هل تساءلت يومًا ما هو الاكتناز القهري؟ إن كنت تسمع بهذا المصطلح للمرة الأولى دعني أخبرك بالحكاية. في يوم من أيام عام 1947 اتصل أحد سكان مدينة هارلم في هولندا، بالشرطة، للبلاغ عن رائحة تحلل تنبعث من منزل عائلة كولير. توجهت الشرطة إلى المكان وحاولت اقتحام البيت، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، اضطر بعدها عناصر الشرطة إلى تسلق المبنى ومحاولة اقتحامه من النوافذ أو أحد المخارج.
وبعد عدة ساعات تمكنوا من الدخول ليجدو مفاجأة استثنائية؛ مداخل البيت ونوافذه كلها مغلقة بأعمدة وكومات من الأغراض التي لا حصر لها؛ عربات أطفال ومجلات وجرائد وصناديق وملابس، إذ بلغ إجمالي محتويات البيت تقريبا 140 طنًا من الأشياء.
المنزل كان يسكنه الشقيقان كولير؛ أحدهما مهندس والآخر محامٍ، ولزما بيتهما بعد الكساد العالمي في عشرينيات القرن الماضي، ولكن السؤال كيف اختفيا فجأة؟ بعد البحث، وجدت الشرطة الشقيق الأصغر ميتًا على كرسيه، والشقيق الأكبر مختفٍ.
بعد عدة أسابيع تمكنت الشرطة من إيجاد شقيقه ميتًا على بعد أقدام بسيطة منه تحت كومات الكتب والأوراق التي كدسها الأخوان طوال خمسة عشر عامًا تقريبًا. لماذا إذًا؟ ما الدافع الذي يجعل الأشخاص يكتنزون أشياءهم؟
ما هو الاكتناز القهري؟
يُعرف الاكتناز القهري بأنه الإفراط الشديد في اكتناز الأشياء، والصعوبة في التخلي عنها أو اتخاذ قرار بشأن التخلص منها حتى لو كانت غير ضرورية، وذلك بسبب شعورهم المستمر باحتياجهم لهذه الأشياء في المستقبل. هل جربت يومًا النظر حولك والتفكير في كل الأشياء التي تحيط بك في بيتك؟ هل جميعها فعلًا أشياء تحتاجينها وتتعاملين معها بشكل دائم سواء يوميًا أو موسميًا؟
ربما لو كنتِ شخصًا محبًا للتخزين والاحتفاظ بالأشياء، بغض النظر عن أهميتها وفائدتها، فستجدين العديد من الأشياء حولك في كل مكان. في الماضي كان يعتبر الاكتناز شكلًا من أشكال الوسواس القهري، ولكن هو الآن يعتبر اضطرابًا مستقلًا حسب ما ذكرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي في العام 2013.
وللاكتناز القهري أعراض عدة، تظهر جلية على المصاب بها؛ كتخزين العديد من الأشياء التي لا قيمة لها على الإطلاق؛ كالحقائب القديمة والكتب والصناديق وبطاقات الدعوات والتهنئة والملابس القديمة. وكذلك الارتباط بالأشياء بشكل مفرط وعدم القدرة على اتخاذ قرار بخصوص التخلص منها، وعند محاولة الاستغناء عنها يجد المصاب صعوبة في التخلص منها مع شعور مصاحب بالقلق وعدم الارتياح.
اقرأ أيضًا: بهذه البدائل: سيطري على الفوضى في منزلك
هذه الحالة لا تؤثر فقط على صاحب المرض أو الاضطراب وإنما تحيل حياة من حوله لجحيم بالمعنى الحرفي. للأسف تتأثر المساحات المخصصة لشركاء السكن أو العمل مثلًا، وتتقلص المساحات المتاحة للحركة مما يؤدي لاضطراب العلاقة بينهم، كما أنها ربما تشكل خطرًا وتهديدًا واضحًا لحياة هؤلاء الأشخاص.
حالة الاكتناز القهري
بالحديث مع بعض السيدات عن مسألة التكدس تقول (ج.ش) إن زوجها يحتفظ بالعديد من الأشياء، ليس فقط من باب الامتلاك وإنما لأن المساحات الفارغة تدفع لملئها بأي شيء وكل شيء ابتداءً من الغرف وحتى مجمد الثلاجة. ولكن التكديس لا يساعدنا في الوصول إلى الأشياء التي نريدها بسبب تراكمها؛ يحب زوجي تجميع الأدوية والعلاجات تحسبًا لمرض أي منا.
ولكن لأنها بكميات كبيرة تفسد دون الاستفادة منها وأتخلص منها أول بأول، ونقوم بشراء علاجات جديدة في كل مرة يمرض فيها أحدنا. بجانب احتفاظه بالأحذية والملابس والأوراق القديمة التي لم نعد نستعملها، أقوم أنا كل فترة بالتخلص من الأشياء لتخفيف المساحة بعض الشيء.
تقول ع.س إن والدها لديه هواية إصلاح الأجهزة، ولذلك فهو يحتفظ بآلاف المسامير والعدد والأدوات التي يحتاجها في كل مكان في المنزل، في خزانات غرفة النوم وفوقها وتحتها وتحت الأسرة وداخل خزانات المطبخ، ولديه غرفتان منفصلتان مملؤتان بتلك الأشياء التي لا يرغب في الاستغناء عن بعضها وتحرير مساحة أكبر، الأمر يشكل عبئًا كبيرًا على والدتها المسؤولة عن تنظيف كل الأماكن التي تحوي هذه الأشياء.
يعتبر التكديس من الأمور التي تتسبب فيها دوافع نفسية وليست فقط دوافع مادية، وأهما الإحساس بالأمان، وذلك بوجود قناعة لدى الشخص المكتنز بأن لديه أي شيء وكل شيء بخصوص أمر ما، أو أمور أخرى وأنه لن يقع في أي مشكلات مستقبلية لأنه يمتلك كل شيء. ولكنه لا يأخذ في الاعتبار بأن تكديس الأشياء يتسبب في ضياعها وصعوبة الوصول إليها، بسبب افتقار الشخص المكدس لآلية لتظيم الأشياء أو تسجيلها، ويصعب عليه تذكرها أصلًا.
اقرأ أيضًا: خطوات ذكية وعملية لترتيب خزانة الملابس
السبب الآخر للاكتناز؛ رغبة الشخص في تملك كل الأشياء التي بحوزته، وأن التفريط في تلك الأشياء هو خسارة لا داعي لها، وأنه في المستقبل قد يصبح لهذا الشيء قيمة عالية ربما لا ندركها الآن. البعض لديهم الرغبة في الاكتناز والتجميع بالشراء، وخصوصًا في أوقات الخصومات والتنزيلات، فيقوم بتكديس العديد من الأشياء حتى مع عدم احتياجه لها، ظنًا منه أن تلك الأشياء قد تُفيد، خصوصًا وإن كان مصابًا باضطراب الشراء القهري.
أسباب الاكتناز القهري
اتجهنا في بنفسج بسؤال خبيرة التنظيم الداخلي الأستاذة شيرين عز الدين حول رغبة الأشخاص في الاكتناز وتكديس الأشياء، وبسؤالها عن الدوافع التي تسبب هذا التصرف قالت: "إن الدوافع تتغير من شخص لآخر؛ البعض لديه اضطراب الاكتناز القهري الذي يدفعه للتمسك بكل شيء وعدم التخلي عنه رغم معرفته بأنه لن يحتاجه، وهو يختلف، بالطبع، عن الأشخاص الذين لديهم كميات كبيرة من الكراكيب، والتي يظنون أنهم سيحتاجونها في يوم من الأيام".
تضيف عز الدين بأن: "الثقافة تلعب دورًا مهمًا في تشكيل وعي الناس وتحديد اختياراتهم وطرقهم الحياتية، أحيانًا، وبسبب الفقر، يلجأ الأشخاص للتمسك بكل شيء وأي شيء لتفادي شرائه في المستقبل وقت الاحتياج وتوفير هذا المال لشيء أكثر أهمية، وربما عدم توافر المال أصلًا للشراء".
وعند سؤالها عن دوافع الرجال والنساء للتكديس قالت: "إن الدوافع بين النساء والرجال في التكديس لا تختلف، ولكنها تختلف في الأشياء والمقتنيات نفسها. بعض الرجال يتمسكون بشدة بالعدد والأدوات والصناديق القديمة وقطع غيار السيارات بينما تتمسك السيدات بالبرطمانات الفارغة والملابس والعلب البلاستيكية وعلاقات الملابس والحقائب وغيرها، فالرغبة في الاكتناز لا تتغير نسبتها بين الرجال والنساء، ولكن اختلافات ومتطلبات كل منهما هي الفيصل".
في كتابها "عبودية الكراكيب" تقول كارين كنجستون بأن اكتناز الأشخاص للأشياء قد يكون سببه خلل نفسي منذ الطفولة؛ كفقدان الأمان، والذي يعوضه الشخص باكتناز كل أشيائه، وإحاطة نفسه بها من أجل الشعور بالانتماء وإثبات وجوده.
الضغط الاجتماعي أيضًا قد يكون سببًا، والذي يحدث عند وجود الشخص في طبقة اجتماعية تهتم جدًا بالمظهر وقياس الإنسان من حيث ممتلكاته ومقتنياته بغض النظر عن قيمتها الحقيقة في حياته، مما يضطر الشخص لتكديس أشياء يعلم جيدًا ضعف قيمتها بالنسبة له، ولكنه يقوم بذلك للحفاظ على مظهره الاجتماعي، سواء كانت تحفًا أو سيارات أو أجهزة منزلية كمالية وغير مفيدة، لكنها تعبر عن مقدار الرفاهية التي يعيشه.
وأوضحت الكاتبة أن وهم الاستحواذ من الأسباب التي تدفع الشخص للاكتناز، كما أضافت سببًا مهما ألا وهو الكراكيب الموروثة؛ وتعني الأشياء التي يرثها الشخص من أفراد عائلته المتوفيين، والذي يجعله يعتقد أن وجودها في حياته هو دليل المحبة وإحياء ذكري الراحلين، أو الرابط العاطفي بينهم وضمان استمرار الوفاء.
في نصيحتها لمحبي التكديس، تقول كنجستون أننا يجب أن نطلق سراح الأشياء، ممتلكاتنا لها عمر افتراضي مثلنا تمامًا، ولا ينبغي أن نتعلق بها بشدة، وأن الوظيفة الأساسية للأشياء هي استعمالها والاستفادة منها، وبمجرد أن تنتهي تلك الوظيفة علينا التخلص منها.
مشاعر الخوف التي تسيطر علينا تجاه التخلص من الأشياء، وأننا ربما نحتاجها في المستقبل، يجب التعامل معها والوصول إلى نقطة قناعة: أن الأشياء لا تظل ولكل شيء عمر افتراضي.
في نفس السياق تقول شيرين عز الدين: "إن الاكتناز ليس بالضرورة ضمانة لصلاحية الأشياء للاستعمال، فاحتفاظ النساء مثلًا بملابسهن لحين فقدانهن بعض الوزن قد يجعل الملابس تبلى وتفقد قيمتها، وعند رجوع صاحبتها لارتدائها ربما تجدها قد فسدت وضاعت قيمتها، بينما يمكن التبرع بالأثواب لأشخاص يحتاجونها بدلًا من تكديسها".
ما هو علاج الاكتناز القهري؟
وأوضحت المختصة: "إن علاج الاكتناز القهري لا بد له من الاستعانة بمتخصص نفسي، ليس هذا وحسب، بل أيضًا لا بد للشخص المُصاب أن يستعين بصديق مقرب أو شريك الحياة من أجل دعمه في رحلته للتخلص من شعور الامتلاك ومشاعر الارتباط الشديدة التي يشعر بها تجاه مقتنياته، وأن الأمر نجح مع عدة أزواج ساعدتهم زوجاتهم على التخلي عن تلك العادة والعكس أيضًا". الحل إذًا يكمن في عدة خطوات بسيطة، ولكنها تحتاج لبعض المجهود:
| التخلص أولًا بأول: التخلص من كل ما لا يلزم عن طريق الفرز بشكل دوري، عن الطريق التبرع، أو إعطائها كهدايا للمقربين، أو التبرع بها للمحتاجين.
اقرأ أيضًا: تفريغ الضغط النفسي: من يطرق باب الخزان؟
| لا تشتري بكثرة: عدم مسايرة النفس في عملية الشراء والانقياد وراء عروض وتخفيضات الحال التجارية، فالأمر لا يعني توفير مساحة فقط، ولكن توفير الكثير والكثير من النقود التي يمكننا استثمارها في أشياء أكثر أهمية وربما ادخارها.
| لا تخزني الأشياء بكثرة: الحد من تخزين الأشياء حتى وإن كانت في دائرة اهتماماتك واستعمالك؛ بمعنى أن نحدد عدد محدد من كل عنصر لا يزيد عنها، أربعة قمصان أو ثلاثة أحذية فقط لا غير، وينطبق هذا الأمر على كل شيء في المنزل.
في النهاية؛ وبعد أن حاولنا الإجابة على السؤال الذي بدأنا فيه هذا المقال- ما هو الاكتناز القهري- من المهم أن نفكر بشكل أكثر عملية، وأن الكراكيب، وما يزداد عن حاجاتنا وما لم يعد ذو قيمة لدينا يجب التخلص منه لإفساح المجال لأشياء أخرى أكثر أهمية، فاحتياجاتنا لا تظل كما هي ولا التزاماتنا تجاه عائلاتنا أو المحيطين بنا، الحياة تسير ويجب أن نسايرها ونتعامل معها.