بنفسج

القطار أم راكبوه؟ حديثنا القديم المستجد

الخميس 03 ديسمبر

الأسطورة الشهيرة لسيدات المجتمع القديم التي تدّعي أن هناك قطارًا للزواج يجب اللحاق به، وإلا فستتحول حياة الفتاة إلى جحيم مقيم! لا بأس في ظهور مثل تلك الأسطورة قديمًا، مثلها مثل باقي الأساطير التي لا نقتنع بها حقًا، ولكننا لا نقول ذلك مثل القطة السوداء التي تجلب الحظ السيء، أو الخرزة الزرقاء التي تجلب الحظ السعيد، وتُبعد الحسد.

لكن هذا الأمر غريب حقًا عندما نصدق على ذلك في عامنا هذا – والذي من المفترض أنه عهد تقدم ورُقي- ومن ثم نقنع به غيرنا كمحاولة لتخفيف وطأة ضغط بقايا المجتمع القديم. هل يوجد قطار حقًا؟ هل فاتنا أم مازال في الطريق؟ هل تخطيناه نحن بإرادتنا؟ أم أنه مر سريعًا ولم نلحق به؟

ربما لا يسمح لي سِني الصغير بالحديث عمن يكبروني عمرًا، ويعانون من النظرات السوداوية للمجتمع، بشأن تأخرهم في الزواج، ولكن في الحقيقة، هذا الأمر يقل بالعمر عامًا بعد عام، أصبحت الفتاة عندما تصل إلى العشرين من عمرها، تتفحصها نظرات المجتمع بنظرات ثاقبة ليدها اليمنى، بحثًا عن خاتم الزواج الذي سيجعلها تلحق بالقطار، في نظرهم، وعندما يجدون من ترتدي حقًا خاتم الزواج يقومون بالتهنئة، وكأنها وصلت لاختراع جديد لمرض غير معروف!

لستُ ممن يطلقون عليهم لقب "الفيمينست"، لا على الإطلاق، أنا أؤمن للغاية بوجود شريك الحياة المثالي الذي سيأتي يومًا ما، وستمتزج حياتنا معًا، وحينها ربما ألحق بالقطار المشهور حقًا، أؤمن بدفء المنزل والأولاد وبناءِ حياة مشرقة، وما إلى ذلك، ولكن ما لا أؤمن به بالتأكيد هو أن ألحق بالقطار مع أيٍ شخص كان، أو أن ألحق به لمجرد اللحاق به فقط، كي لا يفوتني.

 هناك من لحقن به بالفعل، واكتشفن مؤخرًا أنهن قد استقللن العربة الخاطئة، حيث لا مجال للرجوع إلى اليابسة مجددًا، ربما بالقفز فقط، وحينها سيحدث بالتأكيد ضررًا بالغًا، وقد رأينا ما رأينا من نماذج لهؤلاء كثيرة، أسرعوا في اللحاق ولم يفكروا بما داخل العربة، وهناك من هم في الدرجة الأولى، من أحسنوا الاختيار حقًا، وهناك من هم في آخر القطار، لا هم رأوا المقدمة ولا يستطيعون النزول.

بعض الفتيات يحصرن حياتهن بانتظار الشخص الذي سينقذهن مما هن فيه، لماذا؟ لا يعجبك وضعك الحالي؟ قومي أنتِ بتغييره فورًا! لن يأتي فارس على حصانه الأبيض ليحل لكِ مشاكلك الشخصية، هو فقط ربما يحملها معكِ، لا أقول إني لا أنتظر، أو لا أفكر بالأمر، أو أقوم بنشر دعوة للتمرد على الزواج المبكر، لا إطلاقًا، لكني أتمرد على جعل الشخص المنتظر، في نهاية المطاف، في حياة الفتاة، جعله الهدف الذي يجب الوصول إليه، ثم لا يهم ماذا يحدث بعد ذلك.

لا تختزلي الحياة في شخص واحد أو تجربة واحدة، الزواج، في نهاية المطاف، هو وسيلة فقط وليس غاية الهدف، هو شخص سيعينك على إتمام ما تحلمين به، سيشاركك لحظات فرحك وحزنك، لكن يجب أن تبني لنفسك صرحًا وأساسًا يمكنك تكملته معه بعد أن يأتي.

 لماذا لا تجعلين من انتظارك شيئَا جيدًا تفخرين به بعد ذلك؟ اصنعي لنفسك كيانًا، حتى لا تأتي بعد الزواج وتلقين باللوم على زوجك أنه لم يتركك تحققين أحلامك، لا أنتِ من فعلتِ ذلك عندما انتظرته ليحققها أو انتظرت بعد مجيئه! في هذا الوقت الذي تنتظرين فيه، قومي ببناء نفسك جيدًا، لا تختزلي الحياة في شخص واحد أو تجربة واحدة، الزواج، في نهاية المطاف هو وسيلة فقط وليس غاية الهدف، هو شخص سيعينك على إتمام ما تحلمين به، سيشاركك لحظات فرحك وحزنك، لكن يجب أن تبني لنفسك صرحًا، وأساسًا يمكنك تكملته معه بعد أن يأتي.

لا أن تقفي في المحطة شاردة من دون حركة بانتظار القطار الذي لا تعرفين موعده، قومي باقتناء ما تريدينه في الشخص الذي تنتظريه، لا تنتظري شيئًا وأنتِ لستِ عليه، لا تصدقي من يقول أن القطار قد فات، لا شيء يفوت، فأنا من وجهة نظري أن نلحق بالقطار متأخرين قليلًا خيرٌ من أن نلحق به مُبكرًا ثم نسقط من عليه ويدهسنا.

يجب أن تترسخ لدينا فكرة أن كل شيٍ بميعاد، كل أمر له وقت محدد، لا يجب استعجاله أو الوقوف فقط بانتظاره، سيأتي ما تريدين، ولكن انشغلي فقط بما تريدينه أنتِ الآن غير ذلك، السِن لا يحدد أي شيء في الحياة، لا زواج ولا تعليم ولا أي شيء، هناك من تزوجوا في سنٍ كبيرة ويعيشون أفضل حياة ممكنة، وهناك من تزوجوا مبكرًا ولم يحالفهم الحظ، لا قاعدة لهذا الأمر، ولا يجب تصديق من يُقر بغير ذلك، خيرُ مثال على ذلك هي قدوتنا، السيدة خديجة، سيدة قومها التي كانت تعمل بالتجارة، وتشتهر بها، لم تجلس فقط في البيت بانتظار من يأتي، إلا أن تزوجت بخير خلق الله أجمعين، وعمرها أربعون عامًا، هل يوجد اختيار أفضل من ذلك؟

فأنا أفَضِلُ أن أحتفظ بسلامي الداخلي واتساقي مع نفسي، وأن أبدو مجنونة، في نظر المجتمع ربما، أو متمردة، على أن أضيع حياتي فقط لأحصل على نظرة رضى من أناسٍ، لن يهتموا إذا انقلبت عليّ الموازين بعد ذلك وأسأت الاختيار. أختتم هذا بقولٍ أحبه للكاتب أحمد خيري العمري، صادفني في يوم ميلادي الثاني والعشرين، "ربما فاتنا القطار، ولكن ربما تأتي طائرة".