بنفسج

عمّا بعد رمضان..

السبت 29 ابريل

بعد انتهاء رمضان الذي حاول الكل أن يستجمع همته فيه؛ لتكثيف الطاعة، أو لربما جدول البعض الخير من الأعمال لشحذ الهمة بالإدارة نحو الاستثمار الأمثل لأثمن الموجود، في تحري أوقات الاستجابة، والتماس الطلب، ننهل من أمنياتنا بالرجاء، نتواصل، نتكاتف، نتهادى، ننفق، نتعازم، ونختم، ونتسابق، وإذا ما هبط أحدنا في غفلة راجع نفسه ولامها على مرور يوم بلا ورد قرآني كعلامة تقصير تكتم على صدر المرء، وكأنه عاد خالي الوفاض من معركة كان النصر فيها حتمي في حال الانتهاز.

وفي مقامٍ كهذا حريٌّ بي أن أذكركم ونفسي بلفيفٍ من الدروس التي يعلمنا إياها رمضان مع كل مرور محفوف بالقدرة والالتزام، والنية من قبل وبعد وهي أولى المستفاد من الدروس، فضرورة تبييت النية كمتطلب للصيام يتقابل مع كونها مفتاح للقبول وأساس صلاح الأعمال، فالنية سر من الأسرار التي تُلقي بظلالها القلبية على اللسان ليلهج طلبًا من الله العون، وتذكير قوي إذا ما تُليت على مسامع الدماغ.

 فماذا لو عرفنا سبيل النية حق المعرفة بصورة تمنع أيامنا من المضي مرور العابرين، كأن نعد طعام العائلة بنية التقوي على الطاعة لا ملأ البطون، وأن ندرّس الأبناء ونحن نبتغي سبيل العلم لا عد السنوات والتباهي، وأن نتبرع للفقراء ونحن نبتغي الأجر لا السمعة، بالتأكيد سيكون حالنا أفضل وسنلتفت للحظات العمر بعين التقدير والامتنان..

 وهنا أتذكر إحدى الصديقات التي أخبرتني في ذات جلسة، بتعاملها الحسن مع وقت الفجر بعد الانتهاء من الصلاة حيث تجلس لتهب يومها لله، ثم تنوي وهي تسأل الله أن يكتب لها أجر أعمالها بكامل خيرها بقصد أو بلا قصد، وفي حديثها تكمن الدعوة لعقد النية في الفعل والقول حتى وإن ولد من رحم الروتين.

 فماذا لو عرفنا سبيل النية حق المعرفة بصورة تمنع أيامنا من المضي مرور العابرين، كأن نعد طعام العائلة بنية التقوي على الطاعة لا ملأ البطون، وأن ندرّس الأبناء ونحن نبتغي سبيل العلم لا عد السنوات والتباهي، وأن نتبرع للفقراء ونحن نبتغي الأجر لا السمعة، بالتأكيد سيكون حالنا أفضل وسنلتفت للحظات العمر بعين التقدير والامتنان..


اقرأ أيضًا: الإلهام الصامت: أن تكون همزة وصل إلى الله


ومن ثم كم منّا اقتنى كتب التفسير، وجلب المصاحف، وأعدّ محراب القراءة، ورفع حالة التدبر في سبيل تحقيق الخشوع، وهو يتحسس تنظيم الورد وفق خمس صلوات ليتم جزأه، فيما كان بعضنا يقسم يومه حسب ورده ويعطي أولوية الوقت للورد كي لا تسرقه المهمات، لو سرحنا في رمضان قليلًا سنجد معنى قول الحبيب المصطفى "الصوم جُنة".

ونحن نعيش بطبيعة كاملة وصحة أفضل تحت مظلة الصيام، وسندرك إمكانية ممارسة الصائم لشعائر الحياة اليومية باختلافات بسيطة حنونة في مضمونها وغايتها، وخلاقة للعادات الصحية، وميسرة لتنازلات عزيزة عن مضارات القلب واللسان والعقل والعلاقات، وفي عرض خطتنا الرمضانية نجد عدد الختمات القرآنية والمحاولاتً المتكررة في الفوز في سباق الإنجاز مع التدبر، ونحن نتزود في اليوم والليلة بما يصنعنا منه لحياة كما يحب الله، ويعدنا لعالم البرزخ.

 فالمبادرة والإحسان في العطاء يردان أفكارنا فلا نستصغر الأجر، فمصحف في مسجد بعيد يتلونه أهله ويحفظونه بثمن لا يتجاوز العشرون شيكل يظل جاري بأجر موصول ومستمر، وخمسة أطفال يتبرعون بمصروفهم لبناء طوبة لستر منزل نادى الجابي به عبر مكبرات صوت المسجد يبني رجالًا تربوا على الإنفاق وآمنوا بمضاعفة أجره ومردوده.

ثم وإن رمضان قد علمنا الصبر على الابتلاء في نهار طويل قد تنال الحرارة فيه منا فنشتهي الماء، وقد تخور قوانا فيمر على بالنا الطعام كمصدر للطاقة، وفي آخر اليوم ومع غروب الشمس ننتظر أحدهم يقول "أذن المغرب يلا سموا وتوكلوا وصيام مقبول إن شاء الله" بعد أن تصدح المأذنة بـ"الله أكبر" لنجلس وأمامنا سفرة فيها ما لذ وطاب من أصناف الطعام، وأنواع من المشروبات التي تروي الظمأ، تمامًا كبشرى الصابرين بعد الابتلاء.

 وهنا قد يطرق بابنا أحدهم أو نطرق باب غيرنا لنهدي لهم طبقًأ من الحب يحمل مزيجًا من جمال الصدقة والإطعام والألفة، وكتوليفة من وسائل التهادي والتكافل، ليعلن كل على طريقته حفظ نصيب الفقير من أمواله وفيها، ولعل حقيقة الصدقة في رمضان تعيدنا لوصية الرسول "ولو بشق تمرة"، وتردنا لفكرة "شيكل على شيكل بيصيروا عشرة، وشوية على شوية تطعم عيلة".


اقرأ أيضًا: علم ينتفع به: لماذا علينا أن نتعلم كيف نربي أبناءنا؟


 فالمبادرة والإحسان في العطاء يردان أفكارنا فلا نستصغر الأجر، فمصحف في مسجد بعيد يتلونه أهله ويحفظونه بثمن لا يتجاوز العشرون شيكل يظل جاري بأجر موصول ومستمر، وخمسة أطفال يتبرعون بمصروفهم لبناء طوبة لستر منزل نادى الجابي به عبر مكبرات صوت المسجد يبني رجالًا تربوا على الإنفاق وآمنوا بمضاعفة أجره ومردوده، وإطعام أسرة متعففة أو المساهمة في فرش مصلى ينوب صاحبه ثوابًا جليل وفوقه أجر غيره دون أن ينقص منه.

 ومثل هذه التفاصيل تذكرنا كم نصرف على أمعائنا ما يضر من أصناف الطعام أحيانًا، نشتري ما نشتهي دون انضباط، ولا نلتفت للمحروم والمكلوم والمنسي، أما عن قيام الليل الذي يؤنس وحشة الظلام في راحة السجود، وهمس الأمنيات في أذن الأرض لتعلو لربها والسماء، نهب نحو المساجد لنرفع الأيادي نطلب، ونبكي، ونحمد ونستعين، ونحلم ونحن بين يدي الله، نقف بحاجاتنا وقائمة الرغبات.

ومن منّا لا يحمل في صدره حاجة، ومن منّا لم يتمنى أن يعطيه الله سؤله وزيادة، وهو يطلب الكرم من واسع الفضل، يفرّغ نفسه طوال الليل للمناجاة، للشكوى بدمع المظلوم ورجاء العدل برد الحقوق، يقف بين يدي الله بأحلام طموح وكل رجائه أن يهون الله أمر الطريق بالتيسير، يلوج بقلب تائب ويطلب من الله العفو، وبروح مبتلى يسأل الله الفرج، ودائن يرجو من الله السداد، وعاشق يرجو من الله لقاء بالحلال.

 رمضان يا أحبتي يخلق عادات جليلة تهذب الروح والوقت، وتفاصيل يحزن المرء على فراقه، ولكن ما يتجلى ذا الشعور حتى نتذكر ضرورة أن نحمل ما فعلنا برمضان لباقي الأيام، لا أن ننتظر من الأيام بأن تحملنا لرمضان جديد كي نُعيد جداول الإحسان بالاحتساب والإيمان بعقد النية حتى تصيب كل أعمالنا الخيرة، فيصيبنا أجرها ولطف ارتداد أثرها.