بنفسج

تحرير المرأة المسلمة بطابع غربي: تمكين حقيقي أم خدعة مبطنة؟

الأربعاء 22 مارس

يُقال أنّ ثمة يومًا عالميًا للحجاب - ورغم أنني لم أبحث كثيرًا عن جذور هذه الحملة التوعوية ولِمَ تمّ اختيار هذا اليوم بالذات - إلّا أنّه جعلني أرجع بالذاكرة لما عايشْتُه كامرأة مسلمة ترتدي الحجاب في الغربة. عندما وصلت إلى مدينة سيدني- أستراليا لأول مرة في عام 2016، التحقت ببرنامج الدراسة في الجامعة وخالطت مجموعة من الطلبة من جنسيات وخلفيّات ثقافية متعدّدة، وكثيرًا ما واجهت أسئلة عن الحجاب كنتُ أعدُّها سطحية وساذجة ومزعجة مثل: "هل تنامين وأنتِ ترتدين الحجاب؟ هل تستحمّين به؟ هل ترتدينه أمام زوجك؟"، وقد وصلت بعض الاستنتاجات إلى احتمالية وجود مرض معدي أو عُضال في رأسي، ولهذا، أُخفيه بحجابي.

عليّ الاعتراف بأنني كنتُ أحكم على من يسألني مثل هذه الأسئلة بالجهل، إلى أن قرّرت بأن أوحولها إلى حوار أوضّح من خلاله للسائل، الفكرة من ارتداء الحجاب، والقيَم الدينيّة والأخلاقية التي يجب أن تتوافق مع ارتداء المرأة للحجاب في الإسلام؛ وبذلك أعلّل لهم بأنّه ليس مجرّد قطعة قماش نلفّ بها رؤوسنا من مبدأ العادات والتقاليد، أو نُجبَر عليها تحت تأثير الضغط المجتمعي "كنساء مضطهدات" كما يروّج الإعلام الغربي عن المرأة المسلمة بأنها "تابعة بكل شؤونها وقراراتها لسطوة الرجل الشرقي"، والتي أرى أنّها المنطلق الذي تستمدّ من خلاله بعض حركات تحرير المرأة حُجَّتها للتدخُّل في نسيج الأُسرة في العالم العربي والإسلامي حاليًا.

| نموذج مختلف!

وغالبًا ما كنتُ أُدافع عن الإسلام من تُهمة اضطهاد المرأة التي ألصقها الغرب، وتبِعات الإسلاموفوبيا. وأوضّح لهم بأنّ الإسلام كمنهج حياة ودين حفظ حقوق المرأة، وكرّمها وبأنّ التحريم الوارد فيما يتعلّق باللّباس والاختلاط والجِنس وغيره هو تحريم قائم على ضوابط شرعيّة منظِّمة للحياة، وليس تحريمًا قائمًا على المنع والإجبار وقمع للحريّات.
 
أناقش البعض بمبدأ القياس، فأقولُ لهم بأنّ نسبة النساء اللواتي تعرّضنَ لشتّى أنواع العنف في العالم الغربي كبيرة جدًا تظهر جليًّا في إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فهل نستطيع أن نقول بأنّ كلّ نساء الغرب مضطهدات؟

وقد كانت بعض هذه الحوارات حسّاسة، وفيها امتهان واضح، ونظرات شفقة للمرأة المسلمة كنتُ أستشفِّها من عباراتهم، ويظهر ذلك جليًّا حين أخبرهم عن أمور شخصية بسيطة، فأواجه نظرات انبهار وعبارات إطراء مبتذلة من الزميلات والزملاء الأجانب لكوني على حدِّ قولهم "امرأة مُحجّبة، وطالبة دراسات عليا، وأُم لم تتجاوز عقدها الثاني من العمر، وأخصائية علاج وظيفي ولديّ رخصة قيادة السيارة" - في إشارة غير مباشرة لقانون منع المرأة من القيادة سابقًا في السعودية، والذي يعتقدون أنّه نافذ في بلدي الأردن وباقي الدول العربية - ثمّ يصفونني بأنّني "نموذج مختلف" عمّا يطّلعون عليه ويقرؤونه.

وفيما يخص تهميش واضطهاد المرأة المسلمة التي أقلّ ما يصوّرها لهم الإعلام الغربي بأنها الزوجة التي لا تأكل الطعام إلّا حين يفرغ زوجها من الأكل، ويغادر المائدة، فتأكل وأولادها ما تبقّى من طعام. وأقصد بذلك، بأنّهم يشعرون بالحاجة للتصفيق بحرارة للمرأة المسلمة حين تقوم بأمور عادية، مثل: الدراسة أو العمل أو النجاح في مشروعها الخاص، لأنها بذلك تخرج عن تصوّرهم النمطي والتأطيري لها "كامرأة مضطهدة ومغلوب على أمرها".

وغالبًا ما كنتُ أُدافع عن الإسلام من تُهمة اضطهاد المرأة التي ألصقها الغرب، وتبِعات الإسلاموفوبيا. وأوضّح لهم بأنّ الإسلام كمنهج حياة ودين حفظ حقوق المرأة، وكرّمها وبأنّ التحريم الوارد فيما يتعلّق باللّباس والاختلاط والجِنس وغيره هو تحريم قائم على ضوابط شرعيّة منظِّمة للحياة، وليس تحريمًا قائمًا على المنع والإجبار وقمع للحريّات، وهذا شأن كل مَن آمن بهذا الدِّين واستنبط الحِكَم من ضوابطه واختار أن يلتزم بتعاليمه.

هل نستطيع أن نقول بأنّ كلّ نساء الغرب مضطهدات؟ أم أنّ الغرض هو نسب الاضطهاد إلى الدين الإسلامي بأي شكل من الأشكال؟ أنْ تُصنَّف جميع النساء في العالم العربي والنساء المسلمات بشكل خاص على أنهنّ مضطهدات، وهذا أمر يرفضه العقل قبل الواقع!

وكنتُ أيضًا أناقش البعض بمبدأ القياس، فأقولُ لهم بأنّ نسبة النساء اللواتي تعرّضنَ لشتّى أنواع العنف في العالم الغربي كبيرة جدًا تظهر جليًّا في إحصائيات منظمة الصحة العالمية [1]، فهل نستطيع أن نقول بأنّ كلّ نساء الغرب مضطهدات؟ أم أنّ الغرض هو نسب الاضطهاد إلى الدين الإسلامي بأي شكل من الأشكال؟ أنْ تُصنَّف جميع النساء في العالم العربي والنساء المسلمات بشكل خاص على أنهنّ مضطهدات، وهذا أمر يرفضه العقل قبل الواقع!

وقد أدرجتُ ما سبق للحديث عن أهمية إيمان المرأة المسلمة بنفسها واعتزازها بهويّتها الدينيّة في ظلّ الهيمنة الغربيّة على الفِكر؛ إذ نرى اليوم حركات تحرير المرأة العربيّة بشكل عام، والمرأة المسلمة بشكل خاص، بدأت تأخذ منحنىً بات يُنذر بالخطر، ومبادرات إعلامية موجَّهة تقوم بتسليط الضوء على قضايا جدَليّة مثل الدعوة إلى خلع الحجاب، والإلحاد، والترويج للتسليع الجِنسي للمرأة، والامتناع عن الزواج لمجرّد تقمُّص فكرة التحدّي والخروج عن المألوف، متدثّرين بستارة تعزيز الاستقلالية والحريّة الفرديّة، فظهرت مصطلحات برّاقة خلف هذه الكواليس مثل "المرأة القوية المستقلّة - The strong independent women" المُستمَدّة من ثورة تحرير المرأة الغربيّة ونزعة النسويّة التي تعود جذورُها إلى ستينات القرن المنصرم، والتي ربطت قيمة المرأة باستقلاليّتها المادّية والمطالبة بمساواتها بالرجل، كردّة فعل قوية على مظاهر الظلم والمهانة التي خضعت لها المرأة الغربيّة قديمًا في أوروبا [2].

| خدعة مبطنة!

نمط الحياة الغربيّة الذي يُدير بفلسفته حركات تحرير المرأة، بدأ ينخر في قوام الأسرة العربيّة ويهدم ضمنيًا بعض الروابط العائلية؛ إذ يوحي للمرأة  بأنّ عليها الاعتماد كليًّا على نفسها، ويحثُّها على الخروج عن نطاق العائلة لتحقيق الاستقلالية بمفهوم سلبي وعدائي وناقم، ويجعلها تتوق إلى دخول عالم المنافسة  والنِدّيّة مع الرجل بغية إثبات نفسها.
 
 كما أنّه يدفع بعض النساء إلى الشعور بالنقص والخجل حين تكون ربّة منزل أو مربيّة أجيال، ففي هذا السباق النِّدّي يجعلها تظنّ بأنّها غير مُنتِجة أو مؤثّرة في المجتمع حين تتفرّغ لأطفالها.

ولذلك، علينا نحنُ النساء العربيات والمسلمات أن نسأل أنفُسنا ونفكّر مليًّا فيما إذا كانت حركات ومظاهر تحرير المرأة المُسوَّق لها حاليًا خدعة مبطّنة لتفكيك روابط الأسرة العربية، وزعزعة للمفاهيم والرواسخ الدينيّة أم تمكين حقيقي؟ وحتى ننجح في التفريق أظنّ أنّنا مُخوّلات بتعميق النظر فيما يلي:

| التفريق بين المُسلّمات والثوابت الدينيّة الصحيحة والمعتقدات المجتمعية:

الكثير من الأمور في بلادنا العربية اختلطت بين الدِّين والموروثات الشعبيّة والتقاليد المجتمعيّة، فتلاشت الفروقات بين مفهومي "الحرام والعيب"، ومثال ذلك، أنّ الدّين الحنيف حلّل الطلاق في حال انعدام القدرة على الإصلاح بين الزوجين، إلّا أنّ المجتمعات العربية، للأسف، ما زالت ترمق المرأة المطلّقة بنظرة تشين بها من منظور ذُكوري بَحْت، يعيب ذلك على المرأة ولا يعيبه على الرجل، والواقع أنّه لا يوجد أيّ حُرمة في ذلك على أيٍّ منهما من منظور الإسلام.

ومثال آخر على العُقَد المُجتمعيّة، وهو إجبار الفتاة على الزواج من مُغتصِبها لتصبح ضحية لجريمتين قبيحتين في آنٍ واحد، على الرغم من أنّ الدين يُعطي المرأة حق اختيار شريك الحياة بكامل رضاها وينبذ إكراهها على ذلك، ويُقيم عقوبة الحدّ على من تعدّى عليها. ولذا، يكمُن دور المرأة منّا - نحنُ الأجيال المُعاصرة - في تعزيز ثقتها بنفسها لمجابهة مثل هذه المُلابسات المجتمعيّة ودحضِها بما هو ثابت وراسخ من تعاليم الإسلام، وبذلك نكون قادرين على تمكين المرأة وتحريرها من ثقافة العيب المجتمعية بالإسلام نفسه، وليس تِبعًا لحركات تحرير مُشكِّكة به!

| الحفاظ على تكامل الأدوار بين المرأة والرجل وتلاحم النسيج الأسري:

أرى أنّ نمط الحياة الغربيّة الذي يُدير بفلسفته حركات تحرير المرأة، بدأ ينخر في قوام الأسرة العربيّة ويهدم ضمنيًا بعض الروابط العائلية؛ إذ يوحي للمرأة في العالم العربي بأنّ عليها الاعتماد كليًّا على نفسها، ويحثُّها على الخروج عن نطاق العائلة لتحقيق الاستقلالية بمفهوم سلبي وعدائي وناقم، يُنحّي الرجل كأب أو أخ أو زوج جانبًا، ويجعلها تتوق إلى دخول عالم المنافسة والمقارنة والنِدّيّة مع الرجل في سبيل إثبات نفسها، كما أنّه يدفع بعض النساء إلى الشعور بالنقص والخجل حين تكون ربّة منزل أو مربيّة أجيال، على الرغم من أنّ الأمومة والتربية من أسمى وأعظم مسؤوليات المرأة، إلّا أنّ هذا السباق النِّدّي يجعلها تظنّ بأنّها غير مُنتِجة أو مؤثّرة في المجتمع حين تتفرّغ لأطفالها.

ولهذا، علينا رفع الوعي بضرورة الحفاظ على عِماد الأسرة العربية وروابطها الوثيقة من خلال إدراك وتفعيل مفهوم تكامل الأدوار بين المرأة والرجل، بالأخصّ وبين جميع أفراد العائلة ككُلّ؛ فعمل المرأة وقدرتها على إثبات نفسها وإنتاجيّتها داخل أو خارج المنزل، لا يجب أن يصنع منها فرد منافِس للرجل، وإنّما مُكمِّل ومرتبط بدور الآخر، وداعم له.

| السعي نحو العلم والعمل وتحقيق الذات:

عزيزتي المرأة المسلمة ابحثي عن شغفك بشغف، واستزيدي من بُحور العلم اللامتناهية، تبنّي رسالة هادفة في حياتك وفي جميع الأدوار التي تقومين بها، فلا حُجّة للجهل في زمن يُوفِّر لكِ المعلومة بنقرة زر، وازني بين الأمور بحكمة وتمسّكي بما هو نافع ونفيس من القِيَم.
 
تخلّصي ممّا يُمليهِ عليكِ المجتمع من تقاليد لا تمُتّ إلى الدين بصلة بادري بالترفُّع عن سذاجات العصر، نافسي وتحدّي نفسكِ  لا غيرك  في كلِّ عام لتكوني أفضل وأجدر وأكفأ.

في ظلّ غزو التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للقرن الحادي والعشرين، أصبحت المرأة المسلمة تتخبّط بين الرغبة في مُجاراة مُتَع العصر والحفاظ على القِيَم والرواسخ الدينيّة. وحتى لا تنجرف المرأة المسلمة إلى توافه وترهات العالم الافتراضي التي أصبحت لا تُطاق حقًّا، أرى أنّ التمكين الحقيقي لها يبدأ من إيمانها بنفسها وتوجُّهها نحو العِلم والعمل وتحقيق الذات، مع الحفاظ على الثوابت الدينيّة، وليس الالتفاف عليها أو تركها أو استبدالها بثقافات غربيّة؛ فالانتقال إلى قطيع آخر هو مجرّد تقليد أعمى دون وعي مُحكَم أو إدراك فعلي.

لذا - عزيزتي المرأة المسلمة - ابحثي عن شغفك بشغف، واستزيدي من بُحور العلم اللامتناهية، تبنّي رسالة هادفة في حياتك وفي جميع الأدوار التي تقومين بها، اقرئي وابحثي واستدلّي وحلّلي واستقصي، فلا حُجّة للجهل في زمن يُوفِّر لكِ المعلومة بنقرة زر، وازني بين الأمور بحكمة وتمسّكي بما هو نافع ونفيس من القِيَم، وتخلّصي ممّا يُمليهِ عليكِ المجتمع من تقاليد لا تمُتّ إلى الدين بصلة، بادري بالترفُّع عن سذاجات العصر، نافسي وتحدّي نفسكِ - لا غيرك - في كلِّ عام لتكوني أفضل وأجدر وأكفأ، لا على حساب غيرك، بل بجهدك ومثابرتك وتعبك، وكوني فخورة بدينك وقِيَمك وإنجازاتك؛ فالتمكين الحقيقي يكون باعتزاز المرأة المسلمة بهويّتها، وليس من خلال حركات تحرير غربيّة دخيلة.


| مصادر ومراجع

 Violence against women   [] 

1963: the beginning of the feminist movement[2]