بنفسج

د. إلهام الخطيب: كيف تصنع مجدًا بحياة واحدة؟

الإثنين 06 يونيو

طبيبة عاشت حياتها تبحث عن شغفها حتى وجدته بعد سنوات من البحث عن الذات، رأت نفسها بين الناس في العمل المجتمعي، قيل لها ذات مرة: "فيكِ حسّ الأمومة والاهتمام". تحب مساعدة الجميع، يمنحونها نورًا يظل مضيئًا في القلب؛ علمت حينها أن هذا هو مبتغاها، العمل في الأروقة الواسعة بين الناس والطلاب، لم تحب يومًا العمل كطبيبة أسنان في عيادتها فقط، بل كانت ترى نفسها في الدفة الأخرى، ظلت وراء حسها الداخلي حتى لاقت شغفها التائه في العمل البحثي والمجتمعي وبين طلابها وقصصهم، حتى أبدعت في مكانها، فحجزت لها اسمًا في الصفوف الأولى.

سيدة متحدية، ترى أن الحياة قصيرة، تتنفس على تحقيق إنجازات هنا وهناك. بعد حادثة وفاة شقيقها التي شكلت نقطة تحول في حياتها، أصبحت تشعر أن لا وقت لديها، تنجز في كل دقيقة وثانية، تستغلها بكل ما أوتيت من إرادة، تغرق بين أوراقها البحثية حتى تنفصل عن العالم، ولكن في المقابل عائلتها الخط الأحمر بالنسبة إليها، فهي نموذج فريد، أتقنت لعبة الحياة ووازنت بين عملها وأسرتها، فلم تقصر يومًا بالرغم من غياب الزوج لفترات طويلة لاغترابه للدراسة والعمل. مرت بمفترقات طرق عديدة ولكنها تجاوزت كل صعوبة بإدارتها الحكيمة لكل أمر، وردها على كل انتقاد بالعمل والتفوق وليس بالحديث العابر.

| سيرة طفلة

انفوجراف إلهام.jpg
السيرة الذاتية للطبيبة إلهام الخطيب

مجلة "بنفسج" تستضيف طبيبة الأسنان الفلسطينية إلهام الخطيب، الحاصلة على شهادة الماجستير في الصحة العامة من جامعة ماساتشوستس، والدكتوراه في علوم الفم من جامعة أيوا. وهي عضو في المجلس الأمريكي لطب الأسنان في الصحة العامة، واللجنة الدائمة للصحة العامة لاتحاد طب الأسنان (FDI). إضافة إلى أنها عميد البحث العلمي؛ لتخبرنا عن طفولتها، وشبابها، وعالم طب الأسنان. تحكي لنا حكايا رحلة الحياة مع الزوج والأبناء، وتروي عن تقلدها لمنصب عميد البحث العلمي في جامعة القدس وما سبقه من أعمال، وطريقها الدراسي والعملي في الولايات المتحدة الأمريكية.

عاشت طفولتها في عائلة كبيرة وكانت آخر عنقودهم. لم يكن طب الأسنان حلمها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، تقول لبنفسج: "تفوقت دائمًا في دراستي وكنت أحصل على المرتبة الأولى بشكل دائم على منطقة أبو ظبي، ولدي نشاطات لا منهجية في المدرسة، فأنا دائمة المشاركة في المسابقات الرياضية، ونلت جوائز في مجال الكتابة وحفظ القرآن، وكنت أحيي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني كل عام. أفوز أيضًا بشكل دوري بلقب الطالبة المثالية، حتى وصلت الثانوية العامة، فحدث ما قلب أمور العائلة رأسًا على عقب؛ توفي أخي فجأة في عمر مبكر مما صدمنا جميعًا، فحصدت درجات أقل مما كنت أريد نظرًا لظروفي النفسية حينها، فأردت أن أفرح العائلة بتخصص لم تدخله أحد من فتيات العائلة فاخترت طب الأسنان، وتركت العيش مع عائلتي وانتقلت إلى الجامعة الأردنية في الأردن لإكمال البكالوريوس حيث يقطن أخي".

كانت طفلة هادئة، تغرق بين أوراق الكتب؛ يثير فيها عبق الكتب شعور غريب. أصدقاؤها كانوا كثرًا بدءًا من يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وفيكتور هوجو وحتى إيليا أبو ماضي، تقرأ المعلقات الشعرية وتكتب النصوص الأدبية، شعورها بأنها آخر العنقود، ووالدها يبلغان من العمر الستين عامًا، جعلها أكبر من عمرها؛ تود أن تنهي كل شيء في عمر مبكر. تنال من بحر الثقافة بالقراءة الكثيفة من جهة، وتغرق بين الأبحاث العلمية من جهة أخرى، دائمًا لديها هاجس "أنه لا وقت"، تضيف: "يتوجب الإنجاز السريع حتى يشاهدني أبي وأمي وأنا في أعلى مرتبة ويفرحا بابنتهما الصغيرة، فوالدي الرجل المحب المعطاء بالرغم من اغترابه القسري إلا أنه كان يروي لنا حكايات النزوح وعلمنا الارتباط بالأرض، وحين سنحت لنا فرصة ذهبنا للبلاد لنحصد الزيتون في بلدة العيزرية في القدس".

| مغامرات حياتية

كبرت الابنة وغادرت كنف العائلة واغتربت لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها كطالبة طب أسنان في الجامعة الأردنية. أنهت الجامعة بمغامراتها وقصصها، وعملت أول عمل حر لها كمحررة طبية في قناة art لبرنامج حواري لمدة ثلاثة أشهر، وأعادت ذكرياتها القديمة وحبها للصحافة خلاله ثم عادت إلى الطب من جديد، ولكن ظل الشعور بأن هناك شيئًا أكبر من ذلك ينتظرها عالقًا بها، لم تود أن ينتهي بها المطاف في عيادة أسنان، وكلما مارست المهنة روادها الإحساس من جديد. بحثت عن تخصص لتكمل الدراسات العليا به، وجاء لها قبول في أمريكا للدراسة، ولكن القدر كان له رأيًا آخر وتزوجت بطبيب أسنان وهي في خضم رحلتها بالبحث عن شغفها، فأجلت كل الخطط، وتولد من هذا الزواج على حد قولها أكبر أحلامها "أولادها".

كبرت الابنة وغادرت كنف العائلة واغتربت لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها كطالبة طب أسنان في الجامعة الأردنية. لم يكن الطب يومًا هدفًا لها، لو لم تحصل على معدل أقل من المرجو بسبب ظروفها آنذاك لكانت اختارت بطريقة أفضل، وعدت نفسها لاحقًا أن تمشي كل خطوة بشكل مدروس أكثر، تقول: "كان الطريق صعبًا، ولم أكن شغوفة به، ولكنني نجحت؛ حجزت مكانًا بين رواد الأنشطة التطوعية، أكتب الحوارات الصحافية، وعكفت على تنظيم زيارات للأيتام، أذكر في مرة وأنا في عامي الثالث نظمت زيارة لأطفال Sos، وكنت أجلب فريق طلاب السنة الرابعة والخامسة، وإذ بعميد الكلية يقول لهم: "بنت بسنة ثالثة بتعمل مبادرات وأنتم وين؟ ودعاني وسألني عنها، وكان معجبًا بالعمل الذي أفعله".

تروي لبنفسج موقف حنون لوالدها العصامي على حد وصفها: "في السنة الأولى بالجامعة الأردنية وفي أول امتحانات فصلية كان يسقط الثلج بشدة في ذلك العام، لم أنسَ حين رأيت الثلج لأول مرة في حياتي وأنا التي قضيت حياتي كلها في الأجواء الدافئة في دولة الإمارات فكان تحديًا كبيرًا أن أذهب لقاعة الامتحان لوحدي، كون الثلج يغطي كل المناطق، فأصر والدي على مرافقتي، وكان يمهّد لي الطريق ويمشي قبلي، ويزيل الثلج من أمامي  حتى وصلت بسلام للقاعة، يا الله على قلب رجلي الأول، مرت سنون على تلك الحادثة لكن ما زلت أذكر كل تفصيلة في وجه أبي وهو يلتقط يدي بين كفيه في الطريق".

الهام الخطيب.jpg
د. إلهام الخطيب في طفولتها وصورة أخرى مع والدها

كانت دراسة طب الأسنان مرهقة جدًا وتستغرق ساعات طويلة في المختبرات والتحضير للمرضى وأجهزتهم العلاجية بجانب دراسة مواد الطب والأسنان والعلوم، تذكر إلهام كيف كانت تعاني من مختبرات التشريح في السنة الثانية حيث كان الطلاب يشرحون الجثث في أجواء المشرحة تحت الأرض ورائحة الفورمالين والمواد الحافظة تجعل دموعها تنهمر من غير توقف لتتابع الدرس بعيون ضبابية ونفس ضائق، وتقسم بأنها لن تأكل اللحوم مرة أخرى، حيث كان منظر الجثث لا يفارقها في أي وجبة  حتى تعودت على الأجواء بعد فترة بصعوبة.

أنهت الجامعة بمغامراتها وقصصها، وعملت أول عمل حر لها كمحررة طبية في قناة art لبرنامج حواري لمدة ثلاثة أشهر، وأعادت ذكرياتها القديمة وحبها للصحافة خلاله ثم عادت للطب من جديد، ولكن ظل الشعور بأن هناك شيئًا أكبر من ذلك ينتظرها عالقًا بها، لم تود أن ينتهي بها المطاف في عيادة أسنان، وكلما مارست المهنة روادها الإحساس من جديد، بحثت عن تخصص لتكمل الدراسات العليا به، وجاء لها قبول في أمريكا للدراسة، ولكن القدر كان له رأيًا آخر وتزوجت بطبيب أسنان وهي في خضم رحلتها بالبحث عن شغفها، فأجلت كل الخطط، وتولد من هذا الزواج على حد قولها أكبر أحلامها "أولادها".

| تحديات جمة

الهام وزوجها.jpg
د. إلهام الخطيب وزوجها في حفل تخرجها

لكل مرء منا مرحلة مفصلية في حياته تعطيه الحياة فرصة لكي يكون أو لا يكون، نعم، الاختبار أحيانًا يكون قاسيًا، ولكنه شعور نشوة النجاح والألق يستحق ذلك، تقول إلهام عن النقطة الفارقة في حياتها وزوجها: "تزوجنا في الأردن، وكان لدينا عيادة خاصة نعمل فيها سويًا، ولكن أهل زوجي فكروا في العودة إلى فلسطين. تفاجأنا! أعرف البلاد زرتها من قبل وأملك ذكريات طفولية بها، ولكن النقلة ستكون قوية، وهذا كان أول اختبار لنا: هل سنستطيع أن نعيش هناك ونبني أنفسنا مجددًا، الحياة منحتنا سنة واحدة لنبني اسمًا لنا، بدأنا من نقطة الصفر واستطعنا أن نكون على قائمة الأوائل وأنشأنا عيادة أسنان في بلدة العيزرية ونجحنا في بناء سمعة جيدة لنا".

بعد النجاح الباهر أمام النفس والجميع، ولأن لا شيء يسير على ما يرام دائمًا، عاشا الزوجان الوافدان، الجديدان على الوطن، بعد سنوات من الاغتراب، العذاب على أصوله من قبل الاحتلال الإسرائيلي، رأيا أعوام عجيبة في الانتفاضة الثانية، لم يكونا يعرفان معنى الاحتلال بحق إلا بعدما عاشا التجربة، تكمل إلهام: "عشنا من 2002 وحتى 2008 تضييقًا في مناحي الحياة كافة، مُنعنا من التجول، وحوصرنا في العيش والعمل، خلال تلك الفترة القاسية رزقني الله بابني سامي، وعملت في التدريس في جامعة القدس لجانب عملي بالعيادة، عملي كمحاضرة أسعدني وشعرت بأني وجدت جزءًا مما أبحث عنه في أروقة الجامعة، وبين طلابي المجاهدين الذين يقفون على أكثر من حاجز للاحتلال قبل الوصول للجامعة، كنت أستمع لقصصهم، خرجنا في أنشطة تطوعية معًا لأماكن مهمشة، حقيقة معجبة بكل نضالات طلابي".

في العام 2003 شرعت إلهام بدراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأميركية في تخصص الصحة العامة في جامعة ماساتشوستس، وهذا يوافق توجهاتها، تقول: "بعدما أنهيت الماجستير أراد زوجي أن يكمل دراسته، فسافر إلى أمريكا للدراسة وبقيت أنا في الوطن أتولى شؤون العائلة والعيادة، أثّرت تلك الفترة عليَّ، فمن الابنة المدللة لعائلتها إلى سيدة مسؤولة عن طفلين وعيادة، يومها أخذت عهدًا على نفسي أن أثبت بأنني قادرة على النجاح، وبالفعل، استطعت أن أفعل كل شيء وحدي بجدارة".

الهام.jpg
أبناء د. إلهام الخطيب مع جدهم وجدتهم

بعد عامين من غربة زوجها وتحملها المسؤولية بكاملها، شعرت أن وعاء العلم لديها قد نفذ، وصار لزامًا عليها أن تملأه مرة أخرى، فقررت أن تلتحق بزوجها لدراسة الدكتوراه والخوض بين البحوث العلمية التي لم تتركها أصلًا، تكمل: "درست الدكتوراه في طب الأسنان المجتمعي والوقائي في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصلت على البورد الأمريكي في طب الأسنان. الدكتوراه أهلتني لأن أكون طبيبة أسنان مجتمعية وباحثة، ولكن تحدياتها كانت عديدة؛ فالدراسة مع طفلين (سبع وثلاث سنوات) كانت مرهقة نفسيًا، كنا نتركهم لمدة طويلة لنستطيع حضور المحاضرات، أحاول تعويض ذلك بتخصيص وقت لهم حين عودتهم من المدرسة بسؤالهم عن ما حدث معهم لأكون قريبة منهم، أذكر في مرة أحد زملاء ابني ضايقه ذهبت للمدرسة وتقدمت بشكوى وأنا في قمة غضبي، فصحة أولادي النفسية والجسدية خط أحمر".

تردف إلهام: "حاولنا أن نطور أنفسنا أكثر، فبدأنا بعد حوالي عام بعمل بجانب الدارسة، وهذا أسهم في تعزيز قدراتنا، أصبحت أسافر أكثر لحضور المؤتمرات وأحصد الجوائز. سنوات الدراسة في أمريكا كانت مليئة بالمواقف، نلنا التشجيع من الكادر التدريسي الرائع لكتابة البحوث. لقيت من وقف في طريقي وحاول أن يعطلني، ولكن بدعم زملائي تجاوزته، فأنا لدي علاقات جيدة مع الجميع، وبالرغم من صعوبات المرحلة سواء على الصعيد العائلي أو الدراسي إلا أنها كانت الأجمل، في السنة الثالثة من دراستي تخرج زوجي وانتقل إلى العمل في ولاية أخرى، وبقيت وحدي مع أطفالي مرة أخرى، أصبح العبء عليَّ مضاعفًا؛ دراسة وعمل واهتمام كامل بطفلين، وأيضًا، كعادتي، تجاوزت ونجحت، ثم بعدها بفترة انتقلت للعيش بجانب زوجي وأصبحت أدرس عن بعد".

| إلهام الأم

الهام.jpg
د. إلهام الخطيب برفقة زوجها وأولادها

"تأقلمنا على العيش في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن اضطرتنا الظروف للعود إلى البلاد برفقة سامي وسيف، وتركنا زوجي إثر التزاماتنا المالية هناك، ومن ضمن الأسباب التي جعلتني أعود هي شعوري بأن تخصصي سيخدم وطني، إضافة إلى أنني أود أن ينشأ أطفالي وسط الثقافة العربية، فالثقافة لا تُعلّم، بل يجب أن تُعاش. كنت أُسأل أين ترين نفسك بعد خمس سنوات؟ فأقول "في البلاد"، انتقلت فور عودتي للعيش في رام الله بدلًا من العيزرية، وبدأت بتحدٍ جديد مع أولادي للنجاح في معترك الحياة"، تقول إلهام.

إلهام التي أرادت لأولادها أن يعيشوا في الوطن لتعلمهم معنى أن تكون فلسطينيًا على حق، بالرغم من عرض العمل الذي وصلها من جامعة زوجها بأمريكا، فضّلت أن تتنسم هواء البلاد وتعود للتدريس بجامعة القدس، السيدة الطموحة تفخر بنجاحات أولادها، فالصغار كبروا وأصبح ابنها البكر بالجامعة، حيث درس على النظام الأمريكي وحصد أعلى الدرجات الذي أهلته لدخول أفضل جامعة في العالم، يا لفرحة قلب الأم حينها بابنها، لم تسعها الدنيا من سعادة فؤادها ببكرها. أما الابن الآخر سيف ما زال بالصف الثاني الثانوي، شابًا متفوقًا طموحًا.

تكمل إلهام حديثها بحماس وهي تخبرنا عن أبنائها:  "أصررت أن أتواجد في كل نشاط يتعلق بأبنائي، كانت تمر علي أيام صعبة أتنقل فيها بين التزاماتي المختلفة ولا اهدأ إلا في آخر الليل عندما أجلس أمام طبق السلطة الجاهز الذي أتناوله قبل أن استلقي شهيدة من التعب".

المحاضرة والطبيبة قبل كل عرض تود تقديمه في الجامعة أو محاضرة مهمة، تقف أمام أولادها لتجري بروفة كاملة، فتنال التصفيق من سامي، يتلوه سيف، مشيدًا بأداء والدته، في مرة سُألت إلهام "شو بدك هدية من أولادك بيوم الأم"، فأجابت: "أنا لازم أشكرهم لأنهم أعطوني لقب أم". ملآى السنابل تنحني بتواضعٍ والفارغات رؤوسهن شوامخ، تردد هذا البيت الشعري دومًا، وزادها في الحياة عد النعم الغارقة بها. قيل لها في مرة من دكتورتها: ""لا تحرقي جسورك مع أي شخص، دائمًا اتركي فرصة لإعادة الود مرة أخرى، هذه النصيحة علمتها احتواء الاخرين والتسامح وعدم المبالغة في الخصومة"..

| بين الطلاب

الهام الخطيب1.jpg
د. إلهام الخطيب بين طلابها والأطفال في ورشات توعوية حول الصحة الفموية

ماذا عن التدريس في الجامعة بعد نيل الدكتوراه؟ تجيب إلهام: "لست من محبي العمل الإداري، وقعت في حب التدريس والاختلاط بالطلاب، أعتبره النقطة المضيئة في حياتي، بنيت خلال تلك الفترة علاقات وطيدة مع المؤسسات المختلفة لتنفيذ برامج توعوية وعلاجية، كنت أشرف على تنظيم مبادرات لمدارس مهمشة، ننفذ فكرة العيادة المتنقلة ونقدم الخدمة في بعض المناطق للنساء والأطفال، ومن أعز النشاطات على قلبي التي قمنا بها وطلابي حين نفذنا فعالية في باحات المسجد الأقصى، واجهنا صعوبة من قبل الاحتلال للدخول بالمعدات من معجون أسنان وخلافه من الأدوات".

تكمل: "عكفنا هناك على فحص الجميع وتقديم التوعية بالأسنان، استهدفنا أصحاب المحلات ورياض الأطفال في البلدة القديمة أيضًا، ومؤخرًا قدنا حملة استهدفت مخيمات اللجوء الفلسطينية في الدول العربية لعلاج اللاجئين، وأيضًا بدعم من الفيدرالية العالمية قمنا بتنفيذ مشروع علاجي للاجئين العرب في مخيمات موريا باليونان، حيث كان أطباؤنا يعملون على قدم وساق لمدة أسبوعين لتقديم العلاج اللازم لهم".

إلهام التي تعتبر نفسها من مؤسسي كلية طب الأسنان في جامعة القدس، تدرجت في العمل حتى وصلت لعميد البحث العلمي، ونشرت أبحاثًا عديدة في رصد أمراض الفم، وطرق تدريس طب الأسنان، وفهم طريقة أخذ القرار عندي مقدمي الخدمات الطبية، وأسباب التسوسات لدى بعض الفئات، وأثر جائحة كورونا على طلاب طب الأسنان، والكثير من البحوث التي منحتها جهدًا ووقتًا وحبًا، وبمجرد استلامها لمنصب العمادة شجعت فكرة تنشيط البحث العلمي لدى الطلاب.

| عن العمادة والفيدرالية العالمية

وعن استلامها لمنصب عميد البحث العلمي في جامعة القدس تقول لبنفسج: "قبل تولي المنصب دعاني رئيس الجامعة لمكتبه وسألني لماذا ترفض السيدات المناصب الإدارية المتقدمة؟ لو عرض عليك لقب العميد هل تقبلين؟ أجبته فورًا ودون تفكير: نعم أقبل. تفاجأت بعدها من قراري السريع، شعرت بفخر وارتباك، ولكني أؤمن أن التحديات وشعور الخوف ما هو إلا رحلة مؤقتة حتى الوصول نحو الإحساس الرائع بالانتصار، في هذا العمل لا مهام محددة أطور خطة وأحدد مهامي بنفسي".
 
إلهام عضو في الاتحاد العالمي لطب الأسنان "الفيدرالية"، وهي تضم مليون طبيب أسنان في العالم و ١٦٠مؤسسة ونقابة، فلسطين حازت على العضوية لأول مرة عام 2014 بعد جهد للاعتراف بنا من المتضامنين الأصدقاء معنا حول العالم.

وعن استلامها لمنصب عميد البحث العلمي في جامعة القدس تقول لبنفسج: "قبل تولي المنصب دعاني رئيس الجامعة لمكتبه، وسألني لماذا ترفض السيدات المناصب الإدارية المتقدمة؟ لو عرض عليك لقب العميد هل تقبلين؟ أجبته فورًا ودون تفكير: نعم أقبل. تفاجأت بعدها من قراري السريع، شعرت بفخر وارتباك، ولكني أؤمن أن التحديات وشعور الخوف ما هو إلا رحلة مؤقتة حتى الوصول نحو الإحساس الرائع بالانتصار، في هذا العمل لا مهام محددة أطور خطة وأحدد مهامي بنفسي".

تجعل أي مكان تدخله يشبهها، جاد، يتغير، ويطور من نفسه باستمرار؛ فمنذ تسلمها لعمادة البحث العلمي، قررت تغيير الخدمات المقدمة للباحثين، فعملت على توفير الدعم المادي لهم، لحضور المؤتمرات الدولية، والنشر في مجلات عالمية، كما استقدمت خبراء من أمريكا للطاقم الأكاديمي بالجامعة، ومدت جسور التعاون بين الجامعات المحلية والدولية. يُشار إلى أن العميدة والباحثة عضو هيئة إشراف على ثلاث رسائل دكتوراه في أمريكا والتشيك ونيوزلندا، وأيضًا على رسائل طلاب ماجستير في الجامعات الفلسطينية.

إلهام عضو في الاتحاد العالمي لطب الأسنان "الفيدرالية"، وهي تضم مليون طبيب أسنان في العالم و 200 مؤسسة ونقابة، فلسطين حازت على العضوية لأول مرة عام 2014 بعد جهد للاعتراف بنا من المتضامنين الأصدقاء معنا حول العالم، تردف: "في عام 2015 تقدمت للانتخابات، ترشحت وقدمت أوراقي أمام 135 دولة، ووقفت أمام الوفود للحديث عن نفسي وماذا سأقدم، كنت أظن الأمر يمر بسهولة، ولكن علمت أنني أحتاج لإقناع اللجان لانتخابي، وأنا لا أعرف أي أحد هناك على الإطلاق، كسر الحاجز بعض أعضاء الوفود بعدما عرفت عن نفسي وجاؤوا إليّ مشيدين بأدائي، وحصلت بعدها على المركز الثالث، تفاءلت بالتجربة كونها لأول مرة".

إلهام الخطيب2.jpg
د. إلهام الخطيب على منصة التكريم في مناسبات مختلفة

تكمل إلهام: "في العام التالي لم يكن هناك شواغر، بالعام 2017 فتح شاغر باللجنة ففهمت لعبة الترشح أكثر، وتواجدت بكل المبادرات واللقاءات، ولقيت تجاوبًا معي، وتم التصويت، وحصدت ما نسبته 57%،  وكان هذا الفوز من أجمل المشاعر في حياتي لأني استطعت أن احجز مكانًا لفلسطين في هذه المنظمة العالمية بعد منافسة شديدة". قادت إلهام مشروع الصحة الفموية للاجئين، وطورت دليل للمناصرة للصحة الفموية لهم، وأي منظمة تستطيع استخدامه أو حتى أفراد، وتم ترجمته للغة العربية، تضيف عن الفيدرالية: "بعد ثلاث سنوات كان يجب إعادة انتخاب الأعضاء بشكل إلكتروني لمنصب العضوية في لجنة العمل التطوعي، فأنا أنافس 13 مرشحًا يتبعون لعدة دول، استطعت أنا أنال المقعد الثاني وسط أجواء حماسية، وهذه التجربة منحتني ثقة أكثر وامتنانًا لله ولمن حولي".

اجتهدت كثيرًا لتحصل على الإشادة، ولتثبت لنفسها أن الشغف ليس مهمًا بقدر الإرادة للنجاح، ما زالت الطبيبة تسير بأمل لتحصد في كل مناسبة إنجازًا جديدًا؛ فقد حازت خلال مسيرتها على جائزة Olav Alvarez لعام 2013 لأفضل مقال نُشر في مجلة JDE، إضافة إلى حصولها على جائزة Leverett Graduate Merit Award – Fellowship) للإنجاز المتميز في مجال الصحة العامة لطب الأسنان عام 2013، إضافة جائزة "المرأة من أجل العلوم" المقدمة من لوريال- يونيسكو Loreal-UNESCO Women For Science عام 2014، كما حازت أيضًا على جائزة SMILE Award عام 2016 عن فئة الابتكار عن مشروعها الخاص بصحة الفم للأمهات الحوامل والرضع، وجائزة أفضل 100 طبيب في العالم.