تنساب حركة أقدامها وأرجلها بثبات كبيرين، تقوم بحركات "الكاتا" بدقة عالية وماهرة؛ إذ إن لعبة الكاراتية من الرياضات التي تحتاج قوة واتزانًا وذاكرة، تحفظ ناظريها في تناغم عالٍ مع حركات جسدها، وفي تناغم مع حلمها كذلك، هذه نغم أبو سمرة، 24 عامًا، التي طالما حلمت بأن تمثل غزة وفلسطين كلها في أنحاء العالم باللعبة التي مارستها وأحبتها وباتت تعني لها كل حياتها.
تقول نغم في مقابلات سابقة لها: "ألوذ إلى شاطئ البحر ورماله عندما أشعر بالتعب أو الضيق، في البحر وصوته يتجدد العطاء وترتاح النفس وتهدأ". فأين يذهب هذا الحلم الذي يستهدفه الاحتلال؟ أين تتجه الأنظار التي كانت وجهتها النجاح والتميز والتفرد! وهذه الحرب الوحشية دهست كل الأحلام ومردتها.
ففي السابع من ديسمبر الماضي فقدت الرياضية الفلسطينية، وبطلة الكارتيه نغم ساقها في قصف وحشي في مخيم النصيرات، وأصيبت بكسور في أنحاء جسدها، بل إنها تدخل في غيبوبة لا تستفيق منها! وماذا إن استفقت يا نغم ولم تستطيعي تحريك ساقك؟ إن بعض أجزاء الإنسان هي رأس مالهم، أجزاؤهم هي أحلامهم، فهل تطيق صبرًا! هذه القدم التي لطالما تمرنت وتدربت وخطت وقفزت ووثبت عاليًا، مرنت الأطفال بمهارة، إلى ما تستند نغم الآن وكيف تستفيق؟!
الاحتلال الإسرائيلي: سارق الأحلام
اغتال الاحتلال منذ بدء الحرب 85 رياضيًا، منهم 18 من الأطفال يلعبون كرة القدم، الذين بترت أجزاؤهم أو تعرضوا لإصابات خطيرة تمنهم من عيش الحلم والطموح. ودمر 5 منشآت رياضية في غزة. وهذا إن دل فإنه يدل على أن هذا الاحتلال لا يدمر المباني والمساكن والطرقات، أو المقاومة، بل إنه يخضع الناس بإخضاع أحلامهم، وأجزاء أجسادهم، يهدف إلى الهيمنة على كل شيء حتى الفكرة والحلم والجسد.
كثيرة هي الأحلام التي دمرها الاحتلال، وكثيرة هي الطموحات التي وأدها الاحتلال في مهدها جراء قصفه العشوائي والمكثف المتواصل على كافة أنحاء قطاع غزة غير آبه بشيء وضاربًا بعرض الحائط كافة المواثيق والأعراف الدولية.
قصف الاحتلال منزل عائلة نغم في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، فارتقت والدتها وشقيقتيها وأصيبت بجراح في رأسها وقدميها، وترقد حالياً في العناية المكثفة بوضع صحي صعب. إثر القصف وإصابة قدميها بُترت إحداها والأخرى تعاني من إصابة بها، إضافة لإصابة رأسها التي تبقيها في العناية المكثفة، ليُبتَر حلمها ببتر قدمها، فهي كانت تحلم برفع اسم فلسطين وعلمها في المحافل الدولية من خلال تحقيق الإنجازات، ولكنها اليوم تقيم في العناية المكثفة على أمل الحصول على العلاج اللازم الذي يمكنها من البقاء على قيد الحياة.
"لم أخطط لدراسة التربية البدنية أو تعلّم الكاراتيه، لكنني شغفتُ بهذه الرياضة بعدما شعرتُ أنها تمنحني القوة والشجاعة" نغم أبوسمرة
يقول والدها بأن نغم كانت بالنسبة له أجمل لاعبة كاراتيه في العالم، مناشدًا كافة المؤسسات والأندية الرياضية بالتدخل لإنقاذ حياة ابنته وتقديم العلاج لها، متمنيًا أن تعود لها حلاوة روحها وأن تعود وتتمكن من ممارسة الرياضة. ومع تهالك القطاع الصحي وشح المواد الطبية بسبب العدوان، يحتاج آلاف الجرحى لعمليات عاجلة وضرورية في ظل تشديد إسرائيل الحصار على القطاع، واستهداف الكوادر الطبية والمستشفيات بشكل خاص.
نغم أبو سمرة: بنات غزة بُناتها
أنشأت نغم أول ناد لتعليم الفتيات هذه الرياضة التي طالما اقتصرت على الذكور، تقول نغم: "لم أخطط لدراسة التربية البدنية أو تعلّم الكاراتيه، لكنني شغفتُ بهذه الرياضة بعدما شعرتُ أنها تمنحني القوة والشجاعة. لدي قناعة بأنها تسهم في تقوية شخصيتي، وهذا هو ما دفعني لفتح نادي خاص بالفتيات؛ لأنني أريد أن تشعر كل فتاة بالقوة من داخلها وليس ممن يحيطون بها، وأن تكون صاحبة قرار قادرة على حماية نفسها".
رغم قلة الإمكانات، تلقت نغم تدريبها في قطاع غزة على يد عدة مدربين. وشجعها الدعم الذي تلقته من والدها وعائلتها على أن تكمل مشوارها نحو النجاح، فقد كان والدها حاضرًا في جميع مبارياتها وبطولاتها مناصرًا ومساندًا لها. وعندما كانت تشعر بالإحباط من تعليقات الناس أو تصرفاتهم، كان والدها بمثابة صمام الأمان الذي حفزها وخفف عنها.
وفي بداية مشوارها، وكأي فتاة تعيش في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، تعرضت نغم للانتقادات. تقول نغم: "شعرتُ أنني منبوذة في مجتمعي الذي نشأتُ وترعرعت فيه، بيد أن تلك الآلام التي شعرتُ بها منحتني القوة لأتابع وأفوز بالبطولة". تحلم نغم بأن تحصل على فرصة لتمثيل فلسطين في المحافل الدولية وإنشاء منتخب فلسطيني للسيدات في رياضة الكاراتيه، حيث تذكر أن أسعد لحظات حياتها كانت في العام 2019 عندما تُوجت بطلة بعد مباراة للكاراتيه في فلسطين.
تحب نغم اللون الأبيض الذي يرمز للأمل والصفاء والنقاء ويوحي بأن الغد يحمل في طياته أشياء أجمل من الأمس.تحمل الحزام الأسود في الكاراتية، وقد انضمت إلى المنتخب الفلسطيني الوطني باللعبة القتالية، وفي عام 2017-2018 حصدت المركز الثاني على مستوى فلسطين في مسابقة "بطولة فلسطين"، وحصلت على المركز الأول على مستوى قطاع غزة، وقد تلقت تدريبها على يد أمهر المدربين في غزة، وشجعها الدعم الذي تلقته من والدها وعائلتها على أن تكمل مشوارها نحو النجاح، فقد كان والدها حاضرًا في جميع مبارياتها وبطولاتها مناصرًا ومساندًا لها.