واحدٌ وثلاثون يومًا رحلت، أربعة أسابيع مضت، سبعمائة وأربعة وأربعون ساعة انصرفت، وها هو وليدك الأول "يناير" يُسراه تُلملم أغراضًا تحوي بعضًا من القصص والأحداث، يُمناه تلوّح لوداعه الى الماضي وسِجل الذكريات، ودفتر التقويم يُبشرنا بحلول مولد جديد بالنسبة لك، ومعروف بالنسبة لنا، لكنّه بداية جديدة بالنسبة لهم!! لكن؛ قبل أن نُرحب بـ فبراير الذي وصل، ونتلهف لجديده؛ اسمح لنا بقليل من الكلام، لصاحبك الذي ينتظر قدومك، وقدوم خيّرك الكثير، وأمالك العظيمة، وتغيراتك الجذرية!
والحديث هنا لك أنت أيها الإنسان، لك أنت يا أعظم المخلوقات، لك أنت يا من تحمل أمانة لم تقدر السماوات والأرض على حملها، لك أنت يا عبد الله المغمور بنعم خالقه، لك أنت يا من تحظى بالعيش الكريم والسُبل الكثيرة.. نعم، أنت يا عزيزي/ تي، اقترب فالخاطر متلهف لرفقتك بِضع دقائق، والروح تميل إليك ميّل المُعاتب، فـأنا ها هنا أحدثك لعلك تُلملم ما تبقى منك، وتجمع أنفاسك نحو مسارها الصحيح، وخطواتك ناحية الغاية المنشودة والمصلحة المرجوة.
كيف لهذه الأرقام أن تجعل أهدافنا معلقة إلى حينها؟
وفي البدايات؛ فقد اعتدت النفس البشرية على أنماط غريبة في اتخاذ القرارات التي تقع في صالحها، وضِمن هذه الأنماط الاستبشار بزمن البداية، وهنا لا نَعيب التفاؤل واستحضار الإيجابية؛ وإنما ندعم تواجدها الطيّب وحضورها الدائم، والخصوص هنا متعلق بتعلق غالبية البشر بفكرة بداية الأسبوع أو بداية الشهر أو مثلما نرى بداية العام الجديد لتحقيق الأهداف المنتظرة منذ زمن، ولعل المثير هنا أنها في صالحهم وفي أمس الحاجة إليها؛ الا أن العمل عليها ينتظر بداية الزمن!
بالتالي، ارتبطت النفس بأرقام لتحقيق المنتظر الذي من المفترض ألا ينتظر، وحاله طيّب ان كان في الانتظار دون أن يوجه الى سجل الأعوام القادمة ان كان في العمر بقية، وهنا سؤال؟ كيف لهذه الأرقام أن تجعل أهدافنا معلقة إلى حينها، وفي أحيان كثيرة؛ يطول وجودها في قائمة الملفات المعلقة، وذلك لحين ظهور أرقام أخرى مميزة، لعلها تكون دافعًا لتحريك تلك الأهداف التي تأبه أن تتحرك!
اقرأ أيضًا: قلوبنا المتجددة: تصنع أعوامًا جديدة لا تنتظرها
واجهت نفسي بتخيل بسيط، إذا اتصل بي أحدهم، وأبلغني بأن ذلك الشيء الذي أنتظره بفارغ الصبر قد وصل، ومتى ما كان مناسبًا لي أن أقوم بعملية الاستلام. بالنسبة لي حينها لن أنتظر الصباح أن يأتي، ولن يكون بوسعي الصبر حتى بداية الأسبوع التي تغرينا لاستلام مهامنا، والمباشرة في تحقيق أحلامنا، وفي ذات الحين لن أنتظر عقارب الساعة أن تتحرك لتصل تمام الساعة القادمة لأباشر في العمل على ذاتي المحبطة من قراراتي التي تمتاز بغير الثبات، بالتأكيد أنا لن أنتظر في ظل انتظاري الذي سبق؛ حينها سأتوجه لاستلام حاجتي المنتظرة واللهفة العالية تناديني، والحماس يحوش ذاتي المتعطشة لبلوغٍ خطوة من الخطوات التي طال وجودها على رف الانتظار الذي تقوس من شدة ما يحمله!
هذا التصور البسيط في عرضه العميق في رسالته؛ يجعل الذات تُعيد النظر الى مرحلة المباشرة بكيفية غير مرتبطة بفخ الأرقام، والعمل عليها وفقًا لآلية العجلة والضرورة الملحة، وفي ذلك بلوغ للوسيلة الأسلم التي تكسر تسويفاتنا المتعددة وتأجيلاتنا الدائمة، والواجب من ناحيتنا يكمن في مواجهة النفس بهذه الحقيقة التي باتت تسيطر على أذهاننا بصورة تفوق المبالغة!
وفي إطار التسويف؛ فالإشكال لا يقف عند هذا الادعاء وحسب؛ وإنما في ذلك أسباب أخرى، والأمر يحتاج إلى تشخيص عميق للمشكلة، وعرض موسع لمسبباتها الواقعية، حيث أن هذه فقط حفرة من الحفر التي نود التحوط من السقوط فيها زمنًا طويل، خصوصًا وأنها، من دون غيرها، تفتح على النفس مشاكل عظمى، أبرزها يكمن في السير نحو الأمور التافهة حينما لا تُشغل نفسها بمخططاتها، ولك أن تراجع ذاتك بصدق وأمانة فيما سلف.
هنا الاكتفاء بما كُتب يُحرك ذلك الضمير الذي أنهكه الانتظار وصعُب عليه الرجوع بعد كثيرٍ من المقاومات، والغاية من ذلك أكبر من كونه تحذيرًا؛ إنما هو وعي وتوجيه يحمل رسالة المباشرة في الخطة والدعوة إلى العمل، وبإذن الله سَداد وتوفيق يُصاحب قراراتكم وخطواتكم المتحمسة لرؤية الضوء قبل بداية الزمن المنتظر.