بنفسج

صنائع المعروف: صوتك الذي لن يندثر

السبت 09 ابريل

ذات مرة، ركبت سيارتي إلى مكان لم أذهب إليه من قبل. رنّ جرس جوالي وأجبت السائل وكان صاحب طلب. أغلقت الهاتف وتساءلت: "ما الهدف من خدمة شخص لن يقدم لي في المقابل شيئًا؟ ما الهدف من منفعة الناس وهم لا ينفعونك وربما منهم من يضرونك؟".

لم تمر دقائق معدودة وإذا بأحدهم يمر بدراجته أمام سيارتي فجأة من دون سابق إنذار، وبأقصى سرعة، وفي آخر لحظة سحقت فرامل سيارتي لتقف قبل أن أدهس الراكب. كاد قلبي يخرج من بين أضلعي لهول الموقف. ولما تأملت الموقف بعد عودتي إلى منزلي، أدركت أنه ربما ما حدث كان هو الرسالة الإلهية التي بعث الله بها إليّ ردًا على سؤالي، فقد سألت: "ما فائدة أن تخدم من لا ينفعك؟"، وكانت الإجابة: "ربما خير قدمته لوجه الله، فانتفع به أحدهم، فكان حصن الله المنيع لك، وُفقت بالتدابير الإلهية لسبب نجاتك من موت محقق أو حادث أليم أو قدر محتم. هذه بتلك".

ماذا لو كانت حياتك اليومية التي تدور حولك ومحورها ثلاثة أو أربعة أشخاص حولك هي ما سوف تحاسب عليه يوم الحساب؟ هل استحضرت نواياك أن خدماتك وأفعالك لنفسك ومن حولك كانت لوجه الله خالصة؟ هل يا تري عملك يصل للقبول عند الله؟ ما دليلك أنه قُبل؟ هل لديك فرصة للاستزادة؟ ماذا لو كانت هناك إمكانية أن تلهم أحدًا ليفعل مثلك وتؤجران سويًا من دون أن ينقص من أجرك شيء؟

ماذا لو كان فعلك دل الضال أو أرشد الحائر؟ أو فتح أبوابًا مغلقة أنت لم تكن تعلم عنها شئيًا؟ ماذا لو كانت هناك دعوة صادقة في قلب أحدهم لك وكانت سببًا في طيب ذكرك عند الله وأنت لا تعلم؟ ماذا لو كانت منصتك على شبكات التواصل الاجتماعي باب نفع؟ لم تظن أن عملك لنفسك وللأقربين يكفيك لتدخل الجنة؟ أغلب الناس يخاف نشر الفضيلة مخافة الرياء والعجب بالنفس، فالرياء كالنملة السوداء على صخرة في ليلة ظلماء.

ولو كنت شخصًا له ظهور على شبكات التواصل الاجتماعي، ولو مازال ضميرك حي ينبض ولم ينضب بعد، تبدأ بالتساؤل، هل ما أقدمه على منصتي مفيدًا؟ هل أستحق اهتمام الناس ومتابعتهم؟ هل أفيدهم فعلًا؟ هل أثاب فعلًا، أم أنه رياء؟ وتشاورنا الشكوك، ونتحسس النوايا، ويصبح الأمر كالفتنة فلم تعد تستطيع التمييز، هل أستمر رغم أن عملي كله مشاع للناس ولا أعلم إن كنت حقًا أُثاب عليه، أم أتوقف ويكفيني طيب العمل الخفي اتقاء لفتنة النفس والقلب.


اقرأ أيضًا: شغاف القلوب.. توضأ بالمحبة واقترب


ثم تتوقف، لتجد هناك من يخبرك أنه فاته ذاك النفع لأنه كان يتعلم عنه بسببك وقد توقفت، وهذا آخر يسألك عن كيف يحصل على معلومات عن كذا، فهو لم يعد يري منشوراتك؟ أين أنت؟ وهذه التي قرأت ذاك الكتاب أو تعلمت هذا العلم لأنك أشرت إليه في أحد منشوراتك، نعم ذاك المنشور الذي نشرته واستشعرت انتكاس الإخلاص.

ولكن لو نقل إن الله أعطاك لسانًا أو منصة تدفع بها خيرًا أو تدل بها على نفع أو تق الناس شرًا، لم لا؟ توقف إن شئت، بعض من الوقت إن أردت، لكن استمر، بدل أساليبك، ستُسأل ماذا فعلت بموهبتك؟ منصتك؟ علمك؟ حاول أن تكون حُجة لك لا عليك.

المشكلة التي لا يدركها الجميع، أننا بحاجة بعضنا بعضا، صوت الظلم والضلال يصبح أعلى إن خفض صوت الحق وضعف صوت المطالب به. المشكلة أنك تجد العديد من مروجي الضلال في كل مكان وهم أجرأ وأعلى، بينما الداعي للإحسان ارتكن جانبًا خوفًا من الرياء، وخوفًا من الفتنة، وخوفًا مما لم يحط به خبرًا. وكيف نصبر على ما لم نحط به خبرًا؟

ولكن لو نقل إن الله أعطاك لسانًا أو منصة تدفع بها خيرًا أو تدل بها على نفع أو تق الناس شرًا، لم لا؟ توقف إن شئت، بعضًا من الوقت إن أردت، لكن استمر، بدل أساليبك، ستُسأل ماذا فعلت بموهبتك؟ منصتك؟ علمك؟ حاول أن تكون حُجة لك لا عليك، بأن توجه عملك للنفع العام ولا توجه الأضواء لنفسك. العمل الخيري والعمل العام ضرورة لبناء جسور التواصل الثقافية والمجتمعية بين الناس على اختلافاتهم. العصر الذهبي الإسلامي كان مزدهرًا لما كان الملوك يكافئون مترجمي الكتب بوزن الكتب التي ترجموها ذهبًا. الحضارة تقاس بالعلم والتعلم، فاخرج من فقاعة الوهم والخوف.

لو كنا نقدر الله حق قدره، أين حظنا من خدمة عباده؟ نحن لن نستطيع مهما فعلنا في يومنا المحدود بوقتنا المحدود والتزاماتنا اليومية أن نقوم بأعمال صالحة كافية لتؤهلنا لرحمة الله وجنته. نحن لسنا جاهزين بما يكفي، عباداتنا منقوصة، وينقصنا الإخلاص، وننسي استحضار النوايا، فما الحل؟ فلنجتهد في خدمة من لا نعرفه قبل من نعرفه. وبهذا ضمنا أن تكون بعض النوايا لله فعلًا. ورغم أهمية ظهور السيدات في الخدمة العامة، إلا أن الكثيرات يبتعدن مخافة الشكوك واللوم والمضايقات من مرضي القلوب، متناسيات دور الصحابيات وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- في نشر علمه وحماية التاريخ والثقافة.

لم لا يذكر الناس أن أول من آمن بالنبي كان امرأة "زوجته خديجة"، وأول شهيدة في الإسلام كانت امرأة "سمية بن الخياط"، أول جامعة في العالم بنتها امرأة "فاطمة الفهرية"، وأشهر حفاظ الحديث امرأة "السيدة عائشة"، وأهم معاهدة في التاريخ الإسلامي كانت صلح الحديبية وكانت بعد مشورة امرأة "أم سلمة"، والسيدة نسيبة بنت كعب مثال يحتذي به في الصدق والإخلاص والهمة. لم نسينا؟ العمل العام والعمل الخيري ليس حكرًا على الرجال. على النساء أن يحتذين بـ نُسيبة، وفاطمة، وأم سلمة، وعائشة، وفاطمة الفهرية، ولا يهم عدد من نخدمهم، الأهم الاستمرارية والإخلاص. توقف حينما يجف حبر قلمك.