بنفسج

هل تُدفن الأمهات؟ آراء وحلول

الخميس 27 يناير

ربما لا شيء يوازي فكرة أن تشعر الأنثى أن في داخلها يتكون طفل على مهل، روح تُنفخ، وأعضاء تكتمل، وخلايا تبدأ بالحياة. إنه لشعور عظيم أن نشعر أن بداية الإنسان تكمن داخل رحمنا، ولا شيء يوازي شعورها حين تضع يدها على بطنها وتتحسس حركاته، "دفشة" بيده رغم مفاجأتها وألمها، إلا أنها ترفع الدوبامين، وجبالًا من السعادة كأنه يقول لها "مرحبًا ماما، أنا هنا بصحة جيدة". وتمر فترة الحمل بتعب وثقل جسدي، وقلق وخوف من الألم والولادة، وما بعد الولادة من الاعتناء والرعاية، وكيف سترتب حياتها الجديدة، وقد أُضيفت إليها مهمات الاعتناء بطفل جديد، عدا عن التزامتها السابقة. ورغم كل ذلك تظل ممتنة للحظة التي عرفت بها حملها والشعور التي انتظرته طويلًا. لكن هل الأمر يتوقف هنا! بعد الولادة هل تنحصر الحياة بعلاقة الأم بوليدها فقط؟ ماذا عن الأسرة والمجتمع ونظرته للأمومة، وهل حقًا تجربة الأمومة سهلة في بيوتنا ومجتمعنا؟

| هل الأمومة عائق!

 
قمت بطرح فقرة أسئلة على حسابي على الإنستقرام بعنوان: "ما هي العقبات التي تواجه الأمهات؟ عقبات مجتمعية وأسرية؟ وهل شعرتن بأن الأمومة كانت عائقًا في لحظة ما؟". انقسمت الأجوبة إلى إجابتين رئيسيتين: أولها؛ هي العمل، فبعض الأمهات اضطررن لترك أعمالهن رغم أن هناك سيدات كنّ بحاجة ماسة إلى العمل من أجل الإنفاق، بسبب الظروف المادية الصعبة، أو غياب الزوج بسبب الطلاق أو الموت؛ والسبب الثاني؛ هو ثقافة وردات فعل مجتمعية؛ إما من العائلة المحيطة، أو غياب التجهيزات في الأماكن العامة لتعاون الأمهات.

قمت بطرح فقرة أسئلة على حسابي على الإنستقرام بعنوان: "ما هي العقبات التي تواجه الأمهات؟ عقبات مجتمعية وأسرية، وهل شعرتن بأن الأمومة كانت عائقًا في لحظة ما؟". انقسمت الأجوبة إلى إجابتين رئيسيتين: أولها؛ هي العمل، فبعض الأمهات اضطررن لترك أعمالهن وعدن لصفوف البطالة رغم أن هناك سيدات كنّ بحاجة ماسة إلى العمل من أجل الإنفاق، بسبب الظروف المادية الصعبة، أو غياب الزوج بسبب الطلاق أو الوفاة؛ والسبب الثاني؛ هو ثقافة وردات فعل مجتمعية؛ إما من العائلة المحيطة، أو غياب التجهيزات في الأماكن العامة لتعاون الأمهات.

وقبل أن نبدأ علينا أن نعود للوراء قليلًا، للقبائل القديمة وتاريخ الأسرة القديم، وكيف تطورت الأسرة عبر الزمن. في القبائل الأولى لم يكن الزواج بشكله الآن، حيث كان جميع الأبناء هم أبناء القبيلة وليسوا لأم ولأب معينين، إنما القبيلة ككل هي مسؤولة عن الأولاد، فالمسؤولية تتوزع على الجميع، الجميع يربي (أكانوا رجالًا أو إناثًا)، والجميع يعمل ويصطاد (أكانوا رجالًا أو نساءً)، فلم تكن الأدوار  مرسومة بعدها، ويرجع هذا إلى طبيعة العيش وسلوك الحياة، فلم يكن لهم موطنًا معينًا، وكان طعامهم يعتمد على الصيد، لذلك كان الترحال سبيلهم هروبًا من الطقس وتغيره وغيرها.

وحين بدأ الإنسان يستقر في مناطق وينتمي لمكان معين، وعرف الزراعة، وصارت له أرض وملكية واستقرار وغنائم حروب، تطور معنى المسكن ومفهوم العائلة، وصار له ممتلكات يدافع عنها، وتطورت مفاهيم الذات وخصوصيتها، وأصبحت الأم تبقى في البيت من أجل الأطفال، والأب بدوره يخرج ويصطاد، وهكذا أصبحت القبيلة عبارة عن عائلات صغيرة لكل عائلة ممتلكاتها واسمها، ومنها انبثقت فلسفة المجتمعات البشرية، ومن ثم الدولة. يمكنكم معرفة المزيد من كتاب أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة للفيلسوف فريدريك إنجلز، يتحدث فيه كيف تطورت المجتمعات، وكيف أن رأس المال والعمل والسياسية عبر التاريخ كان لها دور في تشكيل صورة الأسرة.

| قصص الأمهات

ام3.png

والآن، بعد أن أصبحت الرعاية، تعتمد على الأم، غالبًا، بعيدًا عن القبيلة، ومع تغير الوقت وتحول الواجبات من محدودة إلى واجبات متفرعة ومسؤوليات كبيرة مرتبطة بالظروف المحيطة، هل هناك تعاون من قبل الآخرين؟ تقول إحداهن: "في فترة الحمل في الأشهر الأولى قدمت لوظيفة، وأثناء المقابلة أخبروني أن العقد سيكون لأشهر فقط، لأن الشركة لن تستطيع إعطاء فترة راحة بعد الولادة، بالتالي رفضوا طلبي بسبب حملي". وأكملت: "وبعد أن أنجبت وجدت صعوبة كبيرة في البحث عن عمل بسبب الساعات الطويلة، وبسبب عدم توفر حضانات في منطقتي تستقبل الطفل بفترة مفتوحة، وليس حسب النظام المتعارف عليه من الثامنة صباحًا حتى الثانية أو الثالثة ظهرًا".



أم أخرى تقول عن تجربتها في الأمومة، أن أكثر ما كان يزعجها هو عدم تهيئة الأماكن العامة لغرف مخصصة، أو حتى زاوية صغيرة تستطيع الأم بها إرضاع طفلها، أو تغيير حفاظاته، سواء كانت عيادات أطباء، أو مطاعم، أو مول تسوق، أو حتى النادي الرياضي التي كانت تذهب إليه بشكل يومي من أجل مشاكل السمنة، والآن توقفت من الذهاب إليه بسبب عدم استقباله لطفلها. وأنهت: "هل يجب على الأم أن تدفن نفسها في البيت؟ لأنها قررت أن تصبح أمًا!".

أم2.png

أيضًا كان هناك تعليق من إحداهن: "الأطفال هم الأطفال؛ من طباعهم الصراخ والبكاء لأسباب متعددة؛ كالجوع والمرض أو قلة النوم،  أو دون سبب؛ هكذا هم الأطفال، لكن، وللأسف، تجد الكثير من الناس يقومون بردات فعل همجية متناسيين أن الأم تحاول بكل جهدها إخفاض صوت ابنها، لكن أحيانًا تفشل، فيرمقونها بنظرات غاضبة، أو طلب ملح وغير منطقي "سكتي هالولد دوشنا"، أو جمل مؤذية "يلي بتخلف حرام تطلع من البيت". تكمل: "صرت أتجنب التجمعات حتى ولو أقاربي، وللأسف، في فترة ما بدأت أصرخ على طفلي وأعامله بقساوة. لقد وضعوني في خندق وأثروا على نفسيتي واعتدت أن أقضي معظم وقتي في البيت، وانعكس ذلك على معاملتي لطفلي، خاصة أنها تجربتي الأولى في الحمل ولم يكن عندي أي دراية ومعرفة بما ينتظرني.

للأم الفلسطينية حالة خاصة وتجربة دائمة، بسبب الخوف من تأخير الحواجز الإسرائيلية؛ فيتطلب أن تخرج من منزلها مبكرًا، وأن تعود بوقت متأخر، ولا يوجد حضانات تستوعب هذه المدة. وإحداهن شاركتنا تجربتها، تقول: "أعمل لأنني وأسرتي بحاجة لتحسين ظروفنا المعيشية، فدخل زوجي لا يكفينا، أعود من عملي "مكسرة"، ورغم ذلك أعود لأبدأ عملي في البيت "شغل بره البيت وشغل جواه"، دون أي مساعدة أو شفقه من زوجي، رغم مشاركتي بالإنفاق على البيت وربما أكثر منه، فكرت كثيرًا في ترك العمل، لكن ظروفنا صعبة". هذه بعض من المشاكل التي تواجهها الأم في مجتمعنا، هل حقًا على الأم أن تعتزل الحياة؟ وأن تترك حياتها إذا قررت أن تصبح أمًا.

| حلول وإجراءات مقترحة

ام1.png
غرفة مخصصة للرضاعة 

| دور الأماكن العامة: إن أول خطوات حل المشكلة هي تسليط الضوء عليها، وفهم تفاصيلها دون إهمالها، الأمومة اليوم ليست مثل السابق؛ يجب أن يكون هناك مراعاة وفهم للحالة، مثلاً أن يتم إضافة شروط لترخيص العيادات والأماكن، فهناك شروط أساسية مثل وجود حمام ومطبخ، وغرفة صغيرة للإرضاع. وعلى أصحاب المطاعم والأماكن الترفيهية الأخذ بعين الاعتبار أن الأم ستختار أفضل مكان يقدم راحتها وراحة أطفالها، فيجب أن تكون هناك أقسام داخل المطعم، فمعظم المطاعم في بلادنا العربية تقوم بعمل قسم للعائلات وقسم للشباب فقط، لماذا لا يكون هناك ولو جزء من قسم العائلات فيه مراعاة لخصوصية الأم.

لكن دائمًا الحل يكون بيد صاحب المشكلة، فهو أعلم الناس بها، لذلك على الأمهات أن يكن أقوى من ضغوط المجتمع، وأن لا يرضخن لضغط النفسي والقوقعة على أنفسهن، فلا تستمعن لكلام المحبطين والمتذمرين من الأطفال في الأماكن العامة.

بعض الناس يقولون: "من تريد أن تصبح أمًا عليها أن تترك حياتها الأولى"، لكن هذا في عمومه غير صحيح، فبعض الأمهات بمجرد أن يلدن يأخذن إجازة طويلة مقتطعة من راتبهن، أو يتركن العمل ويتفرغن بشكل كامل للطفل، وبعضهن لا يطقن ذلك، على حد تعبير إحداهن: "وجودي في البيت بعيدًا عن عملي ونشاطي يسبب لي الاكتئاب، وأنا لا أريد أن أكون أمًا مكتئبة، لذلك نظمت وقتي وعملي، واستثمرت وجود الحضانة التي تسمح للطفل التعرف إلى أشخاص خارج حدود عائلته، وإضافة إلى ذلك، ليس المهم أن تبقى الأم مع طفلها 24 ساعة،المهم هو العمل على فكرة "الوقت النوعي"، وهو نوعية الوقت والجودة مع أطفالنا، ونستثمر وقتنا معهم لنطور أفكارهم ومداركهم.

| دور المجتمع: لكن لا ننسى أن هناك أمهات مجبرات على العمل، كما أسلفنا سابقًا، بسبب الظروف المادية! فحقًا ماذا يفعلن؟ يجب أن يتجه المجتمع لمراعاة ظروف الأمهات وتوفير فرص عمل من البيت قدر المستطاع، وإن لم يوجد، عليهن التفكير خارج الصندوق، وخلق فرص لهن مثل إعطاء دروس خصوصية، أو صناعة المأكولات والحلويات بالتعاون مع مطاعم وأماكن توزيع، أو الخياطة والتطريز، أو زراعة الورود والنبات وبيعه. 

| دور المؤسسات الخاصة:  أيضًا هناك بعض المؤسسات والبنوك تقدم ساعتين للأم الموظفة؛ فإما تغادر مبكرًا أو تذهب لبيتها وتعود للعمل في حال كان قريبًا، وهذه فكرة يجب أن تعمم وتستخدم بشكل أكبر، أيضًا يجب العمل على فكرة أن تقوم المؤسسات بعمل عقود مع الحضانات لأبناء العاملين لديها، وهكذا ستوفر فرص عمل للكثير من العاملات في الحضانة، إضافة إلى تقديم حلول للأمهات العاملات في المؤسسة.

| دور الزوج: ولا ننسى دور الزوج، يجب أن يقدر ويساعد في الاهتمام والعناية، فدوره ليس بالإنفاق فقط، إذ عليه أن لا يترك كل الحمل عليها، وأن يقوم بواجباته داخل البيت. تجاهلي نقد الناس وكلامهم المؤذي وابتعدي عنهم حتى ولو كانوا مقربين.

أم4.png

كما من المهم أن لا تسمحي لأحد أن يؤثر على علاقتك بطفلك، ويشحنك سلبيًا اتجاهه بسبب بكائه وصراخه، هؤلاء المنتقدين كانوا أطفالًا في يوم ما، وربما عاشوا تجربة الأمومة، أو سيعيشونها، وحينها سيتأكدون أن الأمر ليس بيدك، لذلك لا تعطيهم أي اهتمام، واختاري أماكن طبيعة ومفتوحة مثل المنتزهات العامة، والحدائق والمطاعم التي بها مساحة خارجية، هكذا سيكون أطفالك في سعة، ويمارسون نشاطاتهم وسلوكياتهم بحرية.

ومما لفتني وجود خرافة "الأم الحديدية"، الأم المضحية التي تريد أن تكون رمادًا، هذه الخرافة تزيد على كاهل الأم المسؤولية وتشعرها بعقدة الذنب والتقصير مع أطفالها. عليكِ أن لا تنسي أنكِ بالنهاية إنسان من روح وجسد يمرض ويتعب، ونفسيته تتأثر، لذلك يكفي أن تكوني بطلة في عين طفلك فقط وهو يراك كذلك، بعيدًا عن ماذا يريد الناس رؤيته، فأنت أدرى الناس بأطفالك، وتذكري أن أطفالك يريدون أمًا طبيعية وبنفسية جميلة، فحين تتصالحين مع نقصك وتقصيرك أحيانًا لن تشعري بالذنب والاكتئاب الذي يؤثر عكسًا على صحتك ومعاملتك مع الأطفال.

وأخيرًا، لا تسمحي لأحد أن يجعل من تجربة الأمومة تجربة سيئة، قدّري نفسك دائمًا وثقي بقدرتك، وخصصي وقتًا لك كلما سنحت لك الفرصة، اخرجي مع صديقاتك، أو للتسوق، أو زيارة صالون التجميل، فهذا ينعكس على نفسيتك، وبالتالي ينعكس على أطفالك وعلاقتهم بك. أنتِ أم رائعة وأطفالك سيكونون فخورين بكِ.