بنفسج

هل يتوقف الزمن بُرهة؟ ناجيات يروين الحكاية

الجمعة 14 أكتوبر

ناجيات من سرطان الثدي
ناجيات من سرطان الثدي

أُيهدم المرء فجأة، هكذا دون مقدمات، أتأتي عليه الدنيا من أوسع أبوابها لتضعه في الزاوية الأضيق، أتنقلب حياة المرء عبر صدفة بحتة. هي الدنيا تقودنا إلى طرق لم تأتِ على بالنا، وتعصف بنا كعاصفة جوية تطيح بكل ما يأتي أمامها، ومع ذلك، كل أقدار الله خير، سيدة مؤمنة بقضاء الله وقدره، كلما عاندتها الدنيا، تستقبلها بضحكة، وخفة ظل لا متناهية، تجعل من اللاشيء نكتة وتضحك، تفخر بأنها تشبه حبيبها الأول، أباها، قوية كجبل مثله، ونسخة مصغرة من رجل رحل عن الدنيا، لكنه ترك قطعة منه على الأرض، تستند عليه حتى بعد غيابه، فراقه آلامها، وصدمة إصابتها بسرطان الثدي نالت منها أيضًا، فأحبطتها وأوجعتها، لكن سالي ظلت تحارب، تطبطب على نفسها ومن حولها. سالي المصري، سيدة -مصرية- حاربت السرطان بعنفوان وشراسة، حافظت على صحتها النفسية بكل ما أوتيت من حب لتبقى نورًا وحضنًا لطفلتيها جوري وحبيبة، وكل الأحبة. ظلت تقاوم حتى كُتب اسمها من ضمن سلسلة ناجيات من سرطان الثدي.

أما إنصاف إسماعيل -فلسطينية- أصابتها حالة من عدم التصديق، "متأكد يا دكتور، طب بعيد العينة كمان مرة"، شعور بالبرد يغمرها، ثم يتلوه شعور بحرارة عنيفة في جسدها ووجهها، لا تدري أبرد أم حرارة، نبضات القلب ترتفع، شعور بأن إغماء قادم لا محالة، كل ما توارد لعقلها أنها ستعيش نفس قدر شقيقتها التي عانت لشهور ثم توفاها الله، كل عام تذهب للفحص بأمان من 2008 حتى 2014 عام اكتشافها لإصابتها بسرطان الثدي، كان عامًا كئيبًا عليها، صفعها بوجهها أكثر من مرة حين تخلى عنها الزوج، ثم باغتها السرطان لينهيها تمامًا، لكنها عافرت حتى نجت، فشقت من وسط عتمتها نوارًا. 

في أكتوبر الوردي، نحاور سيدتين من مصر وفلسطين، ناجيات من سرطان الثدي، ليخبرننا عن لحظات الألم والقوة، عن الذي دار خلف الكواليس، وأحاديثهن الداخلية، ليكنّ نموذجًا ملهمًا لسيدات أخريات.

 الصدفة "ركنة سيارة"

ناجيات من سرطان الثدي
سالي أثناء وجودها في المشفى وتذاكر السفر لطنطا أثناء رحلتها العلاجية

لم يسبق اكتشاف المرض أي عوارض جانبية لتدفعها للفحص، كانت في زيارة مع والدتها للطبيب، ولم تكن ستصعد معها، كانت ستنتظرها في السيارة لأن أختها موجودة مع والدتها، فتشاء الأقدار أن تقابل الطبيب: وبشكل فجائي تقول: "ما تفحصني أنا كمان يا دكتور؟". رحّب بالأمر، فهو صديق والدها، وطال الفحص قليلًا، وإذ به يجلس خلف مكتبه بعد الانتهاء ويكتب في الورقة أمامه أشياء عديدة، وهي تنظر له بغرابة، ثم قال بعد انتظار: "هتروحي المكان الفلاني تفحصي كزا كزا وترجعيلي"، لم تأبه سالي كثيرًا للأمر "أنا أيه اللي طلعني معاكو، يا ريتني ما لقيت مكان لركنة العربية"، تقول هكذا وتضحك.

استمرت سالي في حالة المزاح الظاهرة للعيان، أما من داخلها ورقة هشة ستتفتت بمجرد هبوب رياح بسيطة، فكرت ماذا ستفعل، وكيف، فقررت الاتصال بصديقة طبيبة لتدلها على الذي يجب أن تفعله، فأخبرتها بأن تتوجه لها، ذهبت لوحدها في اليوم التالي وقلبها ينبض بعنف، ومع ذلك، ظلت محافظة على ثباتها الانفعالي، تقول لبنفسج: "قابلت الطبيبة، ثم الجراح الذي أشعرني أن الدنيا بسيطة، وطمأن قلبي بكلماته الحنونة، وبدأ الفحص، ثم اكتشفنا أن لدي ورمان، صُدمت، نعم، وأخبرت شقيقاتي وزوجي الحبيب الذي أتى من مكان عمله في السعودية ليطمئن عليَّ، وبدأت سلسلة الفحوصات وأخذ العينات، والنتيجة النهائية كانت تفيد بأن الورم خبيث، فقلت خيرًا بإذن الله".

سالي1.png
نفسية الإنسان في ظروفه الصعبة من أهم ما يكون، حاولت سالي أن تحافظ على اتزانها النفسي، وكان بجانبها العائلة والصديقات الذين دعموها بقوة وكانوا معها خطوة بخطوة. علم الجميع بحالتها إلا والدتها، فضّلت أن لا تخبرها خوفًا عليها، ثم شرعت بالعلاج الكيماوي "كيمو" كما تقول عنه سالي، أول جرعة كانت قاسية ولم تستطع الوقوف بعدها، فرقدت في سريرها تستوعب ما الذي يجري. ومرت الجلسات جلسة وراء جلسة حتى تساقط الشعر بالتدريج وشحب وجهها مرة واحدة، فاضطرت لإخبار والدتها بما أصابها، وبدعابة تقول سالي: "أصلي احلويت خلاص! كان لازم ماما تعرف".

تضيف لبنفسج: "كنت حين أشعر نفسي بخير قليلًا أذهب لعملي، وأوصل أولادي للمدارس وتمارين النادي، حتى بدأت أتعب أكثر من الآثار الجانبية للعلاج، وانقلبت الأمور رأسًا على عقب. وسط كل هذا كانت الطبيبة صديقتي التي تحدثت عنها في أول حكايتي، بجانبي دائمًا تدعمني، وصديقتي الأخرى وشقيقها طبيبي أيضًا، كانت معنويتي بفضل الله، ثم بفضلهم، مرتفعة للغاية، وبعد ثلاث شهور من الجرعات راجعت طبيبي الأول، فأخبرني بضرورة إجراء عملية استئصال الثدي، وفي العاشر من شباط 2021 اتصلت بزوجي المغترب، فاستودعني الله، ثم ذهبت للمشفى لإجراء العملية، كانت برفقتي أختي وصديقتي ومديرتي في العمل. دخلت للتجهيز للعملية وسمعت أصواتهم خارجًا، فركضت لأحضانهم، ونلت جرعة أمان، ودخلت للمجهول وخرجت بعد 5 ساعات ومفعول البنج ظاهر عليَّ، كانت لدي حالة من المزاح والضحك، والبرد الشديد، لا أنسى لمسات صديقتي على وجهي لتدفئني بيديها".

انصاف12.png

بعد انتهاء العملية، خارت قوى الفتاة القوية لكن الحب قوّاها، حيث جمع الأصدقاء أنفسهم وقرروا إقامة حفلة بورود وكيك وهدايا، وهذا كان بعد العملية بأربع أيام، وكان زوج سالي، الغائب القريب، معها عبر الهاتف يشاهد الاحتفال، بعدها بدأت تستجمع قواها المنهارة أصلًا، وشرعت في إكمال 3 شهور من جرعات الكيماوي، وخلال تلك الفترة ظهرت في حياة سالي أخصائية نفسية شكلت فارقًا في حياتها بدعمها لها، ولكن في نقطة ما اعترفت سالي الضحوكة أنها تعبت، تقول: "أسبوع ورا اسبوع كرهت كلمت هانت، وأنتِ بطلة، وأنتِ قدها، وسالي الأسد أقرت أنها مش أسد بقى ومعدتش قادرة، بس كان لازم أكمل مفيش حل تاني وكملت الجرعات".

وبعد سجالات عنيفة انتهت رحلة الجرعات الكيمياوية، ومن شدة فرحة سالي في آخر جرعة، ظلت تنظر للزجاجة المعبئة تنتظر انتهاء ما فيها، فدخل عليها طبيبها، فسألها: بتعملي إيه. فردت: مش بتخلص وضحكت. انتهت الجرعة بعد مراقبة منها وخرجت ونسيت أن تلبس حذائها من فرط سعادتها، توقفت عن العلاج أسبوعين، ثم عادت من جديد للبدء بمرحلة جديدة من العلاج الإشعاعي، الذي كان في طنطا، فاضطرت أن تسافر لطنطا يوميًا وأخذت 25 جلسة شعاعية، تقول: كنت بروح بالقطار وأرجع فيه معايا أختي الصغيرة، أو بنات أختي الكبيرة، نبدل كدا كل واحد مرة، نروح أخد الجلسة، ونجيب فطار وناكل ونركب ونرجع كل يوم كل يوم، وأرجع أنام زي القتيلة، وأصحى أودى بنتي التمرين وهكذا".

سالي2.png

تعرفت سالي في مركز الأورام على مجموعة من رفاق العمر، دعموها بقوة، في الخامس عشر من حزيران/يونيو 2021 أقاموا لها احتفال بيوم ميلادها بشكل فجائي، وأيضًا بمناسبة قرب انتهائها من العلاج، إذ انتهت منه بعد 4 أيام من الحفل، فسعدت به جدًا وبالذخيرة التي منحتها الحياة لها من محبين كثر.

وخلال الثمانية شهور العلاجية لسالي، كانت تهتم بابنتيها جوري وحبيبة اللتان تبلغان من العمر العاشرة والخامسة، ابنتها الكبرى لم تكن تعي ماهية مرضها حتى رأتها مرة في الحمام بدون الطاقية التي كانت تغطي بها سالي رأسها، فتفاجأت بهيئة والدتها بدون شعر، فبكت الطفلة وأصبحت تتساءل عن أمور عديدة في مرضها، فشرحت لها والدتها الوضع وطمأنتها. في الرحلة المرضية استأصلت سالي جزءًا من الثدي وتساقط شعرها بالكامل، ثم عاد بعد انتهاء العلاج للبزوغ من جديد، ففرحت طفلتي بشعري قائلة: "شعرك بقى جميل يا ماما ورجع أهو تاني". وها هي أصبحت من ناجيات سرطان الثدي.

تختم سالي حديثها لبنفسج برسالة لكل مريضة وتقول: "عارفة أنه اختبار صعب أوي، بس لازم نعافر ونكون قدها، وربنا هيجازينا على صبرنا، ودي فرصة نشكر ربنا على نعمة الصحة، وخليكي فاكرة أنه الوقت الصعب بيعدي".

 ناجيات من سرطان الثدي

ناجيات من سرطان الثدي
إنصاف الأم لابنتين؛ ابنة بالجامعة والأخرى بالإعدادية، تعبأت في رأسها كل الأفكار السلبية، وأنها ستلاقي نفس مصير أختها التي قضى عليها سرطان الثدي خلال 11 شهرًا، ومن بعدها أوصى الطبيب المعالج لها بضرورة الالتزام بالفحص، لكل شقيقاتها خوفًا من أن يصيبهن المرض، والتزمت إنصاف بالفحص السنوي، حتى جاءها الخبر القاسي، كل ما سيطر على دماغها "ماذا سيحصل في بناتي من بعدي؟".
 
شرعت في الانتقال من طبيب لطبيب ومن عينة لعينة، تضيف: "طبيبي طلب أشعة "سي تي" على الجسم، وحين ظهرت النتيجة، طمأن قلبي بأن الورم ليس منتشرًا فأعطاني عدة خيارات؛ إما استئصال ربع الثدي مع علاج كمياوي وإشعاعي، أو استئصال كامل للثدي مع كيماوي فقط".

أما إنصاف إسماعيل في عام اكتشافها للمرض تأخرت عن الفحص السنوي لثلاثة شهور مع أن هذا لا يحدث، تقول: "كنت تاركة بيت زوجي، على خلاف، وأقيم في منزل عائلتي، حسيت بألم بصدري، في كتلة قاسية، قلبي نقزني، ضليت صاحية طول الليل والأفكار السيئة تخطر على بالي، والصبح ذهبت للفحص لوحدي، فظهر بالعينة أنه يوجد شيء، أخذت النتيجة ورحت لدكتوري وطلب أعمل خزعة، كنت مطمنة خلال الخمس أيام انتظار نتيجة الخزعة، بعدها استلمت النتيجة من المختبر، الدكتور خلاني آخر وحدة من الموجودين، حكالي في ورم سرطاني، سمعت هالكلمتين ونزلت كالمغيبة. اتصلت ع صديقتي لتأتي لي لأنه مكنتش قادرة أمشي لوحدي خطوة أخرى".

إنصاف الأم لابنتين؛ ابنة بالجامعة والأخرى بالإعدادية، تعبأت في رأسها كل الأفكار السلبية، وأنها ستلاقي نفس مصير أختها التي قضى عليها سرطان الثدي خلال 11 شهرًا، حيث اكتشفته في وقت متأخر، لذلك كانت فرص الشفاء شبه معدومة، ومن بعدها أوصى الطبيب المعالج لها بضرورة الالتزام بالفحص، لكل شقيقاتها خوفًا من أن يصيبهن المرض، والتزمت إنصاف بالفحص السنوي، حتى جاءها الخبر القاسي، كل ما سيطر على دماغها "ماذا سيحصل في بناتي من بعدي؟".

شرعت في الانتقال من طبيب لطبيب ومن عينة لعينة، تضيف: "طبيبي طلب أشعة "سي تي" على الجسم، وحين ظهرت النتيجة، طمأن قلبي بأن الورم ليس منتشرًا ولم يصل للغدد الليمفاوية، فأعطاني عدة خيارات؛ إما استئصال ربع الثدي مع علاج كمياوي وإشعاعي، أو استئصال كامل للثدي مع كيماوي فقط، وسيكون احترازيًا مخافة أن يكون الورم منتشرًا ولا يظهر بالأشعة. وافقت فورًا على الاستئصال الكامل دون أن أفكر أبدًا، وحينها اندهش الطبيب، وقال لي فكري مرة أخرى، ما زلت صغيرة وأنت متزوجة، قبل اكتشافي للمرض كنت سأعود لزوجي مرة أخرى، ولكن في بداية المرض لم أجد وقتًا لمعاودة الحديث في العودة له أو لا".

انصاف11.png

تكمل إنصاف: "بعد قراري بالاستئصال الكامل، بدأت بعد عشر أيام بأول جلسة كيماوي في مشفى الشفاء بغزة، في مبنى الأورام الكئيب، فكل ما هناك يدعوك للبكاء، حتى جدرانه. الكل ينتظر دوره لأخذ الجرعة وينظر في الفراغ أمامه بصمت، قطع صمتي أنا دخولي للجرعة، كنت أعلم مسبقًا أعراض أول جلسة كيماوي، أصابتي حرارة وغثيان ورجفة بالجسم وألم معدة، والدتي كانت معي خطوة بخطوة، تهتم بي وتطهو لي الأكلات الصحية، ولكن فور تناولي أي شيء أقوم باستفراغه. بين كل جرعة وأخرى ثلاث أسابيع، لم تكن تذهب الأوجاع نهائيًا، وحالتي كانت للأسوء، ومناعتي قبل الجرعة الثانية كانت تحت الصفر، وبالتالي لن يكون هناك جرعة بسبب المناعة المنخفضة، فأخذت 3 إبر لتقوية المناعة لأستطيع إكمال الجرعات، خلال الفترة الأولى للجرعات أمي كانت تأخذني للحمام، ووزني أصبح 35 كيلو بعدما كان 65 كيلو".

ظلت تحارب الآلام برفقة والدتها التي كانت سندها الوحيد خلال أزمتها تلك، تقوم بكل شيء لها، وضعتها في عينيها، ولكن في لحظة ضعفت إنصاف وأخبرت والدتها في الجرعة الثالثة بأنها لا تستطيع الاستمرار في الجرعات التعذيبية تلك، تقول لبنفسج: "أصبحت أمي تقنعني بأن أستمر وتدعمني بحديثها وتذكرني ببناتي الصغيرات، فوافقت لأخذ الجرعة الرابعة، تحملت آلامها لمدة عشر أيام، وما كان يواسيني بأن الجرعات انتهت. بعد شهر، تناولت الأغذية الصحية وبدأ وضعي الصحي يتحسن، شعري عاد للبزوغ من جديد بعدما وقع كله مرة واحدة في الجرعة الثانية، ووجهي زال شحوبه قليلًا".

بعدما مرت الأيام السيئة والمتعبة على إنصاف بدأت تفكر بشكل جدي في عملية ترميم الثدي أو تجميله، فسألت طبيبها عن مكان في غزة يستطيع إجراء مثل تلك العمليات، فقال لها عن جمعية العون والأمل، ومن هنا بدأ التحول في حياتها وتغير نظرتها للأمور، تقول: "ذهبت لمقابلة مديرة المؤسسة إيمان شنن، وأخبرتها بطلبي، فسألتني لماذا تريدين إجراء تجميل؟ فأخبرتها بسبب المنظر العام ولنفسيتي، حينها أخبرتني قصتها كاملة وأنها خضعت ل 17 عملية وأجرت استئصال للثديين، 3 ساعات من الحديث لم أمل أبدًا. منحتني طاقة إيجابية، كنت سيدة لم أعمل في حياتي، لم أعرف أحد في غزة، لم أكون صداقات 17 عامًا، كرست حياتي فقط لزوجي وبناتي، إيمان فتحت لي أبوابًا مغلقة، وفتحت عيني على أشياء لم أكن أعرفها، خرجت من مكتبها ونسيت قصة ترميم الثدي".

تضيف: "بعد زيارتي الأولى لمؤسسة العون والأمل، تواصلوا معي ليخبروني أن هناك رحلة للصلاة للقدس عن طريق الجمعية، فأخبرتهم بموافقتي، وأخبرت إيمان برغبتي بالتطوع معهم، وبالفعل، بدأت معهم رحلتي، تطورت شخصيتي وعلاقاتي مررت بمراحل تطورية وانتكاسات، تعلمت خلال العمل هذا ما لم أتعلمه في حياتي كلها. كان همي الوحيد في العون والأمل أن أساعد السيدات المريضات ولو بكلمة. ومهمتي فتح ملفات للمريضات، قبل ما أبدأ بتعبئة البيانات أتحدث معهن بشكل ودّي، وأخبرهن بحكايتي، وأواسيهن بأن هذا مجرد وقت وسيمضي".

ناجيات من سرطان الثدي
إنصاف إسماعيل ناجية من سرطان الثدي مع بناتها

أنت بطلت بدك ترجعني؟ قالها وبكل وضوح: آه. كان طليقي متعاطفًا معي في بداية المرض، ولكن فيما بعد تراجع عن إرجاعي بسبب إصابتي، لم أناقشه بشأن السبب، كنت متوقعة لذلك، فقط أحببت أن أسمعها بشكل مباشر، وحينها علمت أن أقدار الله كلها خير، لم أتضايق كثيرًا حمدت الله، تقول.

مرت السنوات وإنصاف تلتزم بالفحص الدوري وإرشادات الأطباء، حتى فحص عام 2020 التي صُدمت بنتيجته التي تفيد بوجود كتلة بالجهة السليمة، فأظهرت الفحوصات أنها سرطان من جديد، تألمت من جديد، وعادت لها ذكرياتها السابقة وليالي الأوجاع مع الكيماوي، تضيف لبنفسج: "استأصلت الثدي اليسار بالكامل، وأخبرني الطبيب أنه يمكن استبدال الكيماوي بعلاج هرموني، وهو إبرة لكل شهر، وحبة دواء يوميًا لمدة خمس سنوات، ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن وأنا مستمرة عليه".

انصاف.png

في الإصابة الأولى لإنصاف لم تواجه أي نقص في دوائها، أما في المرة الثانية واجهت صعوبة في الحصول على الإبرة الشهرية التي يرتكز عليها علاجها، تأخرت في المرة الأولى ثلاث شهور مما تسبب في خلل في علاجها، حيث يجب أن تستمر على الإبرة خمس سنوات دون انقطاع، ثم دخلت لقطاع غزة من جديد وبدأت بالالتزام بها مرة أخرى، وأيضًا انقطع الدواء من مستشفى الرنتيسي وقدرتها المالية لم تسفعها على شرائه، حيث يبلغ سعر العلبة الواحدة 100$، سألتها أختها المقيمة في تركيا عن اسمه وأرسلت لها ثلاث علب، وتبلغ سعر الواحدة عندها 20$".

تختم إنصاف حديثها لبنفسج "رسالتي لكل ست حياتك بين أهلك وولادك، أنا كان أملي أشوف بناتي ليكبروا أشوفهن اتخرجن من الجامعة، وأعطاني هاي النعمة، لازم ما نخاف ورشات التوعية بشهر أكتوبر لما كنا نشوف ستات بنحكيلهم أنت بدك تفحصي حالك بالبيت، وما تخافي افحصي، اتشجعوا أغلب الستات تقول لنا بالجمعية أنا ما كنت بدي أفحص، كنت خايفة يطلع هداك المرض، ما يقولوا سرطان، بديش أكتشف، خليني زي ما أنا أحكيلهم ماشي تقبلي المرض، وأرضي بالنتيجة، أنا كنت أحكي للصبايا ديروا بالكم ما تخافوا، الخوف قاتل بالنفسية، الخوف ما بخليهم يفحصوا خوفًا من اكتشاف المرض، اسمعوا قصص ناجيات من سرطان الثدي وخلوا عزيمتكم قوية".