بنفسج

الاعتذار: حل لمشكلة أم بداية لأخرى؟

السبت 23 سبتمبر

الاعتذار في الإسلام
الاعتذار في الإسلام

هل وقعت يومًا في مأزق ووجدت نفسك تعتذر بصورة روتينية للخروج من المشكلة عبر التمتمة بـ "آسف"، الكلمة السحرية الأسرع في حل المشكلات وإعادة الهدوء للأجواء، يا تُرى هل يشبه هذا الموقف شيئًا من مواقف الطفولة؟ يتعاطف كثيرون مع الأشخاص مهما عظم ذنبهم أو خطؤهم بمجرد أن يقولوا "آسف"، ولكن هل كل الاعتذارات جميلة وفي مكانها؟ في حال قالها الشخص عن شعور بالذنب والتأكد من الخطأ محاولًا في قولها إصلاح ما أفسد، فهنا وقع الخلق في مكانه وأخذ مقامه، وهذا هو المعنى الحقيقي لمعنى الاعتذار في الإسلام، ولكن هناك من يقولها بشكل زائف طمعًا في قضاء حاجات، أو إنهاء النقاش، أو الخروج من المأزق.

| ببساطة "آسف"

يقول عالم اللغة إدوين باتيستيلا، أستاذ علم اللغة في جامعة جنوب أوريغون، ومؤلف كتاب "آسف حول ذلك: لغة اعتذار عام"، قد يقدم الأشخاص اعتذارًا يحتوي على تبريرات أو تحويل اللوم مثل "أعتذر لأن فريقي قد ارتكبوا الخطأ"، أو قد يتضمن اعتذارهم لغة مشروطة، والتي تحول التركيز إلى الشخص المتضرر "أنا آسف إذا تعرضت للإهانة"، أو قد تكون غامضة، أو خاطفة ولا معنى لها "أنا آسف لما حدث"، وكثير منها لا يعني بالضرورة ندم مقدم الاعتذار أو إحساسه بالذنب. وبالتالي، فإن الاعتذار الحقيقي، سواء كان الشخص الذي يقدمه بالغًا أم طفلًا، يحتاج إلى إقرار بارتكاب الخطأ إن لم يكن بالكلمات.

يقول عالم اللغة إدوين باتيستيلا، أستاذ علم اللغة في جامعة جنوب أوريغون، ومؤلف كتاب "آسف حول ذلك: لغة اعتذار عام"، قد يقدم الأشخاص اعتذارًا يحتوي على تبريرات أو تحويل اللوم مثل "أعتذر لأن فريقي قد ارتكبوا الخطأ"، أو قد يتضمن اعتذارهم لغة مشروطة، والتي تحول التركيز إلى الشخص المتضرر "أنا آسف إذا تعرضت للإهانة"، أو قد تكون غامضة، أو خاطفة ولا معنى لها "أنا آسف لما حدث"، وكثير منها لا يعني بالضرورة ندم مقدم الاعتذار أو إحساسه بالذنب.(1)

وبالتالي، فإن الاعتذار الحقيقي، سواء كان الشخص الذي يقدمه بالغًا أم طفلًا، يحتاج إلى إقرار بارتكاب الخطأ إن لم يكن بالكلمات، فعبر السلوك العام في الأيام القادمة، وهذا ما يمكن أن يكون صعبًا، أحيانًا، لعدة أسباب يمكن أن يشعر الظالم بالخجل، أو يخشى التداعيات، أو لربما لأنه نرجسي، أو لأنه أقدم على سلوكه السيء لأنه صحيح من وجهة نظره، والأسوأ أنه نشأ منذ الصغر في ظل أبوين لطالما أجبروه على الاعتذار حتى بات مكروهًا له. (2)

يضرب الشقيق شقيقه، فتسارع الأم لهما، وبسرعة تطلب من الذي أقدم على الضرب أن يقدم اعتذاره لشقيقه، هي ترى أن ضرب الأشقاء لبعضهم بعضًا تصرف سيء على أي حال، ومهما كان السبب، لا يجوز لأحدهم أن يضرب الآخر، ولكن، هل يعي طفلها الذي قدم الاعتذار تداعيات هذا الأمر، وهل حاولت الأم أن تفهم المشكلة لتحل النزاع بشكل صحيح ليكون الاعتذار نابعًا من فهم وشعور حقيقي بالذنب؟

| طفلك وثقافة الاعتذار

 
قال كاريغ سميث، الباحث بجامعة ميتشجان: "يجب التأكد من أن الطفل يعي تمامًا سبب شعور الشخص الذي تصرف معه بشكل سيء بالاستياء منه، كذلك التأكد من استعداده لقول أنا آسف عن قناعة وفهم، حيث إن إجبار الطفل على الاعتذار يعطي نتائج عكسية".(4) كما يرى الباحث أن هناك طرقًا عديدة للاعتذار، فأحيانًا يسعى الطفل المخطئ إلى تقديم تعويض بالأفعال، وفي بعض الأحيان، يكون ذلك أكثر قوة من الكلمات.

في دراسة نفسية حديثة نشرها موقع «برايت سايد» الأمريكي المتخصص فى الدراسات النفسية والأسرية، تقول إنه من المهم جدًا أن يتعلم الطفل ثقافة الاعتذار، ولكن إجباره على الأمر يولد مشاكلَ في السلوك مستقبلًا لدى الطفل، حيث يرى خبراء علم النفس أن الأطفال قبل دخول المدرسة يفرقون بين الاعتذار الصادق والإجبار على الاعتذار، وفي الحالة الثانية لا يكون الأمر إيجابيًا وجيدًا لمشاعر الطفل، ويصبح المعتذر بدوره لا يحترم إحساس الآخرين، لكنه يسعى فقط للهرب من الخلافات السلبية. (3)

قال كاريغ سميث، الباحث بجامعة ميتشجان: "يجب التأكد من أن الطفل يعي تمامًا سبب شعور الشخص الذي تصرف معه بشكل سيء بالاستياء منه، كذلك التأكد من استعداده لقول أنا آسف عن قناعة وفهم، حيث إن إجبار الطفل على الاعتذار يعطي نتائج عكسية".(4) كما يرى الباحث أن هناك طرقًا عديدة للاعتذار، فأحيانًا يسعى الطفل المخطئ إلى تقديم تعويض بالأفعال، وفي بعض الأحيان، يكون ذلك أكثر قوة من الكلمات". (4) وبالحديث عن المشاكل التي قد تنتج عن إجبار الطفل على الاعتذار، فيمكن تلخيصها كالآتي (5):

| تعزيز الكذب: بشكل أو بآخر، دفع الطفل للاعتذار دون إدراك تام منه أو رضا واندفاع ذاتي نحو الاعتذار، يعزز صفة الكذب لدى الطفل في التعبير عن مشاعره وفي أقواله، فهو أظهر الندم الذي تماهى به لا أكثر ليخرج من المأزق دون صدق حقيقي في مشاعره وأقواله، وهذا ما يعترض مع مفهوم الاعتذار في الإسلام.

 
| تأرجح الثقة: يؤثر إجبار الطفل على الاعتذار على ثقة الطفل بنفسه ومشاعره، لأنه أُجبر على تقديم الاعتذار دون رغبة منه، وهذا بدوره يضعه موضع تناقض بين ما يقوله وما يشعر به.
 
| تقليل إحساسه بالمسؤولية: في الوقت الذي يحاول فيه الأهل أن يغرسوا قيمة عظيمة في الطفل، وهي الاعتذار عن السلوك السيء عبر إجبار الطفل على الاعتذار، زرعوا سلوكًا سيئًا إضافيًا لديه وليس جيدًا، فالطفل بهذا الشكل يتعلم أمرًا واحدًا في ما يخص الاعتذار، وهو أنه الطريقة الأسرع والأسهل لتملص من المشاكل والهموم مما يقلل إحساسه بالمسؤولية.

| عدم احترام الآخر: سلوك سيء آخر ينشأ في الطفل عند إجباره على الاعتذار وهو عدم احترام الآخرين ووضع كل شخص في موضعه، حيث إن الاعتذار هو إبداء الندم على تصرف سيء تجاه شخص ما حبًا واحترامًا له، وبهذا الاعتذار بدون رضا وقناعة يجعل قيمة الناس سواء في نفس مقدم الاعتذار دون رغبة.

| الحقد الدفين: الأسوء من عدم الاحترام هي زرع الضغينة والكره والبغضاء بين الطفل، ومن ثم توجيه الاعتذار له، فالأهل أحيانًا قد يجبرون الطفل على تقديم الاعتذار دون فهم حيثيات المشكلة تمامًا أو لفرق السن بين الطفل ومن يقدم له الاعتذار، فيصبح هناك مشاعر سلبية تصل إلى الكره والحقد تظل دفينة في الطفل حتى بعد أن يكبر لأنه تعرض لموقف لم ينصفه، بل وأُجبر فيه على الاعتذار أيضًا.

 

لكن ماذا قال الإسلام عن الاعتذار؟

الله تعالى لم يصف المتقين بأنهم معصومون، إنما وصفهم بأنهم أقوامٌ يرتكبون الأخطاء، لكنهم لا يجدون طريق الاعتذار ولا يعترفون بها، ثم يدفعون هذه الأخطاء بالأفعال الصالحة، فهذا وجه من وجه الاعتذار في الإسلام، قال تعالى يَصفُهم في سورة القصص: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}.

 

ولقد قص الله علينا قصة آدم وحواء في الجنة، لنتعلم منهما فقه الاعتذار ومراغمة الشيطان؛ فلما أخطأ أبونا آدم وأخطأت أمنا حواء، لم يتبجحا ولم يستكبرا، إنما تعلما من الله معنى التوبة، وطريق الاعتذار، نعم لقد تلقيا من الله كلمات ميسورة الألفاظ، لكنها عميقة النتائج: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 37).

 

يقول الرازي: لقد اختلفوا في تلك الكلمات ما هي؟ والأَولى هي قوله: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 23). فإذا كان القدَر قد سبق بالمغفرة لآدم، فلِمَ طلب الله منه الاعتذار؟ إنه أدبٌ وتعليم وتدريبٌ، أدب الحياء من الله والتواضع عند الخطأ، وتعليم لفقه الاعتذار، وتدريبٌ على الاعتراف بالذنب والتوبة.

| كيف أزرع ثقافة الاعتذار في طفلي دون إجبار؟

| تحدث بالعواطف: عندما تطلب من الطفل الاعتذار قدم له لمحة مسبقة عن الشخص الذي أساء التصرف في حقه، عزز لديه مشاعر التعاطف والمودة والتراحم والحب، مثلًا إذا كان طفلك قد ضرب أخاه الأصغر منه.
 
 أخبره أنه صغير وضعيف لا يستطيع أن يدافع عنه نفسه، كما أنه يحبك ويراك مثله الأعلى وستكون أنت سنده ودرعه الحامي غدًا، لقد سببت له الأذى وهو يشعر بالحزن الآن، عليك تقديم الاعتذار له، وأن تكون عطوفًا عليه وتعامله بحب فهو يستحق ذلك منك.

| فهم المشكلة أولًا: عن ماذا يجب أن يعتذر؟ على الآباء فهم المشكلة بشكل تام قبل إجبار الطفل على الاعتذار مهما كان فرق السن أو المكانة بين الطفل والطرف الآخر.

اعتذر أولًا: يرى بعض الآباء والأمهات أنهم أعز من أن يعتذروا لأطفالهم عندما يخطئون في حين أن الطفل يتعلم بشكل أكبر عبر مشاهدة أفعال القدوة الأولى في حياته وهم والداه لذلك علمه الاعتذار عبر تقديمه وقت الخطأ.

| لماذا نعتذر: اجلس مع طفلك وحدثه عن الاعتذار عبر قصص وحكايات تعزز قيمة الاعتذار لديه، واربط الموضوع بمعنى الاعتذار في الإسلام، وعلمه ماهية الاعتذار وكيف نقدمه ومتى وكيف.

 

 


| المراجع

[1] Battistella, Edwin L. Sorry about that: The language of public apology. OUP Us, 2014.‏

[2] Rifkin, Rachael. 2020. "Here's What Works Way Better Than Forcing Your Kid To Say Sorry". Today's Parent.

[3] "Why Asking A Little Kid To Say, “I’M Sorry” Can Be Wrong, And What They Should Say Instead". 2021. Bright Side. https://brightside.me/inspiration-family-and-kids/why-asking-a-little-kid-to-say-im-sorry-can-be-wrong-and-what-they-should-say-instead-796117/.

[4] Smith, Craig E., Deborah Anderson, and Anna Straussberger. "Say you're sorry: Children distinguish between willingly given and coerced expressions of remorse." Merrill-Palmer Quarterly 64.2 (2018): 275-308.‏

[5] Kittie Butcher, Michigan State University Extension, and Janet Pletcher Forced apologies can negatively impact childhood development, Lansing Community College - December 6, 2012