بنفسج

حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة

الأحد 25 أكتوبر

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

جمعَ الله الخيريْن للسيدة عابدة، كونها تربت في بيت شيخ موسوعي زاهد ومثقف، وهو جدها لأمها العلامة علي الطنطاوي من جهة، هنا حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم التي وولدت من سلالة "العظم" التي تهتم بالشهادات والتعلم الأكاديمي والنجاح بالوظيفة من جهةٍ أخرى، وقد ألقى الأمرين بامتزاجهما معًا ظلالًا رائعة وقيّمة على مسار حياتها الذي ابتدأته في دمشق الآسِرة الفاتنة وكللته بالتألق في جدة الساحلية الساحرة الجمال.

طفولة ساحرة

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
نبذة تعريفية عن الكاتبة عابدة العظم

تعزو عابدة روعة طفولتها إلى قضائها إياها في العاصمة السورية دمشق، تقول: "هي بالنسبة لي طفولة رائعة غنية ومميزة، عشتها في دمشق تلك البلدة الصغيرة الجميلة، التي أحبها كل من زارها، ومما جَمَّلَ طفولتي أكثر وجود أقربائنا حولنا، والذين كنا نزورهم دائمًا، فعرفت حلاوة الرحم ولذة الوصل، وتعلمت فنون الحياة والحكمة من كبيرات عائلتنا، وقَدَّرت أهمية الأسرة الكبيرة".

وماذا أيضًا عن سحر الطفولة في دمشق؟ "أذكر أمورًا كثيرة منها بيتنا القديم في "أبو رمانة" الذي يتوسط مدينة دمشق، ويطل على جبل قاسيون، فكنت أتفقد الأرانب التي كان يربيها والدي هناك، وأحملها وأربت عليها، فتآلفت مع الحيوانات وتعلمت الرحمة. ولي ذكريات كثيرة في بيت جدي لأمي الذي كان في الجادات العليا، ويطل على مدينة دمشق، هناك تعلمت أشياء ومعلومات، وحقائق، وسمعت الفقه، وتعلمت مسائل وأنا ما أزال صغيرة، وحملت أفكارًا عميقة وقيمًا عالية".

 

وهنا بـ حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم لصالح بنفسج لم تنسَ أن تخبرنا عابدة عن ليالي السهرعلى ضوء القمر عند البحيرة التي تتوسط حديقة الدار، أو استيقاظهم عند الشروق لسقاية الزرع، وشطف الحديقة، وتسلق الشجر وقطف العنب والتفاح والتوت، وتأمل الفضاء، أو قراءة الكتب، أو الخروج إلى الحرش القريب للتسابق في الوصول لأعلى الصخور، واستكشاف المغارات هناك، وكذلك مشاويرهم إلى الغوطة الغناء، والمليحة، وعين الفيجة ونبع بردى الذي يسقي الشام ماء زلالًا باردًا، وهكذا كان وصفها لغيض من فيض عن جمال طفولةٍ قضتها في ربوع دمشق.

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
عابدة العظم في طفولتها برفقة أخوتها في حديقة جدهم علي الطنطاوي

وبالمصطلح الشامي، فقد كانت ضيفتنا في صِغرها "عفريته" كما تصفها والدتها، بمعنى أنّها مشاغبة ومشاكسة؛ تحب اللعب والتسلق والاستكشاف. ولم يكن يعجزها شيء، فمهما حاولتْ أمها أن تُخفي عنها الأغراض وتضعها بمكان عال، كانت تجد طريقة لتصل إليها وتتفحصها! مثل ماذا؟ "كُنت أتسلق خزانة والدي الحديدية وهي ثقيلة، وأجلس على سطحها! ومهما حاولوا ألا يخبروها ببعض المصاعب والقضايا التي تمر بها العائلة، أكتشفها وحدي وأعرفها، وأقدر أبعادها، وأشاركهم الحزن والتفكير، وكنت إجمالًا شخصية قوية ومقتدرة يُعتمد عليها".

 

ولهذا كان جدها علي الطنطاوي يقول دائمًا وأمام جميع أفراد العائلة: "عابدة ذكية جدًا، وعقلها أكبر من سنها وعمرها". وكان يقول لي من صغري مشجعًا: "لديك قدرات كثيرة يا بنتي، ويجب أن تستثمرينها". وكان في حضوره يوصي أمها وخالاتها بها، وفي غيبته، يرسل لأمها مكاتيب خاصة، يؤكد عليها فيها أن تعتني بي بشكل زائد، لأنه يُرجى منها خير كبير.

 

 القراءة وراثة ووِرد يومي

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
عابدة العظم وأخوتها برفقة جدها علي الطنطاوي

وفي حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم تقول عن أصولها الشامية: "أنا ابنة عائلة "العظم" وهي عائلة أرستقراطية، كانت بعض أفرادها ولاة للدولة العثمانية، ومنها خرج أحد رؤساء وزراء سورية، وكان جدي لوالدي "منذر العظم" طبيبًا شاطرًا يقصده الناس من الدول المجاورة، خاصة أنه كان أول من أدخل جهاز التصوير بالأشعة السينية للمنطقة العربية، وعائلة "العظم" معروفة بالغنى الفاحش، ولها أراضٍ وأملاك في كل أنحاء سورية وفي لبنان، واهتمت بالتعليم الأكاديمي والتفوق فيه، وكان والدي "فضيل" صيدليًا مشهورًا جدًا ومعروفًا يقصده الناس من كافة المحافظات، ومن لبنان والأردن، ووالدي رجل أمين، مؤمن تقي ورع وخلوق جدًا، وفي منتهى الرقي في تعامله، عاش حياته مكرمًا ولم يحتاج لأحد قط، بل كان يمشي هو في حاجة الناس ويخدمهم".

 

تردف: "أما أمي، فهي بيان بنت الشيخ علي الطنطاوي، وهي من عائلة معروفة بالدين والزهد، وعملت أستاذة بالجامعة. ونحن ثلاث بنات، أنا كبراهن، ورغم أن أعمارنا قريبة، إلا أني كنت أحمل مسؤوليتهن، فأوقظهن للمدرسة، وأشتري لهن بعض حاجاتهن، وأعينهن في قضاء أمورهن. ولما كبرنا أصبحت أختي الثانية الغالية "أروى" مستشارتي وصديقتي وتوأم روحي؛ لما تتمتع به من حكمة ورجاحة عقل ورقي بالتعامل. ولما نتشارك به من الأفكار والقيم، في حين بقيت أختي الثالثة العزيزة، وهي الصغرى، صغيرة بالنسبة لي مع أنها أمًا وجَدَّة)".

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
 

درست عابدة الابتدائية بدأت في مدرسة "ثانوية دمشق العربية"، وهي مدرسة كبيرة وعريقة، فيها كل المراحل الدراسية، وما لبثت أن ظهرت ميولها في المطالعة ولكن كيف؟ تُجيب: "كان جدي يحثنا على المطالعة، ويشوقنا لبعض الكتب بحديثه عنها، وكذلك معلماتنا في المدرسة، الجو كله كان ممتلئًا بالعلم والثقافة، فكنت أستجيب للتحفيز وأقرأ. في البداية، كنت أميل للقصص والألغاز أكثر، ثم ظهرت ميولي الطبية، وكم تمنيت لو كنت طبيبة، فهذا شغفي.

 

ومن خلال جلساتنا مع جدي أحببت الفقه جدًا، وبدأت القراءة فيه من قبل سن الحادية عشر، ثم صرتُ أُنّوِّع وأطالع بسائر الكتب والموضوعات". وأما عن أسلوبها في المطالعة، فإن لها استراتيجية متميزة إذ أنّها تُفضل القراءة في عدّة كتب معًا، بنفس الوقت، وتُنوِّع بمجالاتها، ومن طقوسها أنها جعلت لنفسها وِردًا يوميًا لا تتركه أبدًا.

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم: اختلاف مسارات الدراسة

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
عابدة برفقة أخوتها وجدها علي الطنطاوي في صغرهم

ما الحقبة التي تتمنين العودة إليها من صباكِ؟ "إنها الإعدادية كانت أجمل مرحلة في حياتي، عشت فيها أغنى أيامي وأسعدها، كانت لي معلمات متميزات، ورفيقات أكثر تميزًا، لقد كان العلم وقتها حقيقي، وفيها طرافة من البنات، ومواقف شتى تبعث على المرح، وتزيل الهم، وتثير العقل ليفكر. ومن المواقف المميزة حين أجرت المعلمة أول امتحان لنا في مادة الفيزياء في صف التاسع، وكانت نتيجة البنات سيئة جدًا، أفضلهن جاءت 70%، ثم التفتت إليّ فجأة وناولتني ورقتي، وقالت بصوت عال: "عابدة الوحيدة التي فهمت المادة، وأخذت العلامة التامة 100%، برافوا عابدة"، يومها طرت من الفرح، ولم أنسَ حلاوة تلك اللحظة".


اقرأ أيضًا: الشاعرة تسنيم عبد القادر: حروف تنسج نشيد الثورة


أما الثانوية التي تميزت بجديتها، فكانت ضيفتنا متفوقة خلالها في حصة التربية العسكرية؛ إذ كانت الوحيدة التي تُجيد تصويب الهدف، وأسرع واحدة في فك البارودة التشكية وتركيبها، ورغم ذلك فلم يكن مجموعها جيدًا في الثانوية العامة بسبب ظروف سورية عامةً، وظروف عابدة التي كانت مخطوبة حينها وتتحضر للزواج، ولكن ماذا عن اختيارها تخصص الأدب الانكليزي للدراسة في جامعة دمشق؟ "لم أختره، هو اختارني! إذ لم أكن أحب اللغة الأجنبية أبدًا، ولم أكن متفوقة فيها، ولكن شاء الله أن أحصل على علامة عالية فيها بامتحان البكالوريا، فأهلتني لدخول هذا الفرع".

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
 

وقد يبدو للمُطلع على مسار دراستها أنها زاوجت بين الأدب الانكليزي والعربي؛ إذ درست الأخير في جامعة الملك بن عبد العزيز في جدة، ولكن الأمر لم يكن كذلك حيث بدأت بالإنجليزي في دمشق، ولما انتقلوا للعيش في السعودية غيرت تخصصها إلى الأدب العربي، ثم حصلت على بكالوريوس آخر في الشريعة الإسلامية، ومنه إلى ماجستير في التخصص ذاته.

 

ما أكثر ما يميز الدراسة في جامعة الملك بن عبد العزيز؟ تُجيب: "قلة عدد الطالبات في تلك الفترة، في كل فروع الجامعة؛ مما جعلها بمثابة بيت لنا، وكانت مديرة الجامعة شخصية مميزة، فأعطتنا الكثير من الحرية، وإن اقتصار الجامعة على البنات، ووجود معلمات وطالبات من مختلف الجنسيات، وعدم الحجاب -داخل أسوار الجامعة- أضفى جوًا خاصًا ولذيذًا على الوضع العام، وبدأت أتعرف على الشعوب والقبائل، بل إني تعرفت على أهل بلدي من حلب وحمص في السعودية!".

 

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

 

فجأة، دون سابق إنذار، تبدلت حياة عابدة العظم وقُلبت رأسًا على عقب، بعدما كانت تعيش في أمنّة وأمان واستقرار وهناء في دمشق  التي قضت فيها أجمل أيام حياتها وطفولتها، وغرفت في سنواتها من زبدة العلم والمطالعة، وثمِلت من سحر العيش وسط الأهل والأقرباء والأحبة، كيف لا، وهي من جهة الأم حفيدة العلامة علي الطنطاوي، ومن جهة الأب سليلة عائلة العظم ذات الأصول العريقة، فانتقلت للعيش في جدة بالمملكة العربية السعودية، وأسست هناك حياة عامرة بالتميز والعمل الجاد.

في رحاب الطنطاوي

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

تقول: "كنا نعيش في دمشق بحبور وسرور، وكنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية، حتى جاء يوم الثلاثاء 17 آذار/مارس 1981، ذلك اليوم الذي قلب حياتي، فقد قُتلت خالتي التي تعيش في ألمانيا فجرًا"، وكانت صاعقة، وأول فاجعة أشهدها، وهذا الحدث بدل حياتي كلها، كما بدلت 11 آب/أيلول العالم، وكانت السبب لتركي بلدي الحبيب فجأة، حيث غادرنا إلى جدة للاطمئنان على جدي، ثم استقرينا فيها، ولم نعد بعدها لدمشق إلا كالضيوف!".

ولمّا أن كانت عابدة فتاة هُمامة، تلتقط العبر والعِظات وتتحمل المسؤوليات، لفتت انتباه جدها منذ صِغرها، وأخذت تستسقي من كفه علوم الدنيا والدين، تقول: "أكثر ما أخذته عنه الاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية، وعدم الحياء من الصلاة في أي مكان على الكرة الأرضية، وتعلمت منه ضرورة بر الوالدين، والحرص على رضاهما، وأن التوفيق من الله يكون بصلتهما، ولكنه علمني أيضًا أن التعامل ذاك يكون بتعاون الطرفين، ولو أن أحدهما امتنع عن التجاوب لتعسرت المسألة وتعقدت، فكرة عميقة صرت أنقلها للناس خلال كتاباتي واستشاراتي".

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

ومن المواقف معه التي أثرت فيها أنه طلب منها ذات يوم، قتل ذبابة، فتباطأت، فطارت، حينها قال لها الطنطاوي -رحمه الله- كلمة أصبحت دستورًا لحياتها: "يا بنتي احفظي هذا الدرس، واعرفي الفرصة ذبابة، ولو لم تستجيبِ فورًا، ذهبت". ومما لا شك فيه أنها أخذت حُب الفقه عنه، وهذا ما دفعها للتوجه لدراسة الشريعة الإسلامية في عام 2008، وأتبعته بماجستير شريعة من "جامعة بيروت الإسلامية"، في عام 2016، تخصص الفكر الإسلامي، وحملت رسالتها عنوان "أزمة الهوية".

وعن سبب عودتها لمقاعد الدراسة بعد 23 عام من الانقطاع، تُعلل: "في الحقيقة عودتي كانت مجاراة للواقع الذي لا يعترف إلا بالشهادات، ولا يُقيِّم الناس إلا بناء على الورق، ولا يعترف بالثقافة والقراءة، والجد والاجتهاد الخاص، فقررت أن أعود، لأجلهم! وكانت الصعوبة في إيجاد الجامعة المناسبة، وليس بالدراسة نفسها فالأخيرة كانت ممتعة وسلسة، وقد ثابرت على كتابة رسالتي التي حملت موضوعًا جديدًا وممتعًا وأنجزتها".

 كاتبة ماهرة

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
من مؤلفات الكاتبة عابدة العظم

إن لعابدة العظم اليوم 16 كتابًا تجدهم على رفوف المكتبات العربية والإسلامية، هي بمثابة منهاج تربوي وأخلاقي في الرقي بالفكر الإسلامي والاجتماعي، وتربية الأسرة والدفاع عن قضايا المرأة، ولديها كذلك المئات من المقالات المنشورة في مجلات وجرائد مواقع معتبرة ومشهورة؛ سعودية وكويتية وسورية، وغيرها مطبوعة وإلكترونية، فماذا كانت أولى مقالاتها؟

تقول: "أول مقالة نشرتها كانت تدافع عن المرأة المظلومة! فهذه قضيتي الرئيسية، والتربية شغفي، وبفضل الله، وبالقراءة الجادة أصبحت فيها متمرسة. ومن أهم المقالات التي نشرتها "كيف نحب أولادنا"، و"إياك والعقد النفسية"، وكلها تركز على أسس التربية، في محاولة مني لتسهيل عملية التربية، وجعلها سلسة وعملية".

إن الأساس الذي تعتمده عابدة دونًا عن الكثيرين غيرها في تأليف كتبها هو الإنصات لهموم العامة ومشكلاتهم؛ ولذلك تنوعت موضوعات كتبها وعناوينهم، تقول: "كل كتبي قريبة لنفسي وأحبها، لأني كتبتها من الواقع، ومما سمعته من معاناة الناس، وربما على رأسها "سنة التفاضل"، لأنه مكتوب بطريقة علمية، وينصر قضيتي الأساسية، وأيضًا كتابي "كيف نتقبل الناس"، لأنه يحدد لهم دستورًا واضحًا وميسرًا، وكتاب "لئلا يتمرد أولانا"، لأني جمعت فيه أصول التربية من 200 كتاب قرأتها، فأصبح يغني كل أم عن غيره".

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

تردف: "أستقي الموضوعات مما أقرأوه، فالقراءة تحرك عقلي وتساؤلاتي، ولا شك أن الاستشارات التي تأتيني تنور لي الطريق، وما أسمعه من قصص الناس، وخاصة معاناة النساء، وقضايا التربية". فيما يحفزها للكتابة شعورها بالمسؤولية، وبضرورة الخلافة بالأرض، وأن تترك من بعدها علمًا تكتسب أجر استمراره، ويُنتفع منه، كما تحفزها تعليقات الناس، تقول: "أنا أكتب لهم، وأستمد منهم الإلهام، وأستهدي بآرائهم، وأكون معهم بمشكلاتهم واقتراحاتهم وآلامهم وآمالهم".


اقرأ أيضًا: د. مريم صالح: بعض من حياة العلم والعطاء


وتبقى رسالتها لقرائها كما تحملها من أعماق قلبها: "رسالتي الأولى "الواقعية"، وإيجاد حلول عملية وفي متناول الجميع، ويمكن فهمها وتطبيقها بكل يُسر وسهولة، وتحل حقًا المشكلة أو تخفف منها، والأمر الثاني ربط الدين بالحياة، والتهوين على الناس، والثالث بيان حال الدنيا وطبيعتها الشاقة وأنها دار بلاء، لكيلا يغتروا بها، ولكن مع التخفيف والمساعدة لكي يتخطوا صعابها".

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم: ما خلف الكواليس

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
عابدة العظم وهي تمارس عملها كمقدمة برامج

ولم تكتفِ صاحبة المقالات العريضة والكتب النيرة بالكلمة لتكون سلاحها في التأثير، بل نقلها الحرف إلى التأثير بالصوت والصورة كذلك، فكيف كان ظهورها الإعلامي الأول ضيفةً ثم إعلامية رائدة؟

وفي حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم تُخبرنا: "لا شك أن الظهور الإعلامي نقلة نوعية، وله تأثير كبير على المتلقي، يفوق خطابه من وراء الكواليس، فكنت سعيدة حين جاءتني الفرصة الأولى".

وكان من أجمل "التصويرات" التي قدمتها العظم برنامج "رمضان في إسطنبول" على قناة trt التركية، تصفه قائلة: "كان التصوير حيًا على الهواء وقبل الغروب بقليل، وكان الطقس رائعًا، والمنظر خلابًا ولون البحر أخاذًا، والهواء عليلًا والموج رهيبًا، وفي هذه الأجواء، تم تصويره الحلقة على ضفاف البوسفور، ودعينا بعدها لتناول طعام الإفطار اللذيذ، مع كوكبة مميزة من السيدات ومقدم البرنامج المنشد يحيى حوا، لحظات لا يمكن أبدًا أن أنساها، وتركت في قلبي وعقلي أبلغ الأثر".

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

وكان أول برنامج إذاعي قدمته يحمل اسم "بيت بيوت"، وهو أسبوعي يبث على راديو "الكل"، وموضوعه نقد للأمثال الشعبية وبيان أثرها السلبي علينا. والثاني "مسائل اجتماعية"، وامتد ثلاث سنوات، وكان يبث في كل أسبوع حلقتان مختلفتان، على قناة سورية فضائية، وعُني بمعالجة ما تعاني منه الأسرة العربية من هموم ومشكلات. أما الثالث فكان "شموع" وكان يُعرض أسبوعيًا على قناة "دار الإيمان" الفضائية، وعُني بشؤون الأسرة والمرأة والطفولة، كما لديها الكثير من المداخلات التي لا تُعَد، ومشاركات واستضافات ببرامج متنوعة، وعلى فضائيات مختلفة؛ مصرية وليبية وسورية وسعودية وتركية وغيرها.


اقرأ أيضًا: أسيل أشهب: عندما "رُفِعتْ الجلسة" وصدَح صوتُ العود


كيف تبدو عابدة في كواليس التقديم؟ "هادئة ومبتسمة وسعيدة وطبيعة جدًا، فشخصيتي تلقائية، وبحمد الله ليس عندي رهاب الكاميرا، ويمكنني الخروج مباشرة على الهواء، فالكلام بالنسبة لي أمر يسير وعادي؛ وإنهم في بعض المرات فاجأوني واتصلوا بي لأكون ضيفة في إحدى الحلقات في نفس اليوم! ولا ضير عندي من المفاجآت، وإني إذا دعيت لأي برنامج، لا أطلب الاطلاع على المحاور، ولا الأسئلة! وغالبًا ما أسمعها لأول مرة بالاستديو، مثلي مثل المشاهدين! فأجيب عنها مباشرة بلا تحضير مسبق".

 عابدة الأم

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
صور عابدة العظم في لقاء تلفزيوني ثم مع جدها علي الطنطاوي ثم مع أبنائها

قبل أن تُكمل عابدة الخامسة عشر من عمرها كان القلب قد انعقد برباط مجاهد ديرانية، وهو ابن خالتها الذي سبق الجميع لخطبتها، فيما تم الزواج بعدها بأربعة سنوات وهو مهندس ويعمل في النشر والتوزيع، وكان لحفيدا الطنطاوي أثر في تكوين أسرة خُلقها الإسلام وروحها العمل الفاعل في بناء النفس والمجتمع.

تقول: "أنجبنا 5 أولاد صبيان، كبيرهم حارثة حاليًا في أميركا، يدرس الماجستير الثاني، وتخصصه اقتصاد وتسويق، ولديه ابن عمره 5 سنوات. والثاني سارية ويعمل بالتسويق، وهو بالأصل مهندس برمجيات، ولديه طفل عمره 4 سنوات. والثالث سنان مصور احترافي، ورسام قدير، ويعمل في مجاله ويبدع، والرابع كنان تخرج من جامعة "الأميرة سمية" في عمان، وتفوق، وتم تكريمه من الجهات الرسمية، ويعمل في شركة بالأردن، والخامس عباد يدرس الأدب الإنكليزي، وهو من أوائل المحررين في موسوعة ويكيبيديا، والمدير الرسمي لجناحها العربي في بلاد الشام".

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

إن أشهر عبارة تناقلها الإعلام عن عابدة المؤيد العظم الكاتبة والمؤلفة والإعلامية والمحاضرة الجامعية، قولها: "أعتبر الأمومة هي وظيفتي الأولى"، وتعقيبًا عليها تقول العظم: "الفكرة في هذه العبارة أن لأولادي الأولوية في حياتي لأنهم مسؤوليتي، وواجبي الذي كلفني الله به، وبالتالي لا يمكنني أن أفرط به، ولذا اخترت مهنة الكتابة، إذ وجدتها تبقيني إلى جانبهم، وبنفس الوقت تجعلني موجودة بالمجتمع الكبير فأقوم بدوري بالخلافة بالأرض ونفع الآخرين".

تردف: "أنا أعتز كثيرًا بكوني أنثى، وأشعر أن الله أعطاني الخيرين، أن أكون أمًا، فأجرب الحمل والولادة، وأيضًا في أن أعمل ما يعمله الرجال (حين عملت خارج البيت)، وبذلك أصبحت أفهم العالمين، مما نفعني في كتاباتي.

 في الانتظار.. نصير

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم
عابدة العظم أثناء تجهيزها لبرنامجها ثم صورتها مع الإعلامية إيمان عياد وخديجة بن قنة

جاءت قصة تعيينها لتكون أستاذة جامعية بالصدفة البحتة وعن طريق القضاء والقدر، تقول: "أنا لم أتقدم لأي عمل، ولم أرسل سيرتي الذاتية، وذات يوم كنت في عزاء ابن إحدى صديقاتي، ألقي كلمة صغيرة أواسي بها رفيقتي، حين رن هاتفي، وظهر رقم غريب، قلقت، فتوقفت واستأذنت، وإذا بمديرة فاضلة لإحدى المعاهد الشرعية في جدة تطلبني لتدريس مادة "التربية الإسلامية" بسبب خبرتي المميزة في هذا المجال، بحسب ما قالت، حَرِصتْ جدًا على إسناد هذه المادة لي بالذات".

تُعقِب: "كلماتها أسعدتني جدًا، كانت فرصة جميلة لي لأدخل هذا العالم، فشكرتها من كل قلبي، وبدأت التدريس، وكان اليوم الأول بالنسبة لي مقلقًا، فهذه أول مرة أقف بها للتدريس، شعرت بعظم المسؤولية، وخفت ألا أكون بحجمها، فلم أعرف كيف أبدأ؛ ولكن مر اليوم الأول بمنتهى السلاسة، لدرجة أن الطالبات استغربن أنها المرة الأولى لي! مما شجعني وسهل عملية اندماجي". ومن خلال التدريس بهذا المعهد عُرِفت، وطُلِبت للعمل في أربعة معاهد أخرى.

حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم

بعد هذه المسيرة الزاخرة بالرُقي والتميز، تطمح العظم بتغيير جذري وحقيقي في واقعنا المعاصر، بل لزلزال قوي يهز المعتقدات المخالفة للشرع، خاصة فيما يتعلق بالمرأة وقضاياها، كما تأمل أن تعيش كل فتاة بسلام وأمان مع رجل يحترمها ويقدر دورها بالحياة ويُعينها عليه، بدل أن يسخر من عاطفتها وحنوها ويعتبرها بذلك قاصرة، وتعلل هذا بقولها: "أتمنى كل ذلك لنُكِّون أسرًا مستقرة، بدل ما نراه من تفكك، وضياع للأولاد، وازدياد حالات الطلاق".


اقرأ أيضًا: نداء عزيز الدويك: ابنة الخليل الوفية


وفي نهاية حوار مع المفكرة عابدة مؤيد العظم تحمل كلمة لقراء قصتها تقول فيها: "كما رأيت كل شيء يحتاج لوقت، وقد يطول، فـ "الحياة دار انتظار"، ونحن دائمًا في ترقب وتشوق؛ ننتظر نتيجة الامتحان، وننتظر المريض ليبرؤ، وننتظر الغائب ليعود، فتعلمت أن أفعل شيئًا خلال الانتظار لأطور نفسي ولا أدع الوقت يضيع هدرًا، وهكذا صرت -ريثما تتحقق بُغيتي، ويصلني ما أنتظره- أحقق أهدافًا جديدة، كما عرفت أن كثيرًا من الأماني التي نصبو إليها لا تتحقق للأسف، ولكن العجيب أننا نحقق أماني لم تكن تخطر على بالنا، وننجح فيها!".