن براءة الطُفولة قبل الأوان لنُواجه تحدّيات الحياة، ونقف على أعتاب العالم الجديدة.

كُنتُ في الثّانية عشْر من عُمري، طفلة تذهب لمدرستها، لا يُعكر صفو طُفولتها شيءٌ. أتذكر أنّني في هذا السن كنتُ ألعب وألهو مع زميلاتي وصديقاتي دُون أنْ نُبالي بعالم الكبار ومُتطلباتِه. حتى حدث ما لم أتوقعه حقًا، وخاصةً في تلك السن الصغيرة، إحدى زميلاتي لنْ تحضر للمدرسة مُجددًا، وستتزوج خلال أسبوع! كيف ولماذا يحدث هذا كُلّه؟ أتذكر حينها أنّني لازمتُ الصمت اليوم بأكمله، وكأنّ ما بِداخلى كان ينْفجر وشظاياه تَخدش قلبي.

لم تكُنْ تلك هي الحالة الوحيدة، تكررت المُشاهدات بعدها. فبعد المُشاهدة الأولى بعامٍ فقط، جاءت المُشاهدة الثانية كصاعقٍ ليّ. هذه المرة لم تكُنْ زميلتي وحسب، ولكنها صديقتي أيضًا. تفاجأنا بحرمانها من الدراسة بعد غيابها الملحوظ يومًا بعد يوم، لنسأل عنها فنُصدم بأنّها لنْ تعود أبدًا، لتتزوج هي الأُخرى، ويبتلعها عالم الكبار قبل الأوان أيضًا.

أقول: "انتكاسةٌ وكارثةٌ في قانونِ الطّبيعة، حِين يكبُر المرء منّا، في سِنٍ كان مِن الأولى بِه أنْ يلعبَ بِقطارٍ أو يلعق الحلوى بمرحٍ طُفوليٍّ .الأمر لم ينتهِ والمُشاهدات المُماثلة لم تتوقف، تتابعت الأمور بخِطبة واحدةٍ وزواج الأُخرى، كيف تُصبح طفلة أُمًا وزوجة يقع على عاتقها الصغير مسؤولية بيت وزوج وأطفال وتربية! كيف حقًا؟ وهي لا زالت طفلة قاصرة ترغب باللعب ومُشاهدة التلفاز. القضية ليست زواجًا مُبكرًا وحرمانًا من التعليم وحسب، القضية أكبر من هذا كُله، لن أُسميه زواجًا، لنُسميه سلبًا لبراءة الطفولة تحت مُسمى "الزواج".


اقرأ أيضًا: ميثاقًا غليظًا: كيف يكون الزواج مودة ورحمة؟


 اعتقدتُ -سابقًا- أنْ تلك القضية مُقتصرةٌ على أهل الريف وحسب، بحُكم ما تربوا عليه، ورأيهم أنّ زواج البنت هو الملاذ الأول والأخير لها. دون الاهتمام بـ مشاكل الزواج المبكر للمرأة، يكفيهم أن تتزوج ليرون أنها حققت نجاحًا. ولكنّني كبرتُ ووجدتُ أنّ القضية لا تختلف كثيرًا عند أهل المُدن، ربما أقل، ولكنها لا تختلف.

أرى حقًا أنّ القضية الحقيقة في العقليات والأفكار التي لم يُغيرها الزمن، معاملة البنت كأنّها عار،ٌ وأنّ في الزواج خلاصًا لها ما هي إلا صورة حية منقولة من الجاهلية وحياة ما قبل الإسلام، فما الفرق حقًا بين ما كان يحدث مِن وأدٍ للفتيات مُنذُ لحظاتهم الأولى في الحياة، وما يحدث الآن مِن سلبٍ للطفولة والحياة كالأموات!

لا أدري كيف تغير معنى الطفولة إلى هذا الحال، كانت أقصى أمانينا قطعة حلوى، أو مُشاهدة سيبستون، أو ثناءً من مُعلمة. كيف اندرج الحال وتمزقت أثواب طُفولتنا؟ كيف أصبحت الأحداث أشبه بسباقٍ ونُعطيها أكثر مما تستحق؟

مضتْ أيامُ الطفولة، وها أنا أقترب مِن الخامسةِ والعشرين، ولكنّ شُعور الطفولة البريئة يَتملكني مِن وقتٍ لآخر. أنظر إلى أطفال اليوم ويخْنقُ حلقي غَصةٌ لا أقوى عليها، يَمُوج في قلبي شعورٌ مؤسفٌ على المُستجدات التي نالت من أطفالنا قبل الأوان.

العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، وإهمال بعض الآباء والأمهات لأطفالهم، والتقصير في مُتابعتهم، كُلّ هذا جعل من أطفالنا سلعة مُعرضة للسرقة والنّهب أي وقت. من اليوتيوب والفيس بوك إلى التيك توك وغيرها، والانفتاح دون متابعة، والبحث عن منفذٍ للعَالم الخارجيّ، والفضول والرغبة المُلحة في العبور لعالم الكِبار، كُلّ هذا ساهم في جعلِ أطفالنا تحت سطوة التحرش الإلكتروني والإساءات الجنسية.


اقرأ أيضًا: قبل أن يبدأ: أفكار متوارثة تجعل من " الزواج" مشروعًا فاشلًا


لا أدري كيف تغير معنى الطفولة إلى هذا الحال، كانت أقصى أمانينا قطعة حلوى، أو مُشاهدة سيبستون، أو ثناءً من مُعلمة. كيف اندرج الحال وتمزقت أثواب طُفولتنا؟ كيف أصبحت الأحداث أشبه بسباقٍ ونُعطيها أكثر مما تستحق؟ أين ذهبت دندنتنا لـ "مَهما كانتْ أيدّينا صَغيرة، أحْلامُنا تُداعبُ النُجوم"!

ربما آخذ جرعتي من الحنين إلى الطفولة، بالتّوهم. نعم بالتّوهم، فدومًا أُحبُ أنْ أَتوهم أنّ هُنالك سِحرًا، وأنّ الأحداثَ في حياتي تَحملُ هذا السِحر. شُعورُ الطُفولةِ السّاذجة تلك كَفيلٌ أنْ يُخفف مِن وقعِ الإحباطات وخيبات الأملِ المُتتالية، أصبحت لا أهتم بـ مشاكل الزواج المبكر للمرأة، أكتفي بالصمت والمشاهدة من بعيد دون إبداء ردة فعل مع صديقاتي اللوتي أجبرتهن الظروف أن يدخلن حلقة الزواج المبكر.