بنفسج

سرقة التراث الفلسطيني : عن احتلال الذات والأرض والتاريخ

الثلاثاء 06 أكتوبر

أهمية التراث الفلسطيني
أهمية التراث الفلسطيني

مما لا شك فيه، عندما نتحدث عن أهمية التراث الفلسطيني، بل وأي تراث، أنه لا يصنع المجّد، والسُؤدد، والسِيادة لأي أمةٍ وحضارة، سِوى هويتها، وتاريخها، وتراثها المُستمد من الأجيال والتشكّل الحضاري المتطور والمتغير لها مع الزمن. فالتراث هو حكاية الأجداد للأحفاد، ورواية الماضي للحاضر، وهو العين نحو المُستقبل، وهو الملمح الخاص بكل أمةٍ وهوية.

وفي إثر ذلك، آمن المستعمر ومن بعده المحتل، بهذه الحقيقة، وبأهمية هذا الموروث الثقافي والاجتماعي لهذه الأرض. ومنذ مطلع عام 1917، مع بدء الاستعمار لفلسطين، جرتّ على هذه الأرض الكثير من الأحداث، ما بين ‏تهويد، وتهجير، وطرد، وهدم، وقتل، وسَرقة تراث، وتحريف اللغات، وتحويل أسماء المدن والشوارع إلى مفردات عبرية.

سرقة التراث الفلسطيني

أهمية التراث الفلسطيني
عن أهمية التراث الفلسطيني والحفاظ عليه من السرقة

لقد آمن هذا الكيان بنظرية: "أرض دون شعب؛ لشعب دون أرض"، ومن تلك النظرية ابتدأت حرب من دون سلاح ورصاص، إنها حرب خاصة، عنوانها التراث الفلسطيني. إن التراث بمفهومه العام؛ هو ما تتوارثه الشعوب من جيل إلى جيل من حيث العادات، والتقاليد، والفن ونحو ذلك.

وتأتي أهمية التراث الفلسطيني بعد أهمية الأرض، فهو الهوية التي تُميز الأرض وأهلها عن غيرها، وهو ما يُعطيها القيمة الحقيقة للوجود الحضاري والفكري في تاريخ الأمم ومستقبلها، وسرقة التراث أو تزويره هو بمثابة سَرقة لتلك الأرض، فهذه الأرض لها تاريخ وحضارة شعبية كما أسّلفنا، ولها معالمها، وطقوسها، وعاداتها، ومواسمها، وأزياؤها، ومأكولاتها، وفنها وغناؤها. إذًا، التراث؛ هو الحُليّ والزينة التي تمتاز بها الأرض بأهلها وشعبها عن غيرها.

إن هذه السرقات تُثبت مرة أخرى أن هذه الأرض لم تكُن يومًا لهم، لا قديمًا ولا حديثًا، وأن سرقاتهم للتراث الفلسطيني، ونسبته إليهم هو بحدِ ذاتها دليلٌ على انعدام شرعية وجودهم على هذه الأرض، وأن فلسطين هي أرضٌ كنعانية خالصة، وهي أرض للهويّة العربية والإسلامية.

ومع احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الغاصب، حاول على عقود من الزمن سرقة التراث والهويّة الفلسطيني، فكان أن سَرق تفاصيل الأرض، والبيت، والنقوش، والتطريزات، والغناء، وصولًا لسَرقة الزرع والنبات الفلسطيني، كالزيتون والبرتقال والميرامية، ونسبه، زاعمًا، إلى تاريخه وحضارته.

ولم يكتف بذلك، بل نسَب إليه المأكولات الشعبية الفلسطينية مثل: المفتول، والمسخن، والمقلوبة، والفلافل، والتبولة وغيرها. وامتد جُرمه لسَرقة الزيّ والثوبّ الفلسطيني بأبشع الصور، وأصبح يرتديه وينسبه إليه زاعمًا أنه زيّ توراتِي، ولم يكتف بذلك، بل عمد لسرقة الكوفية الفلسطينية التي كانت رمزًا من رموز الكفاح والثورة الفلسطينية، والتي استعملها الثوار الفلسطينيين في ثوراتهم ضد الاحتلال البريطاني، ومن بعده الصهيوني، لتُخفي وجوههم عن الملاحقة.

واستمر الانتهاك الصهيوني، فنسّبَ إليه أيضًا ما يربو عن 400 قصة ورواية حدثت في الأراضي الفلسطينية، وقدمها على أنها تُراث توراتي، ثم سرق القطع الأثرية والتشكيلية، ونسبها إليه بعد أن غيّر وحرّف الكثير من المسميات الخاصة بها. لأجل ذلك، لم تكن البارودة وحدها سلاحنا في معركتنا معه، بل هي حربُ التاريخ، وحربُ التراث، وحربُ الهوية.

إن هذه السرقات تُثبت مرة أخرى أن هذه الأرض لم تكُن يومًا لهم، لا قديمًا ولا حديثًا، وأن سرقاتهم للتراث الفلسطيني، ونسبته إليهم هو بحدِ ذاتها دليلٌ على انعدام شرعية وجودهم على هذه الأرض، وأن فلسطين هي أرضٌ كنعانية خالصة، وهي أرض للهويّة العربية والإسلامية.

أهمية التراث الفلسطيني

أهمية التراث الفلسطيني
التطريز الفلسطيني والكوفية

في ضوءِ ذلك، يأتي دور كل فلسطيني سَواء كان في فلسطين أو في الشتات بين دول الشرق والغرب بأهمية معرفة تراثِه وهويته، وتعليمه لأبنائه، وتوريثه بين الأجيال، وبإحياء التراث، وعدم تركه لقمّة سائغة للمحتل، بإدراك أهمية التراث الفلسطيني، وإن طرق ذلك الإحياء كثيرة، خصوصًا تلك الخاصة بالعادات والتقاليد الاجتماعية، والتي دائمًا ما كانت تدعو للقيم والجمال، وإحياء المناسبات والأفراح بالدبكة والأغاني الفنية، وارتداء الزيّ الفلسطيني والكوفية، وإدخال التطريز الفلسطيني إلى البيوت وتعلميه للنساء، وصنع المأكولات الشعبية الفلسطينية.

إن من راهّن على تقادم الذاكرة، ونِسيان التاريخ، وضياع المورث لم يدرك أن عقيدة الثورة والأرض تُولد من رحّمِ المُعاناة، وأن الأمّهات أرضّعن أولادهّن حليبّ العزة قبل الفِطام، وأن التراث المدفون له من يُحّيه، ويُعيد كتابته، ويرسُم حروفه.

وأيضًا بمعرفة خريطة فلسطين كاملة من النهر إلى البحَر، وبمساحتها المُقدرة ب27 ألف كم. إن تعليم التراث الفلسطيني، جزءٌ لا يتجّزأ من النضال والمقاومة ضد المحتل، وهو أكبر دليل بأن الأرض هويتها عربية إسلامية، وأن حماية التُراث هو حماية للهوية، وهو السّلاح القوي والدليل الأصيل على الحق الفلسطيني.

إن من راهّن على تقادم الذاكرة، ونِسيان التاريخ، وضياع المورث لم يدرك أن عقيدة الثورة والأرض تُولد من رحّمِ المُعاناة، وأن الأمّهات أرضّعن أولادهّن حليبّ العزة قبل الفِطام، وأن التراث المدفون له من يُحّيه، ويُعيد كتابته، ويرسُم حروفه، ويُخبر العالم عن فأسِ ذلك الفلاح، وحكمة المختار، وثوب العروس، ودبكة الشبان، وشجّرة التين والزيتون، وقصص الحَكواتي، وطلقة الثائر، وصَبية النبع والبيارة، وصوت المغني يغني العتابا والجفرا ومواويل الحادي، ويخبر عن كل ما له علاقة بتلك الأرض التي نعرفها وتعرفنا، ويعرف العالم أجمع أن فلسطين بأرضها وسمائها وموروثها لأهلها وأبنائها. إن الفلسطينيين يدركون حتمًا أهمية التراث الفلسطيني، ويدركون أيضًا أن تهويد الأرض يبدأ من سرقته والسطو عليه.