بنفسج

سوسن أبو فرحة: مائدة رمضانية غنية النكهات مغرية الألوان

الأربعاء 10 يونيو

الأكلات التراثية الفلسطينية
الأكلات التراثية الفلسطينية

لـ شهر رمضان ذكريات لا تمحى من قلب الطبيبة الطاهية  التي تبدع في الأكلات الفلسطينية التراثية سوسن أبو فرحة؛ إنها امرأة فلسطينية برعت في تصوير الطعام وفازت بجائزة دولية في هذا الجانب؛ قطعت منتصف الثلاثين لكنها لا يمكن أن تنسى تلك اللحظات التي كانت تقضيها في طفولتها إلى جانب والدتها في المطبخ لتساعدها في تجديل أطراف السمبوسك؛ من هنا تحديداً بدأت حديثاً لطيفاً مع مراسلة "بنفسج" حول أجوائها الرمضانية.

صاحبة المدونة التي لاقت انتشاراً واسعاً بفضل ما تتضمنه من وصفات الأكلات التراثية الفلسطينية للناطقين بالعربية والإنجليزية؛ اعتادت أن تصنع من مائدتها لوحة فنية في كل يوم وعلى وجه الخصوص في خير الشهور. وحتى هذه اللحظة لا تكف ضحكتها البريئة عن التساؤل حين تقلّب في ذكريات الماضي: "لا أعرف لماذا كانت أمي تصر على تحضير الكوسا المحشي أول يوم في رمضان؛ حقاً لست أدري لمَ كانت تختار طبقاً مرهقاً ويتطلب الكثير من الوقت مثل هذا".

 طفولة سعيدة

الأكلات التراثية الفلسطينية
 

 تتذكر دفء العائلة آنذاك: "أذكر أن أبي عندما بدأت الأهلةّ المضيئة في الانتشار اشترى لنا هلالاً ونجمة كبيرين جدا؛ كانا بطول متر تقريبا وما زلت أذكر حماستي أنا و أخي الأصغر ونحن نعلق الهلال على زجاج الشرفة؛ ونراقبه بفرح كلما ذهبنا إلى الصلاة. كانت الزينة تزين نوافذ الحي كله وتبعث السرور في نفوس الكبار والصغار؛ وغياب تلك الأهلة هنا في الإمارات التي أقطنها الآن أحزنني كثيراً". وتضيف: "من بين أشكال احتفاء عائلتي بشهر رمضان في الماضي؛ حرص أمي أن تنشر جواً من السعادة بمجرد دخول شهر رجب لتبدأ عداً حماسياً حتى دخول الشهر الفضيل؛ كانت تحاول أن تحفزّنا دوما على التراويح و قيام الليل وقراءة القرآن وتدارسه في رمضان أكثر مما سواه".

وعن الاستعداد لشهر رمضان؛ تقول الطبيبة المفعمة بالحب: "أحاول دوما أن أحدث تغييرا تدريجيا تصاعديا مع دخول شهر شعبان بزيادة مهمة جديدة كل يومين أو ثلاثة مثل: الحرص على الأذكار أو صلاه الضحى أو السنن الرواتب أو زيادة ورد القران اليومي؛ بهذا الشكل يكون انتقالي لرمضان أكثر سلاسة ومتعة؛ ليكون تغير العادات بشكل أسهل و ليس مفاجئا". في صوتها مودة تريح النفس حين تتحدث عن وسائلها الخاصة لتحببّ أطفالها بالشهر الكريم: "مذ كان أطفالي صغاراً اعتدنا أن نشتري زينة رمضان قبل قدوم الشهر الفضيل، وبمجرد إعلان ثبوت رؤية الهلال نزّين المنزل بالكامل كأنه يوم عيد؛ وتبقى الزينة معلقة طوال الشهر الفضيل".

وثمة أمور أخرى تبادر سوسن إلى فعلها: "حبي للأشغال اليدوية جعل من المهمة أمراً ممتعا؛ حين أطبع لوحات تشجيعية وشهادات تقدير لهم لتحفيزهم على الصلاة والصيام والعبادات. كما نصمم مجسماتٍ لمساجد أو فوانيس ورقية و نرّقمها حسب أرقام أيام الشهر الفضيل؛ ونشتري بعض الهدايا الصغيرة ونخفيها في الفوانيس؛ في كل يوم يتمّون صيامه يحصلون على مسجد صغير وهدية". ويقضي الثلاثة وقتاً ممتعاً في المطبخ؛ ذلك أن طفليها يحبان المساعدة في تحضير مائدة الإفطار وتنظيف الصحون، ولكل منهم مهمه تناسب عمره.

  قواعد صحية

الأكلات التراثية الفلسطينية
 

وبخصوص تحضير المائدة الرمضانية التي تصب في صميم موهبة ضيفتنا؛ تتابع الحديث لــ "بنفسج": "أحرص على وضع خطة أسبوعية للوجبات وأتسوق على أساسها؛ هكذا اختصر ما أمكن من الوقت والجهد، وأتجنب الحيرة اليومية والسؤال الذي أمقته عندما لا يكون لدي جواب: "ماذا سأطبخ اليوم؟". وتشير إلى أن مائدتها الرمضانية عادةً ما تحتوي على نوع من الشوربة وسلطة مغذية  ومتجددة يوميا. وهي مجتهدة في استبدال القلي بالشوي والمكونات الدسمة بأخرى؛ كما تقصر تحضير الحلوى على مرة في الأسبوع ما أمكن. ومن أحب الأطباق إلى قلبها "الرشتة"- طبق تراثي شعبي- ؛ فهو خيار نباتي مغذٍّ أمثل بالنسبة لها؛ و صينية البامية المحضرة  في الفرن- دون قلي البامية -.

وعن طقوس اليوم الأول تقول: "في أسرتي الصغيرة ليس لدينا طقوس فيما يتعلق بطبق اليوم الأول؛ أحضّر ما يتفق عليه الأطفال عندما نخطط لأسبوعنا؛ ويجنح أطفالي لطلب الحلويات خصوصاً مع قصف برامج الطبخ المستمر خلال رمضان وأحاديث أصدقائهم عن أصناف الحلوى والطعام في المدرسة؛ لذا أحاول جاهدة أن أوفر لهم بدائل مغرية ومغذية في آن معاً".

اسألها عما إذا كانت تجد المزاج لتصوير الأطباق الشهية في الشهر الكريم؛ يأتي جوابها: "قد تستغربين أنني أجد الوقت في رمضان أكثر بركة مما سواه؛ ربما لأنني أنظم وقتي بحرص وأحاول استغلاله بالحد الأقصى؛ لذا أجد الوقت لأصور وأتواصل مع القراء. أضيفي إلى ذلك أن عدد زيارات القراء للمدونة يتضاعف بل و يصل إلى ثلاثة أضعاف في رمضان؛ ومع هذه الزيارات تكثر الطلبات لوصفات معينة ويسعدني تلبية تلك الطلبات خصوصا إن كانت من مغتربين أو من عروس جديده مثلاً".

هل تفضلين عادةً أن تسافري إلى عمّان لتقضيه مع عائلتك؟؛ تقول: "في الواقع لا؛ رمضان صُممّ ليكون معسكراً تدريبيا للروح ليرتقي الإنسان بنفسه وهذا أمر يحتاج للكثير من التركيز والصفاء. وإنّ السفر لزيارة الأهل خصوصا بعد غياب طويل يجعل أحاديث الشوق والزيارات تغلب على العبادات والروحانيات؛ ناهيك عن أن السفر مرهق نوعا ما؛ و يتسم بعدم الاستقرار مما يجعل من الصعب التركيز كما يجب".

 ما أغنى المطبخ الشامي

الأكلات التراثية الفلسطينية
 

ثمة وقت تحبه سوسن في هذه الأيام المباركات؛ وحينها تشعر أن الله تجّلى على قلبها؛ تفصح عنه قائلة: "في النصف ساعة الأخيرة قبل آذان المغرب ألقي نظرة تأمل على السماء وأشعر أن الكون كله خاشع؛ أحاول في تلك اللحظات مراجعة يومي، ومدى نجاحي في استغلال وقتي في ذلك اليوم الرمضاني الثمين الذي يقارب على الانتهاء. ولا يسعني إلا أن ابتسم وأنا أشاهد حركه الناس في الشوارع؛ بعض يسرع ليلحق بالفطور، وآخر يهرول ليشتري شيئا نسي إحضاره في طريق العودة للبيت. أطفال يلعبون لينسوا الوقت بانتظار الآذان، وآخرون يسرعون للمسجد لحلقة قرآن أو ليصلّوا المغرب؛ ثم يعودون للبيت. نبض رمضان الجميل الدافئ يتجلى في تلك الدقائق الأخيرة".

وفيما يظن البعض أن الطعام الفلسطيني دسم على معدة الصائم؛ تنفي سوسن هذه التهمة؛ موضحة رأيها: "أعتقد أن وصف المطبخ الفلسطيني بالدسم والثقيل على معدة الصائم "ظالم" بعض الشيء؛ فالمطبخ الفلسطيني غني ومتنوع كونه يحتوي الكثير من الأطباق النباتية المغذية؛ ويركز على الخضار بشكلٍ واضح سواء في السلطات أو المقبلات أو حتى الأكلات الرئيسة؛ لا شك أن هناك أصنافا تمتاز بالدسامة؛ لكن الموضوع في النهاية يعود لك ولاختياراتك".

ولا تتابع سوسن المسلسلات ولا برامج الطبخ في رمضان؛ ذلك أن الوقت أضيق من أن يسمح بمتابعتها لا سيما أن لكلها "إعادة" بعد رمضان؛ حسب قولها. وتضيف: "أحاول متابعة برامج دينية تستهويني وعادة ما أستمع لها وأنا في السيارة أو خلال تحضير الإفطار". وتحاول وصف الأجواء العائلية بالقول: "في الواقع تقتصر الدعوات في رمضان على الأهل و الإخوة فقط؛ أحضّر أثناءها أطباقاً يحبها والديّ أو أطباقاً يطلبها أخي من مدونتي بشكلٍ خاص؛ وأسعى فقط لتقديم أطباق يستمتعون بها".

حسب تجربتها ترى أن مطبخ الشام يعد من أغنى المطابخ العالمية وأكثرها تنوعاً لوجود الحبوب والخضار بشكل واضح مما يجعل مجال الإبداع فيه كبير؛ في حين تركز مطابخ أخرى على الأرز و اللحوم أو أنواع محدودة من الخضار مما يجعل مجال الإبداع أقل فيها.

وحول مدونتها "الشيف المتنكر" التي تهتم بنشر الأطباق التراثية فيها؛ تقول:"يتضاعف عدد زوار المدونة في رمضان عادة؛ بحثاً عن وصفات الطعام في أوله ووصفات المعمول والكعك في آخره؛ ذلك أن الكثيرين يحاولون إعداد وصفات تراثية أو تقليدية في رمضان قد لا يكونوا جربوا إعدادها من قبل؛ مما يدفعهم للبحث عن وصفات دقيقه مكتوبة".

وتتطرق إلى الحلوى التي تفضل إعدادها في شهر رمضان؛ تقول: "مشكلة الحلويات العربية التقليدية أنها غنية جدا بالسكر والدهون؛ لذا مع أنني أحضرّها في رمضان إلا أنني أحاول ما استطعت تقليل الكميات أو استبدل بعض المكونات بأخرى صحية؛ وعادةً ما أفضل الحلويات من الشوفان والفواكه على ما سواها؛ علماً أني لا أحضّر الحلوى بشكل يومي بل استبدلها بصحن من الفواكه؛ تلك هي معادلتي حتى الآن وأحاول تحسينها في كل عام".

لا تعمل ضيفتنا خارج البيت حاليا. ولكن في فترة مزاولتها لمهنة طب الأسنان كانت تتبع نظاماً معيناً في رمضان، خلاصته: "يتطلب الأمر قدراً أكبر من التحضير واستثماراً أفضل للوقت؛ وربما اختيارات أكثر ذكاءً للوصفات وقائمة الإفطار". وحسب تجربتها ترى أن مطبخ الشام يعد من أغنى المطابخ العالمية وأكثرها تنوعاً لوجود الحبوب والخضار بشكل واضح مما يجعل مجال الإبداع فيه كبير؛ في حين تركز مطابخ أخرى على الأرز و اللحوم أو أنواع محدودة من الخضار مما يجعل مجال الإبداع أقل فيها.

وتستفيض في الحديث أكثر: "أميل  لـ وصفات الأكلات التراثية الفلسطينية عادة وإن كانت مائدتي لا تخلو من الأطباق الغربية أيضاً؛ فمثلا أكلات أطفالي المفضلة هي الفريكة، واليلنجي، والمسخن، والفاصوليا البيضاء، وصينية البطاطا؛ وفي المقابل يحبون أيضاً المعكرونة بصلصة البيستو؛ ودجاج الملك بالخضار و البرياني؛ يمكنني القول أننا أسرة نحب الأطباق الغنية بالألوان والنكهات سواء أكانت عربية أم غربية".