بنفسج

دار الشيــخ صالح العاروري: بيت تسكنه المقــاومة

الأحد 07 يناير

ما يلفتنا في التغطية الإعلامية التي رصدت حياة الشيخ صالح العاروري وعائلته وحيه وبيته في عارورة، شجاعة النساء اللواتي يلتففن حوله، صبرهن وإيمانهن بالشيخ ورسالته ودعوته وجهاده، بل هو بيت مقاومة وعائلة انتظرت هذا الخبر لتفرح به، بعد سنوات إبعاده: أمه المسنة التي عاشت حياتها متنقلة بين السجون لرؤية ابنها والاطمئنان عليه، ومن بعدها 15 عامًا لم تر فيها ابنها بعد الإبعاء لمنعها من السفر، وأربع أخوات له صابرات محتسبات، وزوجة تعيش وأولادها الثلاثة في الغربة دون زوجها.

 شيخنا اليوم قائد المرحلة وأحد عناوينها، صالح العاروري، وهو الذي جاهد وقام وصلى ودعى ليبلغ الشهادة، وقد أتته في بيروت الضاحية الجنوبية في لبنان في 2 كانون الثاني/ يناير 2024، وستة من رفاقه. وقد صدقه الله شهيدًا؛ فأمه ما قامت إلى صلاة إلا ودعت له بالشهادة، وزوجته صابرة محتسبة انتظرته 15 عامًا وهو في الأسر، وتحملت مشاق الحل والترحال، وعاشت في قلق دائم وقد كان الاحتلال يهدد حياته دومًا. وأخواته يشهدن له بأن مأربه وحلمه هو الاستشهاد في سبيل الله، وكلهن قلن: "نهنئ أنفسنا وفلسطين بشهادة أخانا، وفلسطين ولاّدة، ألف سيأتون وراء العاروي، وكلهم في سبيل الله".

نساء آل العاروري: حصن للمقاومة

عائشة ورحيق ومحمد أبناء الشيخ صالح العاروري.jpg

للشيخ العاروري قصص كثير تحكى عن النساء اللواتي التففن حوله، وقد خُصّ بهذا الحظ الوافر منهن، ولدته أمه، فأحسنت تربيته، وجعلت كل دعائها وصلاتها وحياتها وجهدها لأجله، وزجته المربية الفاضلة هناء الخصيب التي انتظرته خمسة عشر عامًا، وقد كانا مخطوبين، وعندما خرج تزوجا في عام 2007، وعاشا سويًا لثلاثة أشهر فقط، إذ اعتقل بعدها، ومن ثم أبعد إلى سورية في عام 2010، ولم تكن برفقته وقتها.

 رزقمها الله بأولادهما الثلاثة: رحيق 10 سنوات، ومحمد 8 سنوات، وعائشة 12 سنة، التي أسماها تيمنًا باسم والدته، وأخواته الأربعة؛ نِعم النساء، يدعمنه ويدفعنه ويؤازرنه ويقلن فيه كلمة حق "هذا أخانا تمنى الشهادة ونالها، فداء لله وفلسطين، فهنيئًا لنا ولفلسطين كلها".

ولزوجته قصة أخرى تحكى منفردًا، إذ كان مخطوبًا، فبعد أن حكم 15 عامًا، خطب إلى المعلمة هناء الخصيب، وهي من بنات قريته عاروره، الفتاة التي انتظرته 15 عامًا، لتزف إليه بعد سنوات طوال، ولا ينسى يوم احتفل بهما أبناء عارورة وكل القرى المجاورة، بل فرحت فلسطين لأجله يومها.

 ولكن الأيام الهانئة لا تطول لرجل المقاومة، إذ أعاد الاحتلال اعتقاله بعد ثلاثة أشهر من زواجه، حكم لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم خيره الاحتلال الإسرائيلي الأبعاد فاختاره، فرحل في عام 2010 مبعدًا إلى سورية، ومن بعدها تنقل إلى بلدان عديدة: قطر وماليزيا وإسطنبول، لحقته هناء "أم محمد" بعد مدة من الزمان واستقرت في إسطنبول، ولكنه لم يستطع الاستقرار يومًا في مكان واحد بسبب تهديدات الاحتلال المستمرة له.

 عائشة العاروري: الجدة التي لم تر أحفادها

عائشة العاروري أم الشيخ العاروري التي لم تر أحفادها.jpg

تحكي أمه في مقابلة بعد استشهاده عن المرات القليلة التي كانت تتحدث فيها معه بسبب وضعه الأمني وكثرة حله وترحاله، وهي التي لم تراه 15 عامًا متواصلة، وحرمت من رؤية أحفادها واحتضانهم، بعد أن حرمت من ولدها الذي أمضى حياته مسجونًا أو مبعدًا ومن ثم قضى شهيدًا في 51 عامًا من عمره: " كان يحكي معنا عالكاميرا، فيديو، وبعد ما هددوه بطل يحكي معنا، أسأل مرته تقلي مشغول. مسكين، دشر مرته وولاده واستشهد! قعد 15 سنة في السجن وجوزناه قعد عنا 3 شهور بعدهن نفوه.

يومها خيروه بين الرجعة عالسجن أو نفي. أجا شاورني، قلتله يما اطلع برا أحسنلك، ومرتك بتلحقك، وبلكي خلفت. حكالي روحي معاي يما، بس أنا حكتله بقدرش. طلع من هان عالأردن، وبعدين ع سوريا، وبعدها تركيا، وقطر. مرت فترات ما بنعرف وينه. طلب الشهادة وربنا أعطاه إياها. اللهم اجمعنا في جنان النعيم".

وعن والده تقص أخته حكاية محزنة بشأنه: "كانت أمي مرهقة دومًا، تفني وقتها وصحتها وجسدها في الزيارات، وهي منهكة جدًا. في يوم من الأيام كانت تعد نفسها لزيارة السجن بعد الفجر، فأرسل أبي معها رسالة تقول: في هذه الحياة أتمنى فقط أن أراك. عادت أمي من الزيارة وأبي متوفي. نحتسب ذلك عنذ الله".

دلال وصفية: نِعم الأخوات للشيخ صالح 

دلال العاروري الأخت الكبرى للشيخ صالح العاروري.jpg

أخته الكبرى، دلال، أم قتيبة، تقف أمان الكاميرات برباطة جأش، قوية صابرة، وكأنها تعلم ان هذه اللحظة قادمة لا محالة، ولا تراجع عنها، فتقول: "صالح فكر وعقيدة. الدماء ليست غالية على فلسطين، كلنا فداؤها، ورب العالمين سيسألنا ماذا عملنا لفلسطين. العالم يتفرج علينا وكأننا فيلم أكشن. بت لا أؤمن بحقوق الإنسان بعد الآن، لا يوجد حقوق إنسان. ولكن فلسطين ولادة وجميعنا في الطريق ذاتها. نحن نخجل من تضحيات أهلنا في قطاع غزة، ونحن لا شيء يُذكر أمام العائلات التي تباد بأكملها بفعل غارات الاحتلال بالقطاع".

أخته الأخرى، صفية، تجلس إلى جانب أمها، فخورة معتزة شامخة، وتقول: "الكل بعرف مين الشيخ صالح، الكل بعرفه، وهو فكرة والفكرة لا تموت، وهو لا يقاتل وحدة، بل خلفه أمه، سيأتي وراءه ألف. والدته 80 سنة وهي محرومة منه، كل ذلك في سبيل الله. ما عشنا معه، ما عشنا معه في نفس الفترة مع بعض، أمضى عمره في السجن أو مبعدًا. وأخي كريم جدًا، لا يأبه بهذه الدينا، وهدفه رضى الله، ويقول دومًا وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. كان الشيخ موسوعة، علمه واسع، يخدم دينه ووطنه، وهو بسيط متواضع، يحب أن ينفق على الآخرين. هاي غزة تنفق آلاف الشهداء، وأخي ليس أغلى منهم، بل هم سواسية، ربنا اختاره شهيدًا ومش مستغربين ولا متفاجئين".

كان الشيخ موسوعة، علمه واسع، يخدم دينه ووطنه، وهو بسيط متواضع، يحب أن ينفق على الآخرين. هاي غزة تنفق آلاف الشهداء، وأخي ليس أغلى منهم، بل هم سواسية، ربنا اختاره شهيدًا ومش مستغربين ولا متفاجئين".

ستتذكر أخته أصعب اللحظات في فترة اعتقاله، هو الذي أمضى معظم حياته في السجن، إذ أمضى 15 عامًا، وأتبعها بفترة أخرى لمدة ثلاث سنوات، وها هو يكاد يبلغ 14 عامًا من الإبعاد، ويستشهد عند الـ 51 عامًا، فماذا عشت من حياتك يا أخي هانئًا تنعم بالسلام والأمن: لا شيء!

إن السنوات ال 14 التي عاشها منفيًا كانت تنقلًا بين بلد وآخر، فلم يعش في أي من الفترات بين زوجته وأبنائه مستقرًا، إذ كان الاحتلال لا ينفك عن تهديده بالاغتيال. وعن سجنه تقول: "أغمي علي عندما رأيته في زيارة إلى سجن النقب، كان قد خسر 40 كيلو من وزنه، لم أكد أعرفه بعد تعرضه للتعذيب والتحقيق والعزل".

وعن آخر مرة رأته فيها أخته الكبرى، تقول: "أمي مرت 20 سنة من يوم الإبعاد لم ترى أخي صالح، والحمدلله السنة الماضية حجينا مع بعض وقعدنا ثلاث أيام. ومعه إخوته القادة، كلهم جبال شامخة، متواضعون، أخلاق كريمة، يتمنون الشهادة كل يوم، والمجاهدون يطلبون الشهادة وينالونها.

أما آخر اتصال فكان في 7 أكتوبر، وقت الفجر، اتصلت به بعد إشاعة اغتياله، وقال إنه بخير. اطمأننت عليه ولكني كنت أعرف أن يوم اغتياله قادم، وهذا هو العدو يقتل الطفل ولا يوفر قائدًا. دمه مش أغل من دماء غزة، كله فداء فلسطين، وما النصر إلا صبر ساعة، ونحن منتصرون بإذن الله".

صالح العاروري: جهاد واستشهاد

هناء الخصيب زوجة الشيخ صالح العاروري.jpg

وُلد صالح محمد سليمان العاروري في قرية عارورة قضاء رام الله، في 19 أغسطس 1966. وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في فلسطين. ثم حصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل. قاد العمل الطلابي الإسلامي (الكتلة الإسلامية) في الجامعة منذ عام 1985 حتى اعتقاله عام 1992.

اعتُقل إداريًا منذ عام 1992 في سجن طولكرم المركزي حيث تعرض فيه لتحقيقٍ قاسٍ، واستمر اعتقاله حتى عام 2007 (15 سنة)، ثم أُعيد اعتقاله بعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه، ولمدة ثلاث سنوات حتى سنة 2010م، حين قرَّرت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراجَ عنه وإبعاده خارج فلسطين.

اختِيرَ عضوًا في المكتب السياسي لحركة احماس عام 2010، وحتى أكتوبر 2017. وفي التاسع من أكتوبر عام 2017 أعلنت حركة حماس انتخابَ العاروري نائبًا لرئيس المكتب السياسي.

رُحِّل إلى سوريا واستقرَّ فيها مدَّة ثلاث سنوات، ومع بداية الأزمة السورية غادرها إلى تركيا في شهر فبراير عام 2012، ثم بعد سنوات غادر تركيا وتنقل بين عدَّة دول منها قطر وماليزيا، واستقرَّ أخيرًا في الضاحية الجنوبية في لبنان.

اختِيرَ عضوًا في المكتب السياسي لحركة احماس عام 2010، وحتى أكتوبر 2017. وفي التاسع من أكتوبر عام 2017 أعلنت حركة حماس انتخابَ العاروري نائبًا لرئيس المكتب السياسي.

هدم بيته لمرتين الأولى في 2014، والثانية في 2023.اغتيل صالح العاروري في بيروت، مساء يوم الثلاثاء 2 يناير (كانون الثاني) 2024، عن عمر ناهز السابعة والخمسين بعد 88 يومًا على بدء معركة طوفان الأقصى، إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت مكتبًا لحركة حماس في المشرفية بضاحية بيروت الجنوبية، وأسفرت عن مقتله مع اثنين من قادة القسام هما سمير فندي أبو عامر وعزام الأقرع أبو عمار، وأربعة عناصر من الحركة كانوا في نفس المكان. إضافة إلى جرح 10 من السكَّان والمارَّة في المِنطقة.