يبدو الشعور بالذنب وكأنه الشعور الذي يوحّد الأمهات على اختلافهن.
في رواية حليب أسود، تقول إليف شافاق: "للأمومة اسم مستعار أيضًا وهو الشعور بالذنب"، وفي موضع آخر، وبوصف آخر قيل عن اكتئاب ما بعد الولادة بأنه "اللص الذي يسرق الأمومة". وتقول إيمان مرسال في كتابها "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها": يبدو الشعور بالذنب وكأنه الشعور الذي يوحّد الأمهات على اختلافهن.
تلك المشاعر المضطربة التي تصيب الأمهات أحيانًا من بداية أشهر الحمل، حيث رحلة جديدة وتغييرات هرمونية وجسدية متتالية، تعصف بها داخليًا وخارجيًا، فتُحرم النساء من الفرح المتوقع بطفل رضيع جديد. وتظهر جليًا فى أعراض نفسية واضحة معبرة عن إشارات تنبيه لوجود الاكتئاب. حيث تشكّل مرحلة الحمل والولادة عبئًا نفسيًا وجسديًا مهمًا على صحة المرأة النفسية والعقلية والجسدية، ولا تقتصر آثاره على المرأة، بل تمتد آثاره لأسرتها- المولود والأب.
الوحش الصامت "اكتئاب مابعد الولادة"
فمن بين 4 ملايين ولادة في العام الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية، تصاب ما يقارب 520.000 إلى 760.000 امرأة بــ "اكتئاب ما بعد الولادة". وبناءً عليه، وتبعًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن (7-63)% من الأمهات يصبن باكتئاب ما بعد الولادة على مستوى العالم. وبتوضيح إحصائي آخر، فإن امرأة واحدة من كل 7 نساء معرضة للإصابة باختلالات في المزاج في فترة ما بعد الولادة نتيجة لتغيرات هرمونية بالدرجة الأولى، تليها تغيرات جسدية واجتماعية ونفسية. لهذا، علينا في المقام الأول، توضيح المفاهيم التي ترتبط بالصحة النفسية للأم في فترة ما بعد الولادة، والتي لا بد أنها ستمر بواحدة منهم على أقل تقدير
هنا يطرح دائمًا سؤال مهم ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟ وما أنواعه؟ وهل يُشفى منه؟ في البداية، لا بد من التأكيد أن الاضطرابات المزاجية التي تصيب المرأة في فترة ما بعد الولادة ليست واحدة، إنما تصنف لتصنيفات عديدة، تبعًا لمعايير مختلفة، منها توقيت ظهور تلك الأعراض وشدتها واختلاف المشاعر، والمدة التي تستمر بها هذه الأعراض عند المرأة. وتقسم هذه الاضطرابات المزاجية إلى 3 أنواع أساسية هي:
تبدأ الأعراض الآتية في الظهور مثل: القلق والتعاسة، الإرهاق، الحزن والبكاء. والتي تعاني منها العديد من النساء بعد الإنجاب ووضع المولود، وتستمر لفترة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين، ثم تزول من تلقاء نفسها، فهي لا تحتاج إلى علاج.
| أولًا: اكتئاب ما بعد الولادة/ أو كآبة النفاس: وهي حالة نفسية تمر بها الأم، وتتسم بمجموعة واسعة من الانفعالات والمشاعر المتخبطة والاضطرابات المزاجية، والتي لا تكون حادة في الغالب، إذ تتراوح بين البسيطة والمتوسطة. وتبدأ الأعراض الآتية في الظهور مثل: القلق والتعاسة، الإرهاق، الحزن والبكاء. والتي تعاني منها العديد من النساء بعد الإنجاب ووضع المولود، وتستمر لفترة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين، ثم تزول من تلقاء نفسها، فهي لا تحتاج إلى علاج.
اقرأ أيضًا: ولادات جديدة... آباء وأمهات خلف الكواليس
إن هذه الحالة طبيعية وهي نتيجة لوجود فرد جديد في العائلة بحاجة إلى العناية والرعاية بعد ميلاده فورًا، في الوقت التي تكون فيه الأم مرهقة ومتعبة، ولم تتجاوز بعد أثر الإنجاب وميلاد الطفل. لذلك يُنصح بإن تحصل الأم على القسط الكافي من الراحة والتغذية السليمة المتوازنة إضافة إلى عامل شديد الأهمية، وهو دعم وتقبل المحيطين بها لما تمر به ومساعدتها على الخروج من تلك الحالة النفسية بكلمات المساندة والدعم النفسية إضافة إلى المساعدة في شؤون الطفل والمنزل.
كثيرًا ما تنتهي حالة الكآبة وتبدأ الأم بالتعامل مع تلك المرحلة الجديدة التى تمر بها وتتكيف، ولكن في بعض الأحيان يتطور الأمر، فتمر بالنوع الثاني من تلك الاضطرابات المزاجية، وهو:
| ثانيًا: اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression): وهو أحد الفئات المَرضية لاضطراب الاكتئاب الرئيس، وهي الاضطرابات المزاجية، شائعة لدى النساء، ولكنها الأكثر خطورة؛ لأنها السبب في ارتفاع نسبة الأزمات النفسية عند النساء بعد الولادة، وحالات الوفاة. تتفاوت الأعراض بين النساء، والتي تستمر لأسبوعين وأكثر، مع التنويه إلى أن ظهور الأعراض قد تكون بعد عملية الإنجاب بشهر أو أكثر وحتى سنة، وليس بالضرورة مباشرةً، إلا أنه في الغالب تحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة.
اقرأ أيضًا: ميلاد جديد.. آباء منسيون
تشمل أعراض اكتئاب ما بعد الولادة: فقدان المتعة أو الاهتمام بالأشياء التي كانت تستمتع بها، بما فيها الرغبة الجنسية، وقلة الشهية للطعام أو الإفراط في تناوله على غير عادة الشعور بالقلق معظم أو طيلة الوقت، تردد نوبات الهلع، سرعة توارد الأفكار السلبية المرتبطة بإيذاء الذات أو الطفل الشعور بالذنب وانخفاض تقديرها للذات تصل لمرحلة جلد الذات بأنها هي السبب لما يحصل.
ولما آلت إليه الأمور التهيج المفرط أو الغضب أو الانفعال - وتقلبات المزاج الحزن والبكاء لفترات طويلة جدًا. في تلك الحالة لا بد من التوقف أمام الأعراض واستشارة المختصين للحصول على العلاج اللازم، سواء دوائيًا أو العلاج النفسي؛ فالذهاب إلى الطبيب النفسى ليس وصمًا، وإنما هو طوق النجاة الحقيقى لهذا الشعور الذى ينهش بجسد الأم ويجعلها فريسة لكل الأفكار التى تدور في رأسها، والتى قد تصل أحيانًا إلى ما هو أسوء.
| ثالثًا: ذهان ما بعد الولادة: وهو الأكثر صعوبة من سابقيه؛ إذ يتميز بظهور سريع للأعراض وتطورها بما فيها الأوهام والهلوسة والبارانويا (الشك وعدم الثقة)، محاولات إيذاء الذات أو المولود، والارتباك الشديد وفقدان الذاكرة، إضافة إلى الخوف من ألا تكون أمًا جيدة، الخوف من ترك الطفل وحيدًا، اليأس صعوبات في النوم تشمل عدم القدرة على النوم أو النوم لفترات طويلة، عدم الاهتمام بالطفل والأسرة والأصدقاء صعوبة التركيز أو تذكر التفاصيل أو اتخاذ القرارات، إذ يرتبط الاضطراب ارتباطًا عكسيًا بوظيفة المرأة، والعلاقات الزوجية والشخصية، وشكل التفاعل بين الأم والرضيع، والتطور الاجتماعي والسلوكي والمعرفي للأطفال.
يأتي الذُهان أيضًا كمشكلة نفسية مرافقة لاضطراب اكتئاب ما بعد الولادة في بعض الأحيان، والذي يرفع من خطورة الانتحار وقتل الأطفال (الرُضّع)؛ إذ يحدث ذلك في حوالي 1-5 ولادات من كل 1000 ولادة.
اكتئاب ما بعد الولادة: لماذا وكيف؟
تختلف كل إمراة عن الآخرى بالطبع عما تمر به من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة في تلك المرحلة، فقد تختبر إحداهن مشاعر وأعراض تختلف عن الأخرى، وتختلف البيئات والإمكانات وعوامل المساعدة إلا أن الذى تتساوى فيه جميع النساء هى تلك التغيرات الهرمونية التى تمر بها فى تلك المرحلة تختلف فى شدتها لكنها تحدث، وهي التي تُعد من أهم الأسباب التى تجعل النساء تمر بتلك المشاعر المضطربة، ابتداءً من الكآبة، مرورًا بالاكتئاب، وحتى إصابة بعضهن بذهان ما بعد الولادة.
اقرأ أيضًا: نهايات آمنة: تكامل الإدارة العلاجية
فقد وُجد أن انخفاض هرموني الإستروجين والبروجستيرون في الجسم من الأسباب التي تسبب اكتئاب ما بعد الولادة، إضافة أيضًا إلى بعض الهرمونات التى تفرزها الغدة الدرقية، والتي تنخفض أحيانًا في تلك المرحلة. لذلك يوصى الأطباء والمختصيين النفسيين بالاهتمام بالأم، وأولى تلك خطوات هي توعية الأم بكل مرحلة ستمر بها، وكيف تستطيع أن تتجاوز تلك المرحلة، وهي في أفضل صحة جسدية ونفسية
متى ينتهى اكتئاب ما بعد الولادة؟
متى نشفى من الإكتئاب؟ هل سيستمر هذا الشعور القاتل بداخلي؟
هذا السؤال الذى يتردد تقريبًا بشكل يومى فى كل أماكن دعم الأمهات: متى نشفى من الإكتئاب؟ هل سيستمر هذا الشعور القاتل بداخلي؟ هل سأعود لمشاعري الطبيعية؟ وتتعدد تجارب الأمهات فى الردود؛ فهناك تجارب تتحدث عن أسابيع وتجارب تخبر عن سنه أو أكثر، وتجارب أخرى كانت الحالة أكثر تعقيدًا واستمرت لسنوات عدة.
كل أم تحكى حكاية مختلفة بظروف وتفاصيل حياة مختلفة، لكن ما يجمعهن هو الوصف الدقيق لما يحدث على كل مستويات الاكتئاب، وكل الأنواع حتى وإن لم تتطلق عليه الكثيرات (اكتئاب ما بعد الولادة ) أو يعتبرنه حالة وستمر مثل ما مرت على كل النساء.
للمزيد من الأسئلة والإيضاحات حول الموضوع عبر منصة المحتوى، من هنا.