كانت أمي تقول لي دومًا: "الحمد لله إنه أولادي كبروا وصاروا يعتمدون ع أنفسهم وجاء وقت راحتي". لأرد على كلامها: "غدًا يأتي الأحفاد ونرى ماذا تصنعين". فترد بلا مبالاة: "لا أظن، لقد أعطيت كل الحنان لأولادي، ولا أعلم إن كنت سأطيق الأطفال وعناءهم بعد الآن". أمي حقًا لم تكن على علاقة قوية بالأطفال، فهي ليست من هواة حمل وتقبيل الأطفال واللعب معهم، لذلك كان حواري السابق معها قابلًا للتصديق 100%، ولكن!
جاء حفيد العائلة الأول ليلغي المثل القائل: "ما أعز من الولد إلا ولد الولد"، كل أقوال أمي، وأظل أنا رهن الدهشة. احتضنت أمي حفيدها بعاطفة جياشة، حتى أنها بكت، كأنه وليد بطنها، ومن أربعة أعوام حتى اليوم كل ممنوع مباح له، وكل المشتريات له، ولا أحد يقدر على توبيخه أو حتى أن يمزح معه مزاحًا ثقيلًا. وهنا كان يظهر امتعاض زوجة أخي التي لا ألومها عليه أحيانًا، حيث إنها كانت أحيانًا تشعر أن العاطفة الشديدة وما يتبع لها يفسد ما تبنيه هي من صرامة في بعض الأمور، مثل منعه من الجلوس على الهاتف الذكي لفترات طويلة، وأكل الحلويات بكثرة. فهل نلوم الأهل على امتعاضهم من ممارسات الأجداد؟ أم نلوم الأجداد على عواطفهم الجياشة؟ وأين موقع الطفل من كل هذا؟
| الحب يفسد للودّ قضية أحيانًا
يلتصق الأطفال بأجدادهم بشكل كبير، وذلك تبعًا لاعتبارهم أحضان الأجداد، الملجأ الآمن من كل عقاب، والوجهة الأفضل لتلبية الرغبات والاحتياجات، كما وصفت الاستشارية الأسرية كاترينا شاهين. في ذات السياق، وفي حديث للاستشارية دينا شوفي، فإن هنالك خصالًا إضافية للعاطفة مثل الصبر والهدوء والاسترخاء، يجعل الطفل أكثر تعلقًا بأجداده في الوقت الذي يكون فيه الوالدان أكثر تطلبًا، وأكثر انشغالًا في الاستماع والمتابعة، وأكثر حدّة في التشديد على إنجاز الأوامر.(4)
اقرأ أيضًا: أوقات ضائعة وممارسات يومية منسية
وبالعودة للحديث عن العاطفة، أكدت شاهين أن عاطفة الأجداد أمر فطري، وهم بممارساتهم لا يتعمدون إفساد المنظومة التربوية وكسر قواعد الآباء، مع العلم أن هذا الدلال والعطاء غير المشروط يفسد بشكل أو آخر الأحفاد أحيانًا"، أضافت: "إن الجدَّين يعيشان مع الأحفاد الأبوَّة والأمومة المتأخرة جانبها الجميل والحلو فقط، أما الجانب المتعب والمر فيتركانه للأهل، فيرى الأجداد في الأحفاد امتدادًا طبيعيا لسلالتهم ومصدر سعادة وفخر في حياتهم". ليس هذا وحسب، بل إن الأجداد يشعرون بالوحدة في الغالب لانشغال من حولهم، فيجدون في الأحفاد ملاذًا للاستئناس بهم والانشغال بتربيتهم واللعب معهم.(1)
| الدور الايجابي للأجداد
للأجداد دور إيجابي، وليس كما يظن كثير من الآباء، فالأجداد مليئون بالحكايات ذات العبر والدروس الجيدة، وهم كتاب تاريخ ممتع للأطفال، وهذا يسهم في التأثير على تربية الطفل وتنشئته بشكل إيجابي ومفيد، قد يعجز الأهل عبر القصص الجاهزة عن تأديته أحيانًا. من جانب آخر يمكن للطفل تعلم صفات جيدة مثل الصدق والحب والإخلاص والاجتهاد من شخص جدير بالثقة، بعيدًا عن دور الرعاية والحضانات، خصوصًا أن العصر الحالي جعل كلا الأبوان يخرجان للعمل في كثير من الأحيان، وبالتالي، عندما يغيبان عن طفلهما فترة طويلة يكون في حضن الأجداد الآمن والدافئ والغني بالفائدة.
كما أن هناك أعمال ينجزها الأبناء بكل حب مع أجدادهم تؤثر على صحتهم العقلية والنفسية والجسدية، مثل إعداد الطعام، أو تنظيف فناء المنزل، أو التسوق ونقل الأغراض وغيرها. وتشير إحدى الدراسات إلى أنه كلما زاد التقارب العاطفي بين الأطفال وأجدادهم، انخفضت فرص إصابتهم بالاكتئاب في سن المراهقة، وعندما يتقدم بهم العمر، وأظهرت دراسة أخرى أن تقارب الأجداد والأحفاد يعمل على تخفيض أعراض الاكتئاب لدى كلا الجانبين. (2)
للأجداد دور مهم أيضًا في تقوية الروابط الأسرية وعلاقة الأحفاد ببعضهم بعضًا، عبر اجتماعهم بين الحين والآخر في منزل العائلة الكبير في جو من المرح والحب الذي ينتظره كثير من الأحفاد مع نهاية كل أسبوع، أو في الإجازات السنوية والنصف سنوية، بفارغ الصبر والكثير من الحماس. وأخيرًا، وفي حال حصل مشاكل وطلاق بين الأبوين، فالأطفال سيجدون ملجأً آمنًا في خضم صراع قائم، ومكانًا هادئًا لدى الأجداد في الغالب. (3)
| الصراع بين الآباء والأجداد
ترى دينا شوقي، بأن الأجداد لهم دور فريد في حياة أحفادهم في الغالب، فهم، قبل كل شيء، سند مهم جدًا للآباء، من خلال الدعم والتوجيه إلى جانب رعاية الأطفال؛ في الوقت الذي يرى فيه كثير من الأبناء أن هذه النصائح مزعجة وأنهم يمتلكون أفكارًا مختلفة حول أفضل السبل لتربية الطفل، وهذا يؤول إلى توتر بين العائلات خصوصًا ببين الحماة والكنة.(4)
وفي هذا السياق شددت نتائج الدراسات على ضرورة استيعاب الأجداد مطالب الوالدين والامتثال لها؛ ليكون تعامل الطرفين مع الطفل منسجمًا وليس متضاربًا.
تبعًا لهذا ترى دينا شوقي، بأن الأجداد لهم دور فريد في حياة أحفادهم في الغالب، فهم، قبل كل شيء، سند مهم جدًا للآباء، من خلال الدعم والتوجيه إلى جانب رعاية الأطفال؛ في الوقت الذي يرى فيه كثير من الأبناء أن هذه النصائح مزعجة وأنهم يمتلكون أفكارًا مختلفة حول أفضل السبل لتربية الطفل، وهذا يؤول إلى توتر بين العائلات خصوصًا ببين الحماة والكنة.(4)
وفي هذا السياق شددت نتائج الدراسات على ضرورة استيعاب الأجداد مطالب الوالدين والامتثال لها؛ ليكون تعامل الطرفين مع الطفل منسجمًا وليس متضاربًا. ونذكر هنا عدة نصائح حول آلية تفاهم الآباء والأجداد في تربية الأحفاد: أولًا: تجنب الصراعات والخلافات على هذا الموضوع أمام الأطفال لأنها قد تقلل من هيبة أحد الأطراف في نظرهم، وكلاهما مهمان، ويجب أن تظل مكانتهما محفوظة أمام الأطفال.
ثانيًا: يجب أن يحتوي الآباء الأجداد، ويحاولوا إيصال الرسالة بصدر رحب وأسلوب طيب، لأن لكبار السن صفات نفسية وحاجات يجب مراعاتها. كذلك يجب إدماج الأجداد في العصر الحديث ومتطلباته، حتى يسهل عليهم استيعاب تغير العوالم والأساليب واحتياجات الطلب، وما يجب أن يُحرم منه أو يُجاب له.
وفي سياق تفاوت المحبة بين الأحفاد التي يشهدها كثير من العائلات، وتسبب ضغينة بين أحفاد العائلة المختلفين، يجب إقناع الأجداد والحوار المستمر معهما عن ضرورة خلق توازن في محبتهم للأحفاد جميعهم بشكل متسوٍ، وقوموا بشرح الآثار السلبية لإهمال حفيد دون غيره. أخيرًا؛ على الأهل أن يعلموا مدى أهمية الأجداد في حياة أطفالهم، ويستمعوا لتوجيهاتهم ونصائحهم وتوطيد علاقة أبنائهم بأجدادهم لدورها الكبير في التأثير على نفسية الطفل وتفكيره، فبعض الأحفاد يقبل نصيحة الأجداد بسرعة أكبر من المرة التي حاول فيها والداه أن يسدوا له النصائح.
| المراجع
[1] معصراني, لاريسا. 2021. "لماذا يعارض بعض الآباء تدخل الأجداد في تربية أحفادهم؟".
[4] صليعي, لاريسا. 2020. "الأجداد والأحفاد.. محبة رغم صراع الأجيال واختلاف الأفكار".