بنفسج

"أصابت امرأة وأخطأ عمر".. ولكن الرجل الشرقي لا يخطئ!

الأحد 28 مارس

من هنا تبدأ القصة التي تداولتها الكتب التي تروي أن عمر الفاروق -رضي الله عنه-، اعتلى ذات يوم المنبر ونهى الناس عن المغالاة في مهور النساء، وأمر ألا يتجاوز صداقهنّ الأربعمئة درهم، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: "يا أمير المؤمنين، أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟! أما سمعت الله يقول في القرآن: " وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مّبينا(20)"، النساء". فقال عمر: "أصابت امرأة، وأخطأ عمر".

هذا الأثر، على تخريجه الضعيف وتقطع سبل روايته من وجوه عدة، فإنه لا يتعارض مع ما جاء مثبتًا من جوابه: "كلّ النّاس أفقه من عمر"، و"إنّ امرأة خاصمت عمر، فخصمته"، لا يتعارض مع أنّ عمرَ أنصف مخاصمه، ولو كان امرأة! ولعل هذه المرأة بحد ذاتها، - أقول لعلها - قد سمعت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما صرخت ذات يوم بعد أن فرغ الجميع من آداء الصلاة: "أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه"، أنطقها حبّها للحق، وسنوات العشرة، وأبي العاص.

ثم نعرّج من الزمن الروحاني العظيم للصحابة إلى الواقع الأليم البعيد كل البعد عمّا للمرأة من حقوق، ضمنها لها الإسلام، واغتصبها المغرضون، إلى الحقيقة المزيفة، والأفواه المغلقة، والحقوق التي لا تُعرف ولا يُعرف بها، والفهم الأعوج للضلع الأعوج، والاستخدام السقيم الخاطئ لـ "ناقصات عقل ودين"، والفهم القاصر الذي يجعل من المرأة مجرد متاع وغرض لكبح النزوات، وإسكات الشهوات. لا حق له، ولا رأي، ولا عقل، ولا قوة، ولا قدرة على طلب العلم، والإنتاج، والبحث، والعمران، والخلافة في الأرض.

فهي هنا رهينة العادات والتقاليد المانعة من تعليمها، أو دخولها الجامعة، أو عملها -مع العلم أن هذه المشكلة قائمة حتى اليوم في كثير من المجتمعات-، بحجة أنها تشكل خطرًا محدقًا على دين الرجل، كأن الرجل الذي يتهمها بقصور عقلها، ويتشدق بكمال عقله.

ثم نتأمّل مليًا، الموازنة الخاطئة بين ما تعانيه المرأة في مجتمعها العربي، وما تعانيه في مجتمعات غربية، وكيف تقع بين ناري الطرفين. فهي هنا رهينة العادات والتقاليد المانعة من تعليمها، أو دخولها الجامعة، أو عملها -مع العلم أن هذه المشكلة قائمة حتى اليوم في كثير من المجتمعات-، بحجة أنها تشكل خطرًا محدقًا على دين الرجل، كأن الرجل الذي يتهمها بقصور عقلها، ويتشدق بكمال عقله، لا يمكنه مع ذلك التمييز بين الخطأ والصواب.

فإن خرجت بكل احتشامها وسترها، لا لكسب المال فقط، كما يعتقد الكثيرون، بل لترك بصمتها النافعة في مجالات عدة، وخدمة دينها ووطنها، جاءتها الاتهامات بتضييع العائلة وفساد الأولاد، والتقصير في حق الزوج، فإن شرحت لهم بفهم واضح مقاصد الدين، ومقاصد طموحاتها، وتفاهمها مع زوجها، نسبوها قصرًا إلى منظمات "النسوية".

وهي في المجتمع الغربي، تلك المعقدة، المتخلفة، الرجعية، الإرهابية، التي لا تتحكم في أمرها (ولو كانت تفعل)، والتي تستحم بالحجاب، وتنام به، والتي تشكل خطرًا على أولادهم. إن مردّ كل هذا يعود إلى إرهاصات كثيرة متراكمة، لعل أبرزها: الفهم الخاطئ لمقاصد الدين، الذي جاء مكرما للمرأة، وأمر بتعليمها، وإنصافها، وحرم وأدها، وبين حقوقها وواجباتها، كالرجل تمامًا. "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)"النحل.

لم يأت الإسلام بتفضيل الرجل على المرأة، ولم يشرع عقوبة الزنى على المرأة دون الرجل، ولم يأمر بقطع يد السارقة دون السارق، ولم يشرف الرجل بطلب العلم، والنساء بصَنعة "الجواري"!

إضافة إلى التأثير السلبي، لمجتمع ذكوري، يعذر الرجل إن أخطأ، لا لشيء، إلا لأنه رجل، ويدفن المرأة حية لأنها "مجلب الخزي والعار، والشرف المنحطّ". كما أننا - للأسف - لا نقرأ التاريخ، لأن الناظر فيه يفهم جيدًا، دور "عائشة الباعونية" التي أثنى عليها المؤرخون، وقال عنها "نجم الدين الغزي" في كتابه: "الباعونية أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان، فضلًا وعلمًا، وأدبًا، وشعرًا، وديانة، وصيانة".

و"مريم الإسطرلابية" التي عملت كفلكية في بلاط سيف الدولة واخترعت الإسطرلاب، وعالمة الرياضيات "سُتيتة" التي أثنى عليها العلماء فقالوا: "فاضلة، عالمة بالفقه، والفرائض، حاسبة من أهل بغداد". وغيرها كثير! لم يأت الإسلام بتفضيل الرجل على المرأة، ولم يشرع عقوبة الزنى على المرأة دون الرجل، ولم يأمر بقطع يد السارقة دون السارق، ولم يشرف الرجل بطلب العلم، والنساء بصَنعة "الجواري"!

غير أنّه المنظار الضيق لمجتمعاتنا التي تتستر على الرجل، وتتفنن في فضح المرأة. كما أنها القولبة، التي تفرض عليها المرور بمراحل معينة، محددة تحديدًا دقيقًا، إن خرجت عنها، أو خالفتها صبئت، وساء مصيرها!  فإذا فضلت أن تكمل دراستها، وتتأخر في الزواج حتى تجد شخصا تتفاهم معه، وتتبادل الأفكار، والأهداف، والمصير، وشراكة الحياة، لقبوها بالمسكينة، التي لم تتزوج، والتي تعاني كبتا، وعقدا نفسية!

 فإذا تزوج اثنان، وتأخر حملهما، لمرض ما، أو لأنهما قررا ذلك معًا، بما يتوافق مع ظروفهما، اتهموا المرأة بالعقر والقصور! فإذا قررت المرأة الطلاق من رجل، يهينها أو يضربها، ويشكل خطرًا على أطفالهما، وجهت إليها لعنات العالم أجمع، واتهمت في شرفها، ووضعت صوبها خانة حمراء، تمنعها - حسب رأيهم - من إعادة بناء حياتها، كأنهم المسؤولون عن حرية منحها لها المولى عزوجل.

 فإذا خانها زوجها، واشتكت من ذلك، وفضلت إنهاء العلاقة، لاموها، واتهموها بالتقصير، وطلبوا منها التزين لزوجها عن طريق استخدام دنيء للإهمال في المظهر، كتبرير للخيانة. في حين كان المفترض بالطرفين، معرفة الميثاق الغليظ الذي وقعوه معا، بدءا من أول ليلة بعد الزواج لهما معا. ذلك الذي لا يتأثر، بصعوبة، أو مظهر، أو مبررات واهية.

وهكذا، وفي كل موقف، يتم النظر للمرأة على أنها الحلقة الأضعف، ويتم الحكم عليها ومعاملتها بناء على هذا الحكم، ولا يسعني في غضون كل هذا سوى أن أستذكر قول ابن رشد: "يجب ألا نخدع بأن المرأة تبدو في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط، فما ذلك إلا لأن حالة العبودية التي أنشأنا عليها نساءنا أتلفت مواهبهن العظيمة".