بنفسج

فلسطينية أنت: سُنبلةٌ تؤتي أكلها كل حين

الثلاثاء 08 اغسطس

ما أروعك عروسًا تحرصين أن تكون مجموعةٌ من الكتب والروايات جزءًا مما تشترينه لبيتك الجديد، ولحياتك المقبلة. والأروع أن تسعدي بالتنقل بين دُور الكتب أكثر من التنقل وبذل الجهد في متاجر الأثاث، والملابس، والمجوهرات. ما أرفع قدْر تلك الزاوية المكتظة بالكتب، تستأنسين بها كلما ضقت ذرعًا بهموم الحياة وثقل الأعباء الجديدة، لتستقي رشفة عزيمة من رواية امرأةٍ غضة وقفت كالطود أمام عواصف الدهر، أو من كتاب سيرةٍ عن الصحابيات الجليلات ليكن نبراسًا تهتدين به ليومك ولغدك.

أنت اليوم شريكة، تبدأين دربًا مع مجهول، والبدايات لا تقل أهميةً عما سيتبعها من خطوات، فالأساس المتين يحمل عشرات الطوابق، ومن يرنو لارتفاعاتٍ شاهقة لا بد أن يتأكد من متانة الأساس. قريبًا أنت الزوجة المثقفة الواعية، تبثين أثرك لهذا الشريك، فمع كل موقف حرج ستثبتين عمق شخصيتك، ورجاحة عقلك في تجاوز المواقف الصعبة والتحديات الحقيقية.

كما القراءة الواعية تكسبك صفات أهمها الحكمة والتأني، ورباطة الجأش والتحكم في العواطف، وتُكسبك مهارة يفتقدها الكثيرون، وكان غيابها سببًا في خراب بيوتٍ وتشريد أطفال؛ مهارة الحوار والقدرة على فهم الرسائل بوعي، وبثها بحكمة وذكاء. وما أروعك من أمٍّ يظهر أثرها في حياة زوجها وأولادها مع كل نبضة، ليكون شعاعًا خفيًا يتسلل للأرواح فتسكن، وللقلوب فتنتعش، وللشفاه فتنفرج. مثقفة أنت تنقلين ما تغترفينه من جولاتك بين الكتب لحياة المحيطين بك. وبعد أن غدت حياة الكثيرين سطحية، ستكون نظرتك عميقةً، تنبضين بالحكمة وتحيط بك هالة الوقار.

افتقار الثقافة والإلمام بما يحدث حولنا بات نمطًا سائدًا بيننا للأسف، لكن جولاتك بين الكتب والمواقع والمجتمعات المتنوعة ستكسبك معرفةً ضرورية. عجيب أن تكون معرفة العديدات محصورة في تخصصها فقط! فلا تعلم حدود الوطن وجغرافيته، تجهل تاريخًا عظيمًا سيندثر ما لم تحرص على الاطلاع عليه ونقله لأبنائها، لا تدرك ما يحدث حولها من أحداث عالمية قد تغير مجرى حياتها وحياة من حولها وهي غافلة. عليك أن تعرفي شيئًا عن كل شيء، فهذه أدنى متطلبات البقاء في زمننا المتسارع الخطوات، والذي لا نلبث أن نتعرف على حديثه إلا وقد أتانا بالأحدث!


اقرأ أيضًا: المرأة الفلسطينية: حكاية ترويها الصورة


بنيتي إن كنتِ سنبلة علم وثقافة وعمق، فستنبتين سنابل ملآى بين حقولٍ من السنابل الفارغات، سنبلة رزينة تنبت جيلًا يستحقه الوطن. ستدركين أن مهمتك شاقة لكن ستؤدينها حقها، فلا سبيل لأمثالك سوى أن تكوني لبنةً قوية من لبنات هذا الوطن متصدع الجدران. ستدعمين جدران الوطن وترتُقين ما تمزق من نسيجه بفعل الغريب والقريب، ستكونين دعامةً تحمي الوطن من الداخل، وروحًا تُنفَخ فيه لئلا ينطفئ.

لن تدركي أثر هذه الثقافة الآن، ولن تلمسي آثارها المباشرة عما قريب، فكلما طويت من السنين، ستفخرين بنفسك، وستتعمق قناعتك أن التفكير المرهق خيرٌ من الغباء المريح، وأن سباحتك الشاقة في محيطات المعرفة، خيرٌ من الاستلقاء في برك الجهل. راقبي حياة العديدات، ستجدين أن الذكية اللماحة نجحت ودرست واختارت شريك حياة يليق بها، ترينها وإن تعثرت نهضت، وإن تألمت صبرت، ونأت بنفسها عن تفاهة مجتمعات التواصل الاجتماعي، وانعزلت عن مظاهر الترف والسخافة والميوعة.

تساءلين كيف تستطيع الفلسطينية حمل هذا الحزن واحتمال هذا الكمد؟ أما إن نظرت صوب القدس تجدين مرابطاتٍ تخلين عن الدنيا واستبدلن الرفاهية بالمكوث على عتبات المدينة المقدسة، يحطن الأقصى بجدار صلب، ركائزه بركة رباطهن ودعائهن. ستعاهدين نفسك أنك لن تكوني أقل رضىً أو أقل صلابةً أو شأنًا منهن.

لك أدوار عدة، وقد تختارين البقاء وحيدة في عالم عجز أن يأتيك بروح تشبه روحك، وعقل ينسجم وعقلك. لا ضير! فأدوارنا متعددة، ومهماتنا تختلف باختلاف ظروفنا، وأهم مهامّك التي حباها الله لك أنك فلسطينية العينين والكفين، فلسطينية القلب والروح، وهذه لا يستهان بها، فعلمك وثقافتك معاول تعينك على القيام بهذا الدور العظيم. لن تنظري لسيدات حصرن الوطن في بطاقة الهوية، بل سيكون لك دور الخنساوات اللواتي رفضن الانتماء الوهمي لهذا الوطن. نعم ستكونين نموذجًا مشرفًا بين نسائنا العظيمات.

 كيف لا! وأنت إن التفتِ يمينًا رأيتِ نساء غزة الصابرات يقفن بكل عنفوان على أنقاض بيوتٍ وهبت للوطن، لن تسمعي منهن سوى الحمد على الابتلاء والتأكيد على مواصلة درب التحرير الذي وهبن لها الروح والقلب والولد. أما إن التفت يسارًا سترين نساءً من الضفة يحملن أكفان فلذات أكبادهن مرددات أنهن ما أنجبنهم إلا لمثل هذه اللحظات. تتساءلين كيف تستطيع الفلسطينية حمل هذا الحزن واحتمال هذا الكمد؟ أما إن نظرت صوب القدس تجدين مرابطاتٍ تخلين عن الدنيا واستبدلن الرفاهية بالمكوث على عتبات المدينة المقدسة، يحطن الأقصى بجدار صلب، ركائزه بركة رباطهن ودعائهن. ستعاهدين نفسك أنك لن تكوني أقل رضىً أو أقل صلابةً أو شأنًا منهن.

التحديات التي تواجهك باعتبارك امرأة فلسطينية واعية تختلف نوعًا وكمًا، فيا ذات الفكر والثقافة يجب أن يكون دورك مفصليًا في مواجهة الانفتاح الإعلامي الرهيب، هذا الإعلام الذي تسلل بكل خبث وسرق منا لحظات لن تعود وأثرها لا يعوض. المهمة صعبة، والسيل إن لم تكوني صخرةً صلبةً سيغدو جارفًا. عليك الاستعداد جيدًا لحماية نفسك وبيتك من هذا السيل الذي أغرق بيوتنا بالتوافه، ونشر خصوصياتها على الملأ، لكنك بوعيك ستقفلين أبواب منزلك ونوافذه بإحكام، ولن تجعلي منه سلعة للمارة يبخسونها الوصف والثمن. واعية عميقة حذرة، لن تقبلي أن تكوني وبيتك فئران بيضاء تجري عليكم المؤسسات الربحية تجاربها الجشعة، بل ستكونين مهرة عربية أصيلة تأبى أن تُسرج بغير الريح.